فلسطينيو 48: جديد القوانين العنصرية

لم تكن النكبة الفلسطينية في العام 1948 مجرد حدث وقع في تلك السنة المشؤومة، بل هي قصة صمود مستمرة لشعب “من الجبارين” رغم كل السياسات الإسرائيلية الرامية لاقتلاعه من أرضه. فالفلسطيني الذي بقي متمسكا في أرضه يعيش في ظل الدولة الصهيونية، يخوض مواجهة يومية للتمسك بأرضه، سعيا لتثبيت هويته في تحديات تستهدف تحويله إلى أقلية دون أي انتماء، وفي ظل قوانين عنصرية تتعلق بالأرض والإنسان والهوية وحرية الرأي والتنظيم… الخ.

لقد “شرعنت” الدولة الصهيونية قوانين عنصرية ضد الفلسطينيين في أراضي 48 حيث فرضت، طوال خمسة عشر عاما، الحكم العسكري بكل مقارفاته ضد الفلسطينيين، مستحدثة قوانين عنصرية شملت كافة مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مسعى لطرد وتهجير من تبقى من الفلسطينيين في أرضه. وفي الكيان الصهيوني اليوم، هناك (45) قانونا عنصريا سنّتها سلطات الاحتلال للسيطرة على الأراضي التي جرى تهجير حوالي (957) ألف فلسطيني منها عام 1948، وصولا إلى محاولة المسّ بمواطنتهم في دولة تصر على أنها “يهودية”. وهذه “القوانين” التي صدرت في مطلع خمسينيات القرن الماضي، لا تزال آثارها متواصلة ومن أبرزها: “قوانين” أملاك الغائبين، والعودة، والمواطنة، والدخول إلى “إسرائيل”، وقانون شراء الأراضي. والجامع في كل هذه “القوانين”، هو تضييق الخناق على فلسطينيي 48، لشرعنة العنصرية والعداء لكل ما هو فلسطيني وعربي، وصولا إلى التعامل مع الفلسطينيين هذه الأيام كأعداء بشكل علني.

وإن كان الأمر لا يتعلق بعدد القوانين بقدر ما يتعلق بخطورتها “الهادفة” محاصرة الوجود العربي في فلسطين 48، نرى كيف تصر الأحزاب السياسية الإسرائيلية على “موضة” طرح أفكار مشاريع قوانين عنصرية في حملاتها الإنتخابية لكسب الشارع الإسرائيلي. فخلال الحملة الانتخابية الأخيرة للبرلمان الإسرائيلي (الكنيست) في آذار/ مارس الماضي، توعد سياسيون إسرائيليون بالمزيد من هذه القوانين العنصرية. فمثلا، توعد (أفيغدور ليبرمان) زعيم حزب “إسرائيل بيتنا” اليميني بسن قانون لإعدام الفلسطينيين المدانين بتنفيذ عمليات ضد إسرائيل، إضافة إلى اصطفاف مختلف ألوان اليمين الإسرائيلي خلف مشروع قانون طرحه حزب “الليكود” اليميني، بزعامة (بنيامين نتنياهو) باعتبار إسرائيل “الوطن القومي لليهود”. ويأتي في الإطار، مساعي نواب إسرائيليين لنزع صلاحيات المحكمة العليا الإسرائيلية الخاصة بالنظر في اعتراضات تقدم ضد قوانين يقرها “الكنيست” كي لا يكون هناك أي أمل بإمكانية تعديلها مستقبلا، خاصة سحب المواطنة من أهالي من ينفذون عمليات ضد إسرائيل. وفي مقال كاشف بعنوان “سحب المواطنة وهذا الهراء”، كتب (تسفي برئيل) يقول: “في الدولة اليهودية فقط اليهود يستطيعون أن يكونوا ارهابيين بدون خوف على فقدان المواطنة. يستطيعون إجراء المفاوضات مع حماس أو الالتقاء مع نشطاء ارهابيين دون أن تقدم ضدهم دعوى حول “اتصال مع جهات غريبة” أو “مساعدة منظمة ارهابية”، هذه الاعمال التي تعتبر سببا لسحب المواطنة”!! ويشرح: “مواطنة عرب إسرائيل ستكون دائما مع وقف التنفيذ. وهي أشبه بالصدقة التي قدمتها الدولة لمن تعتبره عدوا طبيعيا. فكونه عربيا، يجعله يسعى الى تدمير اسرائيل أو هو على الأقل مستعد لمساعدة من يطلب ذلك! التعبير الشامل الذي استخدمه نتنياهو (“ينادون بتدمير إسرائيل”) موجه الى العرب في إسرائيل، وبنفس القدر الى إيران، وأيضا إلى حزب الله وحماس وتلوينهم بلون داعش. من هنا، بات الطريق قصيرا الى طرح شعار: “عرب إسرائيل هم داعش وداعش هو عرب إسرائيل”. وبالطبع لا يريد أحد إعطاء المواطنة الإسرائيلية لنشطاء داعش”.

لعل من أخطر مشاريع القوانين الجديدة التي يتوقع أن تقر في “الكنيست الحالية” هو مشروع قانون “إسرائيل.. الدولة القوميّة للشعب اليهودي”، الذي يغير التعريف القائم “لدولة إسرائيل” من كونها “دولة يهوديّة ديمقراطيّة” إلى كونها “الدولة القوميّة (للشعب اليهودي)”، وأن حق تقرير المصير في إسرائيل هو حق حصري (للشعب اليهودي). وفي مقال “البديل: معسكر يهودي عربي”، كتب (يرحميال كوهين): “المطلوب من جميع الأحزاب في إسرائيل الاعتراف بأن التطرف والقومية قد يؤديان الى صراع داخلي خطير، وأنه توجد حاجة لتقليص الفجوات الكبيرة بين السكان اليهود والعرب، سواءً في الميزانيات أو في اشغال المناصب الرفيعة في لجان الكنيست والحكومة من أجل أن يأخذوا نصيبهم في اتخاذ القرارات التي تحدد وجهة الدولة. إن تعلم اللغة العربية في عمر مبكر بالمدارس اليهودية واللغة العبرية في المدارس العربية، يجب أن يكون مركبا أساسيا في البرنامج المشترك لهذا المعسكر. وعلى القادة اليهود اتخاذ خطوات من أجل بناء جسر للجمهور العربي والحصول على تأييده للخطوة”. ويختم ببلاغة: “نحن لسنا ملزمين بانتظار حرب أهلية مثل تلك التي عاشتها أمريكا قبل 100 عام من اعلان استقلالها، حتى بدأت عملية تحرير الافروامريكيين، ومرت عشرات السنين حتى تم الغاء القيود على حياتهم. يمكن تجاوز هذه المراحل المخجلة وتحويل هذه الساعة الى ساعة رغبة. هل هذه فانتازيا؟”. وطالما أن حكم تحالف اليمين الصهيوني واليميني الأكثر تطرفا قائم، فإن هذه “الأحلام” – يا سيد (كوهين) – فعلا: فانتازيا!!!