عن الفساد، وهل نتعلم من إسرائيل؟!!

الفساد ظاهرة عالمية، ولطالما مثل تحدياً خطيراً في وجه تنمية الدول، فهو ينخر في قدرة المؤسسات الحكومية على أداء دورها بشكل صحيح. وهو، في أصله، “دود” ينهش شرعية الحكومات، والقيم الديمقراطية للمجتمع حين تباع المناصب الرسمية والمواقف وتشترى.

وفي إطار الإصلاحات لتعميق حربها على الفساد، تنظر العديد من دول العالم، إلى مرتكبي الفساد، سواء كانوا من علية القوم أو أدناها، سواسية. بل إنها تحاكمهم على فسادهم: السياسي، أو الاقتصادي، وحتى الأخلاقي. وأمريكيا، كلنا يذكر قصص الرئيسين الأمريكيين (ريتشارد نكسون) و(بيل كلينتون) وكذلك مساعد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق (بول وولفوفيتز)، خلال ترؤسه البنك الدولي. وفي مثل هذه الدول، يكون الجميع في نطاق القانون عندما ينكشف فساده، إلا في عالمنا الثالث وكأنه عالم “المدينة الفاضلة” لا يوجد فيه فساد أو تحرش جنسي حتى.

أما في إسرائيل، فتتسع فضائح الفساد في الحياة السياسية الإسرائيلية، وتطال مسؤولين حكوميين كبار، لن يكون آخرهم رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق (إيهود اولمرت) وسجنه 8 أشهر في قضية تلقيه أموال (رشى) من رجل أعمال (مقابل خدمات سياسية) دون إبلاغ “مراقب الدولة”. ومن قبل، صدر بحق رئيس إسرائيل الأسبق (موشيه كتساف) حكم بالسجن لمدة 7 سنوات في 2011، حيث اتهم بالتحرش، ومحاولة اغتصاب عدد من الموظفات العاملات معه. وكذلك فضيحة الفساد التي أصابت “سلطة الضرائب” واعتقال رئيسها (جاكي ماتسا)، والتحقيق مع 20 مسؤولاً فيها بتهم تلقي رشى، وغير ذلك من حالات “إسرائيلية” عديدة مشابهة. فالفساد في إسرائيل لم يقتصر على الجانب السياسي فقط، بل امتد الى جيش الاحتلال الإسرائيلي وأجهزة الأمن وبعض الحاخامات.

يرى عديد المحللين والباحثين الإسرائيليين أن أسباب انتشار ظاهرة الفساد في مجتمعهم تعود إلى عدم التجانس والانسجام بين أفراده، نظراً لتعدد البلدان التي قدموا منها، وتباين البيئات التي عاشوا فيها في السابق قبل قدومهم لإسرائيل، وعدم قدرة الكثيرين منهم على التكيف والتأقلم مع الحياة الجديدة، مع أن الفساد يستشري بصورة أكبر في الشرائح العليا من المجتمع الإسرائيلي التي تملك السلطة والنفوذ. في السياق، كشفت دراسة “للمعهد الإسرائيلي للديمقراطية”، عن اعتقاد نصف الإسرائيليين بأن الفساد متفش في إسرائيل. أما النائب الإسرائيلي العام (شاي نيتسان) فيرى “أن مكافحة الفساد تتم، بالأساس، بتعديل التشريعات وبالتربية”. ويضيف: “وتبقى التربية الوسيلة الأهم. فكل مجتمع جدي يهدف لمكافحة وباء الفساد عليه أن يلفظ من داخله كل من يدان به وذلك بخلاف الواقع الحالي في إسرائيل حيث يبقى المدانون بالفساد نجوما في التلفزيون والمحافل العامة وعلينا تغيير هذا الواقع لأن الرسالة الاجتماعية ـ التربوية هنا في غاية الأهمية”.

في المقابل، يوضح المحامي الإسرائيلي البارز (يحيئيل جوتمان) أن “الإعلام يبالغ في تصوير الفساد كظاهرة متفشية جدا في إسرائيل”، لافتا إلى أن “فضحها وملاحقة المتورطين بها ينطوي على وجه إيجابي منير. ولطالما كان الفساد قائما لكن الكشف الإعلامي له اليوم قد زاد”. وفي ذات السياق، يقول المحامي (دان إلداد) مدير القسم الاقتصادي في مكتب النائب العام المختص بالفساد السياسي والجريمة الإقتصادية: “إنني فخور بكوني مواطناً في دولة إسرائيل، التي كل من فيها، بمن فيهم رئيس الحكومة، سواسية أمام القانون، دولة يوجد بها قضاة مهنيون، ويقومون بكل ما يتطلب الأمر عندما تظهر حقائق جديدة تبُين لهم أنهم قد أخطأوا في السابق”.

في المحصلة، إسرائيل هي من بين البلدان النادرة في العالم التي تحاكم رؤساءها ورؤساء حكوماتها ووزراءها وكل من يقترف خطأ في الحق العام. صحيح أن هذا الحال يكشف عن وجود فساد كبير في الدولة الصهيونية لكنه، في الوقت نفسه، يثبت وجود آليات ومساع لمحاربة الفساد. وفي الأخبار، أن خطة جديدة لمواجهة الفساد المتفشي في إسرائيل قد بدأت منذ بداية العام الحالي، حيث يبحث طاقم من مسؤولي وزارة القضاء الإسرائيلية، مع أكاديميين وقادة الشرطة، عن وسائل جديدة لمكافحة ظاهرة الفساد، تشمل تغييرات وإجراءات عديدة فاعلة. وبالعودة إلى النائب العام (نيتسان) فإن: “الطاقم المذكور يتطلع لتجفيف المستنقع الآسن بدلا من ملاحقة البعوض الفاسد”، لافتا إلى أن ذلك يتطلب “تغييرات بنيوية تساهم أيضا في إفهام الجمهور حقيقة أن الفساد في الحكم المحلي ينطوي على كارثة”.

وبعد أن قيل ما قيل، وبعد اعتمادنا، ها هنا، قاعدة “إعرف عدوك”، هل نبادر إلى التعلم من أخطاء وميزات ذلك العدو، على حد سواء، كي يكون بمقدورنا الانتقال الجاد والفاعل إلى مرحلة “واجه عدوك”؟