شهادات إسرائيلية في طبيعة وسياسة (نتنياهو)

مع تراجع نفوذ رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) داخل حزبه “الليكود”، وبعد ارتهانه  للوبي المستعمرين/ “المستوطنين”، ورؤية البعض في الحزب أنه لم يعد يمكن الاعتماد عليه في السير قدماً في مسيرة التسوية مع الفلسطينيين، بدأ عديد السياسيين والحزبيين الإسرائيليين يحثون (نتنياهو) على استنساخ تجربة (ارييل شارون)، والخروج على حزب “الليكود” وتشكيل حزب بديل من قوى وأحزاب تيار يمين الوسط. فقد باتت إسرائيل، في عهده، تملك سجلا كارثيا، و”إنجازاته السلبية” تسرع بتحويل إسرائيل إلى دولة منبوذة.

يقول المحلل السياسي (ﻧﻮﻋﻢ ﺷﻴﺰاف): “ذات ﻣﺮة ﻗﺎل ﻣﻮﺷﻴﻪ داﻳﺎن وزﻳﺮ “اﻟﺪﻓﺎع” اﻹﺳﺮاﺋﻴﻠﻲ الأسبق إن “الحمار وﺣﺪه ﻻ ﻳﻐﻴّﺮ رأﻳﻪ”، وﻻ ﺷﻚ في أن اﻟﻴﻤﻴﻦ اﻹﺳﺮاﺋﻴﻠﻲ اﺳﺘﻮﻋﺐ ﻫﺬه المقولة ﺟﻴﺪاً. وﻧﺘﻨﻴﺎﻫﻮ ﻫﻮ اﻟﻨﻤﻮذج اﻷﺧﻴﺮ ﻟﻠﺘﺤﻮّل اﻟﻌﺠﻴﺐ اﻟﻐﺮﻳﺐ اﻟﺬي ﻳﻘﺪم ﻋﻠﻴﻪ ﻛﻞ زﻋﻴﻢ ﻳﻤﻴﻨﻲ في إﺳﺮاﺋﻴﻞ ﺑﻤﺠﺮّد أن ﻳﻬﺠﺮ ﻣﻮﻗﻊ اﻟﺪﻳﻤﺎﻏﻮﺟﻲ ﻣﻦ أﺟﻞ تولي ﻣﻨﺼﺐ ﺗﻨﻔﻴﺬي”. ويضيف: “في الماضي، أﻛﺪ ﻧﺘﻨﻴﺎﻫﻮ أن ﻣﻔﻬﻮم اﻻﻧﺴﺤﺎﺑﺎت أﺣﺎدﻳﺔ الجانب اﻧﻬﺎر، ﻟﻜﻦ ﻳﺒﺪو أن ﻣﺎ رآه آﻧﺬاك لم ﻳﻌﺪ ﻳﺮاه اﻵن. وﺑﻄﺒﻴﻌﺔ الحال، ﻟﻴﺲ ﻫﺬا أول تحول ﻟﻨﺘﻨﻴﺎﻫﻮ، ﻓﻔﻲ ﻛﻞ ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ أﺟﺮﻳﺖ ﻣﻌﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺪار اﻟﻌﺎم اﻷﺧﻴﺮ، ﻛﺮّر رﺋﻴﺲ الحكومة اﻟﺘﺰاﻣﻪ ﺑﻔﻜﺮة اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ ﺷﺮﻳﻄﺔ أن ﺗﻜﻮن ﻣﻨﺰوﻋﺔ اﻟﺴﻼح وﺗﻌﺘﺮف ﺑﺈﺳﺮاﺋﻴﻞ، ﻋﻠﻤﺎً ﺑﺄﻧﻪ في ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻷﻛﺜﺮ ﺷﻴﻮﻋﺎً “ﻣﻜﺎن تحت اﻟﺸﻤﺲ” ﺷﺪّد ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﻻ ﻳﺠﻮز رﻫﻦ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻹﺳﺮاﺋﻴﻠﻴﺔ ﺑﻤﻮاﻓﻘﺔ ﻋﺮﺑﻴﺔ، وﻋﻠﻰ أن اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ ﺗﺸﻜﻞ الخطر اﻟﻮﺟﻮدي اﻷﻛﺒﺮ ﻋﻠﻰ دوﻟﺔ إﺳﺮاﺋﻴﻞ، وﻋﻠﻰ أن ﻣﻄﻠﺐ تجريد ﻣﻨﺎﻃﻖ (ﻳﻬﻮدا واﻟﺴﺎﻣﺮة – أي الضفة الغربية) ﻣﻦ اﻟﺴﻼح ﻻ ﻳﻨﻄﻮي ﻋﻠﻰ أي أﻫﻤﻴﺔ”.

عندما يتحدث (نتنياهو) عن رغبته في “التسوية” واستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين يضع رزمة من الشروط، أهمها لا للقدس سوى لإسرائيل، ولا للدولة الفلسطينية، ولا لحق العودة للاجئين الفلسطينيين، ولا لتفكيك الاستعمار/ “الاستيطان” ولا لسيادة الفلسطينيين على المعابر او على أي شبر من أرض فلسطين، بل ويزيد على هذه اللاءات ببضعة “نعم” منها: نعم لتوسيع “الاستيطان” في كل مكان، ونعم “لعودة” كل يهودي في العالم الى فلسطين. و(نتنياهو) يسعى لتكريس قيادته باعتباره الزعيم الإسرائيلي، الذي لا يرضخ للفلسطينيين ولا لضغوط الولايات المتحدة. وفي سياق متمم، ترى دراسة تحليلية لمركز “أطلس للدراسات الإسرائيلية”، أن “معضلة (نتنياهو) تكمن في أنه الشخص الأقوى والأكثر شعبية في أوساط الجمهور الاسرائيلي عامة، بحيث لا يوجد له تقريباً منافس على مقعد رئاسة الحكومة، لكنه الزعيم الأكثر ضعفاً في حزبه، فهو ان أراد الاعتماد على ثقة الجمهور يستطيع أن يقود باتجاه الحسم، وان اعتمد على حزبه فهو غير مفوض ومنزوع الصلاحيات، إلا باستثناء تلك التي تقود باتجاه التصعيد والتطرف والرفض، لكنه يخاف من الحسم ويخشى أعضاء ليكوديين أكثر من خشيته من وزير الخارجية الأمريكية (جون كيري) كما أن روحه السياسية تفيض بالصهيونية التوراتية، وهو سيفضل من بين كل السيناريوهات المطروحة أمامه سيناريو استمرار الوضع القائم، فهو السيناريو المثالي بالنسبة لنتنياهو اذا كان مصحوباً ومغلفاً بتكتيك مد حبل المفاوضات والتلاعب بالكلمات وكسب الوقت، فهو سيناريو يضمن له بقاؤه في مكتب رئاسة الحكومة وعلى رأس الليكود لسنوات قادمة طالما بقيت الحالة الفلسطينية والعربية والدولية على ما هي عليه اليوم”. وجاء في الدراسة: “نتنياهو يضغط بسرعة ويرتبك بسهولة ويصاب برعشة الأقدام في اللحظة الحاسمة، مما يجعله متردداً يكثر من الالتفات يمينه وشماله وخلفه، يهتم بما يقال وينشر عنه أكثر من اهتمامه بجوهر القضايا، ولديه جبن مستدام إزاء الحسم في القضايا الكبرى”

في مقال كاشف بعنوان “في عهد نتنياهو، أصبحنا ضد العالم كله”، كتب (ﻣﻨﻮن ﺷﻤﻮش) يقول: “إن اﻹﻳﻤﺎن اﻷﻋﻤﻰ ﻳﺆدي إلى ﺷﻞّ اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ واﻟﻔﻬﻢ والمصالحة. وﻧﻈﺮاً إلى ﻛﻮن ﻧﺘﻨﻴﺎﻫﻮ رﺟﻞ إﻳﻤﺎن أﻋﻤﻰ، ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﺑُﺪ ﻣﻦ اﺳﺘﺒﺪاﻟﻪ ﺑﺰﻋﻴﻢ ﻳﻔﻬﻢ وﻳﻌﻠﻢ أن ﺛﻤﺔ رواﻳﺘﻴﻦ ﻳﺠﺐ اﻟﻘﻴﺎم بالمصالحة ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ: اﻟﺮواﻳﺔ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ اﻟﻴﻬﻮدﻳﺔ واﻟﺮواﻳﺔ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ”. ويفسر: “في واقع الأمر، ﻟﻴﺴﺖ ﻫﺬه المقولة ﻫﻲ الأولى أو اﻷﻛﺜﺮ ﺿﺮراً اﻟﺘﻲ ﺳﻤﻌﻨﺎﻫﺎ ﻣﻦ ﻧﺘﻨﻴﺎﻫﻮ. ﻓﻮﺳﻮاﺳﻪ في اﻟﺸﺄن الإيراني وﺗﻈﺎﻫﺮه ﺑﺄﻧﻪ ﺣﻜﻴﻢ وﻳﻔﻬﻢ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻗﺎدة اﻟﺪول اﻟﻌﻈﻤﻰ ﻫﻤﺎ ﺟﺰء ﻣﻦ ﻇﺎﻫﺮة اﻟﺘﺒﺠّﺢ اﻟﺸﺨﺼﻲ واﻟﻘﻮﻣﻲ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺴﻢ ﺑﻬﺎ. ومحاولة ﻧﺘﻨﻴﺎﻫﻮ الدمج ﺑﻴﻦ ﺗﺒﺠّﺤﻪ اﻟﺸﺨﺼﻲ وﺑﻴﻦ ﺗﺸﺒّﺜﻪ (بضرورة الاعتراف) ﺑﺎﻟﻘﻮﻣﻴﺔ المزعومة (ﻟﻠﺸﻌﺐ اﻟﻴﻬﻮدي) ﺗﺸﻜﻞ ﺗﻬﺪﻳﺪاً ﻟﻬﺬا (اﻟﺸﻌﺐ) أﻛﺒﺮ ﻣﻦ ﺧﻄﺮ أﻋﺪاﺋﻪ. ﻟﻘﺪ اﻋﺘﻘﺪﻧﺎ داﺋﻤﺎ أن العالم كله ﺿﺪﻧﺎ، ﻟﻜﻨﻨﺎ في ﻋﻬﺪ ﻧﺘﻨﻴﺎﻫﻮ أﺻﺒﺤﻨﺎ ﻧﺤﻦ ﺿﺪ العالم ﻛﻠﻪ، ﻓﻨﺤﻦ ﻧﺘﺪﺧﻞ في اﻻﻧﺘﺨﺎﺑﺎت في اﻟﻮﻻﻳﺎت المتحدة، ﺻﺪﻳﻘﺘﻨﺎ اﻟﻜﺒﺮى، وﻧﻌﻠّﻢ ﻗﺎدﺗﻬﺎ درﺳﺎً ﺗﻠﻮ اﻵﺧﺮ. وﻧﺤﻦ ﻧﻐﺬّي ﺗﻤﺮداً إﺳﻼﻣﻴﺎً في اﻟﺸﻤﺎل، وﻧﺘﺼﺎدم ﻣﻊ اﻷﺗﺮاك وﻏﻴﺮﻫﻢ. وذﻟﻚ ﻛﻠﻪ ﻣﻦ دون أن أذﻛﺮ صراعنا ﻣﻊ اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﻴﻦ”. ويختم “لقد ﺗﺸﺒّﻊ ﻧﺘﻨﻴﺎﻫﻮ في أﺛﻨﺎء وﺟﻮده في اﻟﻮﻻﻳﺎت المتحدة بالمبادئ اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻴﺔ ﺑﺄﺑﺸﻊ تجلياتها. وﻣﻊ أﻧﻪ ﻳُﻜﺜﺮ ﻣﻦ ذﻛﺮ ﻏﻼء المعيشة وارﺗﻔﺎع أﺳﻌﺎر اﻟﺸﻘﻖ اﻟﺴﻜﻨﻴﺔ، إﻻّ إن ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﻘﻀﺎﻳﺎ ﺑﻌﻴﺪ ﻋﻦ ﻗﻠﺒﻪ وأﻓﻌﺎﻟﻪ. وﻳﺤﻜﻲ ﻧﺘﻨﻴﺎﻫﻮ للعالم ﻋﻦ ﺑﻠﺪ ﻳﻄﻴﺐ اﻟﻌﻴﺶ ﻓﻴﻪ، في اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﻳﺘﺮك ﻫﺬا اﻟﺒﻠﺪ أﻓﻀﻞ أﺑﻨﺎﺋﻪ إلى ﺑﻼد أُﺧﺮى ﺟﺮّاء ﻋﺪم اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ ﻛﺴﺐ اﻟﺮزق ﻓﻴﻪ ﺑﻜﺮاﻣﺔ”. وفي نطاق متصل، استخلص مراسل الشؤون السياسيّة في صحيفة “هآرتس” (باراك رافيد) اعتمادا على مصادر سياسية رفيعة المستوى في تل أبيب: “أن إدارة الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، باتت على قناعة تامة بأن سياسة نتنياهو هي السبب المركزي لفشل المفاوضات”. وتوقع (رافيد) أن تعزف الولايات المتحدة الأمريكية عن رعاية المفاوضات، وأن تنتهج سياسة الإهمال الناعم، وأضاف: “حسب المصادر، قال المسؤولون الأمريكيون إن نتنياهو لن يقوم بتغيير سياسته، إلا إذا شعر بتأثير العزلة الدولية على إسرائيل”. هذا، رغم توصيل عديد الكتاب الإسرائيليين والغربيين إلى أن (نتنياهو) يقود سياسة موجهة ترمي إلى تصفية معسكر السلام الفلسطيني (بل والإسرائيلي) وتعميق الاحتلال الصهيوني. وهو – عندهم – سياسي متشبث بمعتقداته المتطرفة، حذر حتى التردد، ويستميل الجميع بمواقف متناقضة مقابل رشى يقدمها لشركائه في الائتلاف الحكومي. كما أنه متلون، مناور، يرى أن احتلال إسرائيل للضفة والجولان ليس عائقا أمام “السلام” بل حاجزا دون الحرب باعتبارهما عمقا إستراتيجيا. والأنكى، أن مصدر الصراع العربي الإسرائيلي مرتبط فقط برفض العرب الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود وليس باحتلالاتها!!!