علاقات واشنطن وتل أبيب: توتر، أم شرخ، أم قطيعة؟!

أ.د.أسعد عبدالرحمن

تعتمد العلاقات الإسرائيلية/ الأمريكية على مصالح متبادلة. والشرق الأوسط يمثل للولايات المتحدة الأمريكية منطقة إستراتيجية هامة تؤثر على الأمن القومي الأمريكي، كذلك فإن إسرائيل- طبقاً لنظرية الأمن الإسرائيلي – ترى في الولايات المتحدة الحليف الإستراتيجي الذي تعتمد عليه في صراعها مع العرب وغيرهم. ولطالما كان الرؤساء الأمريكيون يتعاملون مع إسرائيل، على أساس أنها مصلحة أمريكية ومن ثم كان حرصهم الدائم على أمن إسرائيل. وبهذا المعنى، لم تعد إسرائيل مجرد أداة للحفاظ على المصالح الأمريكية، بل أصبحت قوة غربية تمثل امتدادا للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط وتشكل إسرائيل نفسها جزءا منها. وعليه، فإن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل – من منظورهما- هي في الأساس علاقة التزام أمني وحضاري وسياسي. 

اليوم، سواء نفت واشنطن وتل أبيب تدهور العلاقة بينهما أم لا، فإنه بات من المؤكد أن المياه الآسنة بدأت تكثر وفاحت ريحها. فالسياسة الإسرائيلية تثير ردود فعل أمريكية غاضبة، تصب، بين الفينة والأخرى، جام غضبها على رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) وتحمله المسؤولية الكاملة، وتتهم حكومته بأنها تستخف بالبيت الأبيض وتمارس الألاعيب بين البيت الأبيض والكونجرس، وتصف (نتنياهو) وطاقمه الأمني بأنهم “متهورون وغير جديرين بالثقة”. وطبعا، لا “يقصّر” المسؤولون الإسرائيليون في التهجم المستمر على الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته تحديدا. 

يبدو أن الشرخ بين واشنطن وتل أبيب أعمق بكثير مما تصور البعض، فبعد تحذير وزير الخارجية الأمريكي (جون كيري) من تحول إسرائيل إلى دولة أبارتايد، ها هو أعنف هجوم يشنه مسؤولون أميركيون على (نتنياهو)، حيث اتهموه بأنه “جبان وبائس ومخادع ومنشغل في الحفاظ على سلطته”، وتوقعوا أن ترفع الولايات المتحدة العام المقبل غطاء الحماية الممنوح لإسرائيل. فقد نشرت مجلة “أتلانتيك” مقابلات مع مسؤولين في الإدارة الأمريكية، حيث وصف أحدهم (نتنياهو) بأنه “جبان ” (Chickenshit)، وأكد أن  الأمر الوحيد الذي يعنيه هو البقاء سياسيا”. وأضاف: “الشيء الإيجابي في نتنياهو أنه جبان بما يتعلق بشن حروب، والشيء السيء أنه لا يقوم بشيء من أجل التوصل لتسوية مع الفلسطينيين أو مع الدول العربية السنية”، مضيفا: “هو ليس رابين ولا شارون وبالتأكيد ليس كبيغين، ببساطة ليس لديه شجاعة”. وقال معد التقرير الصحافي (جفري غولدبيرغ)، أنه التقى مع مسؤول آخر في الإدارة الأمريكية، واتفق مع قول زميله بأن (نتنياهو)  جبان  بل وصفه أيضا بأنه  “متغطرس، منغلق ويعاني من متلازمة أسبرجر (الاضطراب)”. وأكد المسؤول أن “البيت الأبيض لم يعد يصدق تهديدات نتنياهو بشن هجوم على إيران. والشعور السائد في أوساط الإدارة الأمريكية أن نتنياهو مخادع بكل ما يتعلق بالهجوم على إيران”. بل أنه وبحسب تقدير أحد المسؤولين، ومع تقديم الفلسطينيين مشروع القرار في الأمم المتحدة، “سيرفع أوباما غطاء الحماية الممنوح لإسرائيل في المنظمات الدولية”. وبتقديره، “إذا استخدمت الإدارة الأمريكية حق النقض (الفيتو) على مشروع القرار الفلسطيني فإنها ستعمل على بلورة مشروع قرار بديل ضد الاستيطان وتطرحه للتصويت، وفي هذه الحالة تصبح إسرائيل معزولة بشكل تام في العالم”. 

في مقال بعنوان “نكران الجميل!”، كتب (بن كاسبيت) يقول: “ليس لاسرائيل أمريكا أخرى. هذه هي آخر واحدة لنا. عندما سينفذ ابو مازن تهديده ويتوجه الى مجلس الامن مع مشروعه الجديد، من يفترض به أن يستخدم حق النقض الفيتو؟ جلعاد اردان، بصفته سفير اسرائيل في الامم المتحدة؟ لا. هذا هو دور الامريكيين الذي نتنكر لجميله. ان ينظفوا بعدنا، في كل مكان على وجه البسيطة.. وعندما سيطرح مطلب آخر في محفل دولي كهذا أو ذاك بازالة الغموض عن النووي الاسرائيلي من سيشطبه عن جدول الاعمال؟ ان التفوق النوعي للجيش الاسرائيلي على باقي الجيوش في المنطقة، يعود الى الحلف مع امريكا. تمويل القبة الحديدية، الطائرات، القنابل الذكية، القنابل التي تخترق الخنادق، كل البنية التحتية للعتاد والسلاح لدى الجيش الاسرائيلي. لدينا فقط امريكا واحدة، وهي ايضا آخذة في النفاد”. ويضيف: “نحن نتعامل مع امريكا وكأنها ارنبتنا نركلها في الرأس في كل مناسبة. والذي أباح الدم الامريكي هو نتنياهو”. 

صحيح أنه لا ينبغي التعويل على القطيعة بين واشنطن وتل أبيب، لاسيما أن المصالح المشتركة لا يمكن التفريط فيها من الجانبين، إلا أن المطلوب من العرب، وبالذات من الفلسطينيين، استخدام ما في جعبتهم من أسلحة في معركة قادمة حتى تزيد التوتر القائم، وتوسع الشرخ بين واشنطن وتل أبيب. فهل يفعلها العرب؟!.