تنظيم “قاعدة” متأسلم، وتنظيم “قاعدة” متمسح

فيما كان العالم يستعد لإحياء الذكرى العاشرة لهجمات 11 أيلول/ سبتمبر في نيويورك الذي واكبته حملة مركزة استهدفت الإسلام والمسلمين بوصفهم، بالضرورة والمطلق، “متطرفون وإرهابيون”، خرج نرويجي ينتمي إلى التيار اليميني المسيحي المتطرف ليوقع مجزرة رهيبة راح ضحيتها قرابة (100) شخص في العاصمة أوسلو. لقد خرج ليعيد تذكير العالم بحقيقة، غيبت طويلا، قوامها أن الإرهاب والتطرف ليسا مرادفين لدين أو عرق بعينه. لكن، وبحسب “العادة” السيئة، سارعت وسائل إعلامية غربية إلى وضع تنظيم القاعدة و”المتطرفين المسلمين” على رأس قائمة المتهمين بتنفيذ المجزرة، ليظهر بعدها بأن العملية كان وراءها نرويجي “أشقر” يحمل أفكار ومعتقدات اليمين المتطرف الداعي لمحاربة الإسلام والمسلمين وطردهم من أوروبا، موقظا أصحاب نظرية “ربط الإسلام بالإرهاب” على حقيقة أن الخطر الأصولي قد ينبع أيضا من الفكر الديني العنصري اليميني الغربي الرافض لكل ما هو خارج عن دائرة معتقداته وثقافته ولونه. وهذا اليمين هو نفسه الذي يدعو إلى التدخل القسري واستخدام العنف واستعمال السلاح لفرض التقاليد والقيم، ودفع من يحملون ويؤمنون بهكذا أفكار وتوجهات إلى ارتكاب أعمال إرهابية لتخليص مجتمعاتهم من ”المظاهر الغريبة” التي جلبها إليهم ”المسلمون والسود”!!

لقد لفت خبراء ومحللون غربيون موضوعيون النظر إلى مدى الخطأ الكبير الذي وقعت فيه وسائل الإعلام الغربية في سرعة توجيه التهمة للمسلمين. مثلا، كتب المحلل الألماني (فيليكس شتاينر) معلقا: ”قبل أن يحسم أن الجاني نرويجي، ظن كثيرون في ألمانيا أن متطرفين مسلمين يقفون وراء الهجوم، كتنظيم القاعدة مثلا. وقد ثبت أن هذا الاعتقاد خاطئ. لكن لماذا اعتقد الناس ذلك في البداية وكيف أخطأوا التقدير إلى هذا الحد؟”. الشيخ (حسان موسى) نائب رئيس مجلس الإفتاء السويدي، يجيب صراحة على تساؤل (شتاينر) فيقول: ”ثقافة الكراهية والإرهاب الأعمى لا تعرف دينا ولا وطنا، وأحداث النرويج خير دليل على ذلك”، مشيرا إلى أن خطر اليمين المتطرف ”أخطر من ثقافة وأفعال تنظيم القاعدة على المدى البعيد”. هنا، يجدر التنويه أنه، خلال ثلاث سنوات فقط، تمكنت أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا من تأجيج العداء ضد كل ما هو أجنبي، خصوصا ضد العرب والمسلمين. بل إن أحزابا من اليمين المتطرف الأوروبي، أعلنت في مدينة أنفير البلجيكية، سنة 2008، تأسيس منظمة لمكافحة ما أسمته ب”الأسلمة” في أوروبا. وتباعا، ظهرت دعوات لكبح جماح الهجرة والتضييق على المهاجرين، بل أصبحت ردود الفعل العدائية، تجاه العرب تحديدا، برنامجا انتخابيا لدى بعض هذه الأحزاب. وفي الواجهة “يبرز” حزب (الجبهة الوطنية) في فرنسا الذي تقوده (مارين لوبان) ابنة (جون ماري لوبان) الذي كان “رائدا” في قيادة المنظمات المعادية للأجانب، خصوصا العرب المهاجرين من الجزائر وتونس والمغرب. وقد تبنى هؤلاء عمليات عنصرية عديدة منها تدنيس قبور الجالية المسلمة في فرنسا في 2009 – 2010. كما “برز” أيضا (حزب ”الحرية”) في هولندا الذي يقوده النائب في البرلمان الهولندي (كيرت فيلدرز) صاحب أزمة حرق المصاحف، وهو الملحد، الذي يعتز بالتاريخ المسيحي اليهودي الذي بني عليه المجتمع الأوروبي؟!!! بذلك، يظهر أننا أمام تنظيم “قاعدة” لكنه “متمسيح” هذه المرة!.

أما النرويج، ومع تعازينا المتجددة لها على الأرواح التي أزهقتها تلك المجزرة، فلربما تتعلم من خطئها السابق (حول ربط الإرهاب بالإسلام). ففي مطلع 2011 ، اعتبر تقرير للأمن النرويجي أن الخطر الذي قد يتهدد البلاد مصدره “المتطرفون المسلمون” وليس “اليمينيين المسيحيين”. ووفق ما جاء في التقرير عن “تقييم المخاطر” فإنه -كما في السنوات السابقة- لا تشكل مجموعات اليمين المتطرف واليسار المتطرف تهديدا جديا للمجتمع النرويجي في العام 2011. ورغم أن التقرير لفت إلى تسجيل زيادة في أنشطة مجموعات اليمين المتطرف منذ عام 2010 ، إلا أنه أصر على أن الخطر الرئيسي لعام 2011 لا ينجم عن اليمينيين المسيحيين بل عن “المتطرفين الإسلاميين”.

من جهتنا، ربما نحمل المسؤولية للإعلام في الغرب عبر تحالفه مع اليمين المتطرف لإضمار العداء للإسلام والمسلمين وصناعة عدو غير حقيقي للمجتمعات الغربية تحت غطاء “الإسلاموفوبيا”. فالغريب أنه، بسبب الأجندات الإخبارية التي تسير كبريات المؤسسات الإعلامية في الغرب، لم يتم استعمال لفظة ”إرهابي” على منفذ تفجيرات أوسلو، بل هناك من ذهب إلى محاولة تبرير فعلته بعدائه للإسلام والمسلمين. لذا، فإن الأسوأ، ربما، مازال بانتظار الغرب في حال لم يسارع لتصحيح الخطأ الفادح الذي وقع فيه منذ سقوط الشيوعية ألا وهو ربط “الإرهاب” بالإسلام . فمنذ هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، ألصقت “تهمة الإرهاب الإسلامي ” بأية حادثة (حتى لو كانت عابرة) ودون انتظار نتائج التحقيقات، الأمر الذي جعل أغلب المسلمين عناصر مشبوهة، ووفر – في الوقت ذاته – فرصة ذهبية للجماعات “المسيحية” المتطرفة للانتشار والتحرك أحيانا ضد غير العرب والمسلمين. فمثلا، ركزت وسائل الإعلام الأمريكية مجددا على ميليشيات اليمين المتطرف في الولايات المتحدة ونقلت عن مركز “ساوثرن بوفرتي لوو سنتر” – الجمعية التي تعد مرجعا بهذا الشأن – القول إن “عدد المجموعات العنصرية الصغيرة ازداد في الولايات المتحدة بأكثر من 60% منذ العام 2000، حيث ارتفع من (602) مجموعة إلى أكثر من (1000) العام الماضي. وحذر المركز من انتشار هذه المجموعات وتوسع نشاطاتها منذ انتخاب (باراك أوباما) رئيسا للولايات المتحدة في نهاية 2008 وذلك “لاستيائها من وصول رئيس أسود إلى البيت الأبيض”.

لقد أصبح عالم اليوم يواجه خطرا إرهابيا ليس مصدره جماعات إسلامية متشددة، على رأسها تنظيم القاعدة، فحسب، بل هو يواجه خطر تنظيمات وجماعات غربية متمسيحة (مثلما أن أعضاء “القاعدة” هم متأسلمون) نفخت في روحها الأفكار العنصرية التي تعتمد في خطاباتها على العرق والثقافة وحتى “الدين”. وما عاشته النرويج مؤخرا من أحداث مفجعة جاء ليثبت بأن الأفكار والمعتقدات اليمينية المتطرفة (كائنا ما يكون دينها وعرقها) أضحت خطرا حقيقيا على الأمن والسلم الدوليين، شأنها في ذلك شأن تنظيم “القاعدة” وكل التنظيمات والجماعات الإرهابية الأخرى عبر العالم.