إسرائيل: هل تفضل “أوروبا اللاسامية” أم “أوروبا المتأسلمة”؟

حقق اليمينيون المتشككون في الاتحاد الاوروبي نصرا كبيرا في انتخابات البرلمان الاوروبي. وهي الانتخابات التي يحق لما مجموعه (388) مليون أوروبي الإدلاء بأصواتهم فيها لانتخاب (751) نائبا في البرلمان الذي يعد أحد الكيانات الثلاثة التي يتألف منها “الاتحاد الأوروبي” الذي يحدد مواقفه الخارجية، تجاه القضايا الدولية، من خلال لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان. كما يراقب البرلمان عمل “المفوضية الأوروبية”، ويوافق على أعضائها، ويصادق على الاتفاقات الدولية.. وغير ذلك.

ما يهمنا في هذا السياق، هل تستمر أوروبا في سياستها المعروفة – فلسطينيا؟ هل ستبقى تشجب الاستعمار/ “الاستيطان” الإسرائيلي، وتهويد القدس، وجدار الفصل العنصري، وهي (أوروبا) الأقوى في سياق نقد المقارفات الإسرائيلية كالعريضة الأخيرة التي وقعتها العشرات من المؤسسات والهيئات العاملة في عموم القارة الأوروبية وتطالب دول ‏”الاتحاد” والمجتمع الدولي بالتدخل الفوري من أجل وقف الانتهاكات الصهيونية بحق مدينة القدس المحتلة والمسجد ‏الأقصى المبارك. بل وطالبت العريضة كلا من “الاتحاد الأوروبي” و”الأمم المتحدة” “فرض عقوبات على السياسات ‏الإسرائيلية التي تهدف إلى تشويه التراث التاريخي لمدينة القدس”. كما أكدت العريضة في الوقت ذاته على أن القدس “هي مدينة ‏عربية لها تاريخ حضاري إسلامي ومسيحي طويل وممتد وغير منقطع وغني بالتراث”.

الاهتمام الإسرائيلي في نتائج الانتخابات الأوروبية ظهر بشكل جلي في الصحافة الإسرائيلية. ففي مقال بعنوان “أوروبا ونحن” يقول الكاتب الإسرائيلي (آري شبيط): “إن انتخابات البرلمان الاوروبي تغير الصورة دفعة واحدة. فقد تبين فجأة أن اوروبا القديمة ما زالت تغلي تحت سطح اوروبا الجديدة. وتبين فجأة أنه تكفي ازمة اقتصادية وموجة هجرة لاعادة اوروبيين كثيرين الى كراهية الاجانب. وتخرج دول اوروبية كثيرة عن اتزانها حينما تتجه الى مواجهة تحديات أكثر تواضعا من التحديات التي تواجهها اسرائيل. وهي تنتخب قادة لا تقل قوميتهم عن قومية قادة القومية الاسرائيلية”. ويضيف متخوفا: “بعد صدمة الانتخابات، يجب على الاوروبيين والاسرائيليين العودة الى التحادث دون استعلاء أحدهما على الآخر. سيكون الماضي المؤلم موضوعا بيننا دائما لكن المحاولات المدهشة للتغلب عليه ستكون كذلك ايضا. ولهذا لا مكان لاستكبار الغرب من جهة ولا مكان لعقدة الاضطهاد من جهة اخرى. ولا تستطيع اوروبا أن تبيح لنفسها إدارة ظهرها لدولة اليهود. ولا تستطيع دولة اليهود أن تبقى دون دعم اوروبا القريب. وحينما يُقدر الاسرائيليون صورة مواجهة الاوروبيين لماضيهم، ويفهم الاوروبيون صورة مواجهة الاسرائيليين لماضيهم، سيمكن آخر الامر بناء مستقبل اوروبي/ اسرائيلي مشترك”.

في السياق، اعتبر تقرير لمركز “أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي”، الأمر “تطورا قد يفضي إلى زوال الاتحاد الأوروبي”، الذي تتهمه إسرائيل بتبني سياسات تتعارض مع مواقفها. وفي تقرير نشره المركز، قال الدبلوماسي السابق (عوديد عيران) الذي كان سفيرا في الاتحاد الأوروبي: “إن في إسرائيل من يرى أن صعود اليمين المتطرف قد يفضي إلى إضعاف الإطار المركزي الأوروبي الذي يتبنى مواقف نقدية للسياسات الإسرائيلية، سيما في كل ما يتعلق بالمستوطنات والسلوك الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين”. لكن (عيران) حذر من أن “الرهانات الإسرائيلية على إضعاف الاتحاد الأوروبي ليست في مكانها، على اعتبار أن أوروبا مازالت الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل، علاوة على أن صعود اليمين المتطرف لن يهدد في المستقبل المنظور بقاء الاتحاد الأوروبي كجسم يبلور السياسات الخارجية للدول الأوروبية”. أما (تسيفي بارئيل) كبير محللي الشؤون العربية في “هآرتس” فقد كتب يقول: “هناك علاقات وثيقة بين قادة اليمين المتطرف بأوروبا واليمين الإسرائيلي وعلى وجه الخصوص قادة المستوطنين بالضفة الغربية، علاوة على أن بعض نخب اليمين الأوروبي المتطرف تتخذ موقفا رافضا لحملات المقاطعة الدولية لإسرائيل”. واضاف: “المعضلة الاسرائيلية واضحة: هل تشجب صعود اليمين المتطرف وتعلن عن اوروبا كقارة مصابة باللاسامية، أم تواصل دعوة واستضافة ممثلي الاحزاب العنصرية لان بعضهم تحدثوا بصوت عال ضد المقاطعة لاسرائيل، بل واقاموا علاقات صداقة شجاعة مع زعماء المستوطنين”. وختم (بارئيل) قائلا: “إسرائيل تستفيد من”اللاسامية” الأوروبية لأنها قد تدفع يهود أوروبا للهجرة لإسرائيل مما يسهم في تحسين الميزان الديموغرافي لصالح اليهود”.

معلوم أن أوروبا لا تستطيع أن تدير ظهرها لإسرائيل. كما أن إسرائيل لا تستطيع أن تبقى دون دعم أوروبا؟!! فأوروبا هي القارة الأقرب لإسرائيل من الحليف الأول الولايات المتحدة الأمريكية، وهي التي يصعب على إسرائيل البقاء والازدهار في المنطقة العربية دونها، فضلا عن اتقان إسرائيل استغلال مسألة “ظلم” أوروبا المسيحية لليهود، وتحميلها “مسؤولية تاريخية” عما اقترفه أوروبيون بيهود في الماضي. ففي مقاله السابق، يقول (شبيط): “تشغل اوروبا جزءً كبيرا من عالم مرجعيتنا السياسية والاقتصادية والقيمية والثقافية سواء كان ذلك خيرا أم شرا. والقصة الاوروبية الاسرائيلية هي قصة حب/ كراهية تحتاج الى اصلاح، سواء كان ذلك خيرا أم شرا.. من حقها أن تنتقدنا ومن الواجب عليها أن تندد بأفعال لنا معيبة، لكن يجب عليها دائما أن تتذكر السياق التاريخي الواسع. فكما تغض امريكا البيضاء نظرها حينما تنظر الى امريكا السوداء، يجب على اوروبا أن تحني رأسها حينما تنظر الى (الشعب اليهودي) و(الدولة اليهودية)”.

نتائج الانتخابات الأوروبية ربما تستدعي لدى الشرق الأوسط بعضا من التشاؤم. فرغم تبني الاتحاد الأوروبي، بصفة عامة، موقفًا مؤيدًا لتسوية القضية الفلسطينية، وتوجيه دوله انتقادات محددة للموقف الإسرائيلي، إلا أن هذه الدول تحتفظ بعلاقات خاصة مع إسرائيل. وفي نتائج استطلاع شامل أجراه “معهد كونتور”، التابع لجامعة تل أبيب، تأكد أنه “رغم أنّ أياً من المسؤولين الإسرائيليين لم يعبّر عن رضاه علناً عن نتائج هذه الانتخابات، إلا أن إسرائيل ترى أن صعود اليمين المتطرف سيحُول دون “أسلمة” أوروبا، وأن الرأي السائد لدى القيادة الإسرائيلية هو أنه عند المفاضلة بين “أوروبا المتأسلمة” و”أوروبا اللاسامية”، فإن إسرائيل تفضل، بدون تردد، أوروبا اللاسامية”. ويضيف: “إسرائيل تأمل أن يسهم صعود اليمين المتطرف كرأس حربة في مواجهة خطر أسلمة أوروبا، وهو الخطر الذي يصل إلى مصافي المخاطر الاستراتيجية التي تخشاها إسرائيل، فضلا عن أنه سيدفع بقطاعات كبيرة من اليهود في أوروبا للهجرة إلى إسرائيل”.