هل تقوم انتفاضة فلسطينية ثالثة؟

فشلت الاستراتيجية الفلسطينية القائمة على التفاوض لإقامة دولة فلسطينية، مع شعور إسرائيل بعدم حاجتها إلى “السلام” بسبب حالة الأمن التي تعيشها عربيا وإقليميا، وبسبب إنسداد أفق المقاومة الفلسطينية، خاصة مع استمرار شلل المجتمع الدولي، وتوهان العالم العربي، ومعارضة منظمة التحرير الفلسطينية أي شكل من أشكال “العنف”، فيما حكومة حماس في قطاع غزة تعاني من حصار شديد مع استمرارها بمحاولة منع إطلاق صواريخ على إسرائيل تثبيتا لهدنة “الأمر الواقع” في القطاع.

ومع أننا من الداعين إلى “انتفاضة” جماهيرية سلمية وحضارية على قاعدة المصالحة الوطنية ووحدة الموقف الفلسطيني وتقف في ثبات في مواجهة الضغوط الهائلة التي يتعرض لها الفلسطينيون، فضلا عن المحافظة على الدعم الدولي المتزايد الذي يؤمن بشرعية المطالب الفلسطينية وسلميتها، إلا أن هناك عوامل تمنع الفلسطينيين من البدء في انتفاضة ثالثة مع أن اللحظة التاريخية التي نعيشها تشكل مفصلا تاريخيا في مسيرة القضية الفلسطينية!

يأتي على رأس هذه العوامل، انقسام وضعف وتشرذم “القيادة الفلسطينية” (سواء تلك التي “نبذت” العنف أو تلك التي “تدعو” للمقاومة) وبسبب جلوس الاحتلال الاسرائيلي على صدر الشعب والأراضي الفلسطينية، وإلى “ازدهار” الاقتصاد الاستهلاكي الفلسطيني الناشئ الذي ترك آثاره على قطاعات فاعلة وواسعة من مجتمع الضفة الغربية بحيث توصلوا إلى قناعة قوامها أن ثمن الانتفاضةالثالثة ربما يكون باهظا، فضلا عن تدهور المعنويات بسبب وضع الفصائل وصراعاتها وبالتالي غياب القيادة الموحدة التي تتولى الانتفاضة، ونجاح إسرائيل في إضعاف المقاومة الفلسطينية عبر لجوئها إلى أسلوب العصا والجزرة حيث خففت من الضغط على نقاط التفتيش وسمحت “بنمو اقتصادي” يخدم الاحتلال مع احتفاظها بالوجود العسكري وتقوم بملاحقة المسلحين. كما علينا أن لا ننسى أن حصيلة الانتفاضتين السابقتين لم تكن مشجعة، فالأولىانتهت إلى اتفاق أوسلو الذي لم يحقق الحد الأدنى من طموحات الفلسطينيين، والثانية كانت مكلفة جداً وانتهت إلى تبني إسرائيل خطة الفصل العنصري “الأبارتايد” التي ابتدأت بخطة فك الارتباط عن القطاع ويمكن أن تنتهيبإقامة دولة معازل مقطعة الأوصال ذات حدود مؤقتة لا تملك من مقومات الدول سوىالاسم وهو الأمر الذي لا يساعد في التواصل بين القرى والمدن، فما بالك بين الضفة والقطاع، فضلا عن إحكام الاحتلال قبضته على الضفةبالتنسيق الأمني العلني مع السلطة الفلسطينية.

كل ما سبق عوامل لا تعمل لصالح انتفاضة جديدة، رغم المبررات الموضوعية الفلسطينية ومقدار جاهزيتها سواء من حيث قسوة الواقع وتدهور الأوضاع السياسية. فالسلطة تؤمن فقط بإعطاء فرصة تلو الأخرى للمفاوضات بعيدا عما يمكن تسميته “انتفاضة سياسية” عبر التوجه إلى مؤسسات الأمم المتحدة، بما في ذلك، إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، والتشجيع على مقاطعة إسرائيل، والقيام باحتجاجات جماهيرية وغيرها. وفي هذا يقول الكاتب الأمريكي اليهودي (توماس فريدمان) في مقال بعنوان “الانتفاضة الثالثة”: “تساءلت لوهلة لماذا لم تحدث انتفاضة ثالثة؟ أي لماذا لم تحدث انتفاضة فلسطينية أخرى في الضفة الغربية؟ هناك عدة تفسيرات من الجانب الفلسطيني: أنهم فقراء للغاية، منقسمون للغاية، منهكون للغاية. أو أنهم أدركوا في نهاية الأمر أن هذه الانتفاضات تضرهم أكثر مما تنفعهم لا سيما الانتفاضة الثانية. لكن بحكم وجودي هنا فمن الواضح أن الانتفاضة الثالثة في الطريق. وهي التي تخشاها إسرائيل دائما أكثر – ليس انتفاضة بالحجارة و”الانتحاريين” بل انتفاضة تدفعها المقاومة غير العنيفة والمقاطعة الاقتصادية”. لكن (فريدمان) هنا يخالف السلطة الفلسطينية ويعتبر أن هذا الدور ليس منوطا به ولا بالشعب الفلسطيني، حيث كتب يقول: “لكن هذه الانتفاضة الثالثة لا يقودها حقا الفلسطينيون في رام الله، بل الاتحاد الأوروبي في بروكسل وبعض معارضي احتلال إسرائيل للضفة الغربية في مختلف أنحاء العالم. وبغض النظر عن الأصل فقد أصبحت تلك المعارضة قوة للفلسطينيين في مفاوضاتهم مع الإسرائيليين”.

في المقابل، يقول (رونين اسحق) رئيس دائرة دراسات الشرق الاوسط في الكلية الاكاديمية في الجليل الغربي، في مقال بعنوان “انتفاضة ثالثة على الابواب؟”: “لن تندلع انتفاضة أخرى، وعد أبو مازن في مقابلات لوسائل الاعلام الاسرائيلية في الفترة الاخيرة. وانضم هذا التصريح الى تصريحات أخرى شدد فيها على أنه طالما كان في منصبه فلن تكون انتفاضات اخرى. وشدد زعماء فلسطينيون آخرون على أن الفلسطينيين هجروا طريق الارهاب وان المفاوضات هي الطريق الافضل والاكثر نجاعة لحل الصراع بين (الشعبين) في (بلاد اسرائيل)”. ويضيف: “رغم ذلك، فانه في نهاية ايلول 2000، بعد نحو شهرين من فشل محادثات كامب ديفيد بين ايهود باراك وياسر عرفات، بدأت الانتفاضة الثانية. واعتقدت التقويمات الاستخبارية في البداية بان الانتفاضة اندلعت كحدث مخطط له مسبقا من قبل عرفات، كي يبقي في يديه خيار (الارهاب) وان يدفع بواسطته المسيرة السياسية الى الامام، ولكن في وقت لاحق تبين بان الميدانيين بالذات من التنظيمات المختلفة، هم الذين بادروا الى الانتفاضات. أما القيادة الفلسطينية، وان لم تكن بادرت إليها، فقد انجرت خلفها”. ومن جهته، يركز المعلق السياسي (بن كاسبيت) على دور “المستوطنين/ المستعمرين الذي يجعل: “اندلاع الانتفاضة الثالثة “مسألة وقت” في حال تواصل عجز الأجهزة الأمنية الإسرائيلية عن وقف اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين”. وبشأن حادثة القرية الفلسطينية “قصرة” يقول: “كيق يمكن أن يعجز الجيش والمخابرات والشرطة الإسرائيلية على مدى أعوام ثلاثة عن اعتقال أي من عناصر “فتية التلال”، في حين يتمكن أهالي “قصرة” من إلقاء القبض على 16 عنصرا منهم بعد مهاجمتهم القرية”. لذا، لم يكن مستبعدا ما بينه استطلاع أجرته جامعة النجاح في نابلس مؤخرا، من أن أكثر من نصف المستطلعين اعتقدوا انه من المتوقع اندلاع انتفاضة ثالثة مع فشل المفاوضات وذلك تحت وطأة مقارفات دولة الاحتلال والمستعمرين/ “المستوطنين”.