ما يقوله نتنياهو وما يجب أن نقوله

تعودنا على عنجهية وصلافة القادة الإسرائيليين في تصريحاتهم وهم الذين يدركون أنه لولا الضعف العربي/ الفلسطيني والغياب الدولي العادل لما سمح لهم بالتطاول كما يشاؤون، بل تجاوز الأمر ذلك حين طالت الوقاحة في تصريحاتهم سياسيين غربيين يدعمون إسرائيل على طول الخط وعلى رأسهم أمريكيون. إنه التزوير إذ يبلغ مداه، والبهتان إذ يصبح بلا حدود حين نجد الجلاد يطالب الضحية الاعتراف بحقه في الحياة.

منذ بداياته في العمل السياسي، كان رئيس الوزارء الإسرائيلي اليميني (بنيامين نتنياهو) أكثر القادة الإسرائيليين صلافة، رغم أنه سياسي يملك الحنكة والتجربة. وفي هذا السياق، تجلت وقاحته داخل البيت الأبيض معلنا أن “القدس ليست مستوطنة.. إنها عاصمتنا”، معتبرا أنها والخليل مدن إسرائيلية وأن رفض الفلسطينيين الاعتراف “بيهودية إسرائيل” إنما هو إنكار لحق إسرائيل في الوجود، مع كيل الاتهامات المتتالية للسلطة الوطنية الفلسطينية بشنها حملة تحريض على الكراهية ضد إسرائيل.

لقد جاءت كلمة (نتنياهو) أمام 14 ألف ناشط في المؤتمر السنوي للجنة الشؤون العامة الأمريكية/ الإسرائيلية “إيباك” (أكبر منظمات الضغط اليهودية الصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية) مؤخرا مفعمة بالتقولات ضد الرئيس الفلسطيني (محمود عباس). وكان من ضمن ما قاله: “على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس سرعة الاعتراف “بيهودية الدولة” والتوقف عن خلق أعذار حول المطالب الأمنية الرئيسية لإسرائيل مقابل الاعتراف بدولة فلسطينية”. وقال في توجه مباشر (لعباس): “اعترف بالدولة اليهودية. من دون اعذار، ومن دون تأجيل. حان الوقت”.. وختم بالقول: “في شرق أوسط مليء بالبربرية وسفك الدماء، إسرائيل إنسانية، إسرائيل هي الرأفة، إسرائيل هي قوة من أجل الخير!!”.

(نتنياهو) بمطالبته الفلسطينيين سرعة الاعتراف “بالدولة اليهودية” يوجه رسالة واضحة لكل فلسطيني للتخلي، كما قال، “عن إمكانية إغراق إسرائيل باللاجئين أو بتر أجزاء من النقب أو الجليل”، علما بأن إسرائيل لم تكن قادرة يوما على تعريف مصطلح “دولة يهودية” وهذا ما يفسر افتقارها لدستور. وعلى ذلك فإن السلوك الإسرائيلي اليوم يتجه إلى التشدد والتصلب والقسوة في ظل المفاوضات الثنائية مع الجانب الفلسطيني ضمن المساعي الأمريكية. و(نتنياهو) هنا يتميز بالقدرة على طرح اقتراحات وأفكار مثيرة جداً للجدل السياسي، بهدف وضع العراقيل في دواليب التفاوض وإحباط المفاوض الفلسطيني. وقد تجلت هذه الأفكار في مطالبات أخرى، الفكرة العنصرية الجديدة، التي طرحها بالتنسيق مع (نتنياهو) وزير خارجيته (افيغدور ليبرمان) والمتمثلة “بتبادل السكان” بين المستعمرين/ “المستوطنين” المقيمين على الأرض الفلسطينية منذ العام 67 بفعل قوة الاحتلال والاغتصاب، والمواطنين العرب/ الفلسطينيين في أراضي الـ 48. وفي حقيقة الأمر، يسعى (نتنياهو) لتجريد السلطة الفلسطينية من سلطتها وجعلها دون مضمون، مع استمرار الاحتلال للأراضي الفلسطينية دون ثمن. وفي هذا، يقول (جدعون ليفي) في مقال تحت عنوان “أي وقاحة أكبر من هذه”: “ان الواقع الذي تريده اسرائيل هو بتأييد وزير الخارجية الأمريكي لإسرائيل في كل أخطائها. فعلاً، إنها وقاحة إسرائيلية. في ذروة التفاوض مع الفلسطينيين تقوم اسرائيل بكل ما هو استفزازي في الضفة الغربية إلا انه ليس لها أي نية للتوصل الى اتفاق مع الفلسطينيين”. وهذا صحيح، فالمعاهدات التي تنتزعها قوى منتصرة نتيجة احتلالها لأرض شعب آخر وتشريد أهله واستغلال خيراته، فهي معاهدات بين غاصب محتل وبين شعب مقهور، وهي تعكس حالة استسلام من الطرف الضعيف إلى الطرف الأقوى. وهي بالتالي ليست صراعاً حدودياً أو إسقاطاً لنظام حكم …، وإنما هي حالة استعمارية تكون أي تسوية فيها، مهما كانت، تسوية ظالمة لأهل الأرض المحتلة.

وإذ نعود إلى تصريح (نتنياهو) أمام مؤتمر (إيباك)، وعلى قاعدة مبدأ الندية في التعامل، لم لا نقول، نحن معشر العرب وفي الطليعة منهم الفلسطينيون، لم لا نقول لـ (نتنياهو) “أسرع واعترف بأن كامل فلسطين هي في الأصل عربية وهي للمسيحيين وللمسلمين، مع الفارق أننا ندعو لدولة ديموقراطية علمانية، مع التأكيد على أن الوجود الصهيوني/ اليهودي في فلسطين هو حالة استعمار واغتصاب بالقوة، وليس نزاعاً بين بلدين متجاورين. وأن حيفا، ويافا، و”تل الربيع” التي أسميتموها تل أبيب، وجميع الخرب والقرى والبلدات والمدن داخل ما أسميتموه (إسرائيل) هي مدن فلسطينية كنعانية عربية”.

لقد نشرت صحيفة “هآرتس” الاسرائيلية مقالاً للكاتب (بيتر بينارت) يتساءل فيه “هل دولة نتنياهو وليبرمان اليهودية هي التي تثير نفور مواطنيها العرب، ام دولة اسحاق رابين اليهودية الشاملة التي كرست نفسها، لفترة وجيزة، للمساواة الحقة”؟!! ويقول: “بالنظر الى افعاله، وافعال حلفائه السياسيين، فان من الواضح بجلاء ان نوع الدولة اليهودية الذي يريده نتنياهو دولة يشعر مواطنوها بالنفور من الفلسطينيين. وهي دولة تسخر من الوعد الوارد في إعلان الاستقلال الإسرائيلي بـ(المساواة التامة في الحقوق الاجتماعية والسياسية.. بغض النظر عن الدين، او العرق او الجنس)”.

حتى نهاية التسعة أشهر من جولة المفاوضات الأخيرة، لا أفق سياسيا لنجاح هذه المفاوضات، حيث يشترط (نتنياهو) ما يشترط من عدم البدء ببحث أي موضوعسياسي، وأن ما هو مطروح راهنا يقتصر على الإجراءات الأمنية وتفرعاتها مما يجعلها الموضوع الأوحد المطروح. ومن الواضح أنه لن يقبل الموافقة على أكثر من استمرار الحكم الذاتي الفلسطيني مع تأجيل قضايا الوضع النهائي، بمعنى بقاء الاحتلال. ومن ضمن ما ذكره الكاتب الإسرائيلي (ناحوم برنياع) في مقال حديث له: “يقول مثل قديم إنه في كل رهان يوجد اثنان: وغد وأحمق. ويصح هذا كما يبدو على الصراع الاسرائيلي الفلسطيني. فبشرى الخير هي أن رئيس وزرائنا ليس هو الأحمق في هذا الامر. وأخشى أن تكون هذه هي بشرى الخير الوحيدة”. ويضيف: “لن يسرق أحد حق قول (لا) من نتنياهو. كانت صيغته الأساسية في التفاوض “نعم، لكن…”. وقد اضطر الى أن يطورها بسبب ارتياب القسم اليميني عنده، فهو الآن يقول “نعم، لكن… لا”. وحينما يكون في امريكا يؤكد الـ “نعم”، وحينما يكون في إسرائيل يؤكد الـ “لا””. و(نتنياهو) حين يردد تقولاته في مؤتمر “الإيباك”، نردد نحن مع شاعرنا الراحل (محمود درويش):

“ايها المارون بين الكلمات العابرة

آن ان تنصرفوا

وتقيموا اينما شئتم ولكن لا تقيموا بيننا

آن ان تنصرفوا

ولتموتوا اينما شئتم ولكن لا تموتوا بيننا