القرار الأوروبي التاريخي: أبرز المواقف الإسرائيلية

كان القرار الصادر عن الاتحاد الأوربى بشأن استثناء المستعمرات/ “المستوطنات” الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة من التعاون بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل قرارا شجاعا، سياسيا بامتياز، إذ يعكس الموقف “الأوروبي” الثابت الثابت من حدود الرابع من حزيران سواء في فلسطين أو الهضبة السورية، والرافض لسياسة إسرائيل “الاستيطانية” ومصادرتها للأراضي الفلسطينية. كما ينص القرار على أن “الهيئات” الاسرائيلية العاملة في الاراضي الفلسطينية المحتلة لا يحق لها الحصول على منح أو جوائز أو قروض من الاتحاد الاوروبي بدءا من العام القادم. لذلك، لم يكن غريبا أن يثير ذلك القرار موجات غضب في إسرائيل، حيث اعتبرته وزارة الخارجية الإسرائيلية خطوة خطيرة تمس بالجانبين الإسرائيلي والأوروبي، وبالتعاون بينهما. بل إن الضغوط المكثفة ما زالت متواصلة على دول “الاتحاد” من قبل رئيس الوزراء الاسرائيلي (بنيامين نتنياهو) وغيره من قادة إسرائيل. ووفق ما نقل عنه مكتبه، فقد قال (نتنياهو) في اجتماع وزاري طارىء: “لن نقبل باملاءات من الخارج في شأن حدودنا”.

تواصل الحكومة الاسرائيلية انتقادها لخطوة الاتحاد الاوروبي، اذ قال وزير المالية الاسرائيلي (يئير لابيد) انها “ستعزز موقف الفلسطينيين الذين يحولون دون صنع السلام المباشر مع الاسرائيليين”. وأضاف (لابيد): “هذا ليس نفاقا فحسب بل حماقة أيضا.. لقد وقف الاتحاد الاوروبي بجانب أكثر القوى تطرفا في المجتمع الفلسطيني وأسدى لها خدمة”. وعمليا، ترى إسرائيل أن العائق ليس فقط من ناحية سياسية بل وايضا من ناحية قانونية، ويتعلق بالذات بالقدس المحتلة وهضبة الجولان، وبقدر أقل بالضفة الغربية. فاسرائيل يثير جنونها موقف يقال فيه عن الاتفاقات التي توقع عليها ان الأراضي التي توجد تحت سيادتها – حسب القانون الاسرائيلي – هي ليست في سيادتها. لذا، بدأ الدبلوماسيون الاسرائيليون في القارة الأوروبية التوجه الى وزارات الخارجية في جميع الدول الاعضاء في “الاتحاد” وطلب تدخلها، باعتبار أن مصدر الازمة الحالية يعود الى موظفي الاتحاد في بروكسل، ولا يعكس الارادة السياسية لوزراء الخارجية الاوروبيين!!!

في مقال بعنوان “اوروبا: حينما لا يمكن التأثير يمكن التشويش”، يقول الكاتب الإسرائيلي (بوعز بسموت) مهاجما ومتهكما على القرار الأوروبي: “المستوطنات هي أصل المشكلة التي تمنع اوروبا ان تنام نوما هنيئا في الليل. من المحير كثيرا ان نرى كيف تجتمع امبراطوريات كبيرة كانت في الماضي معا ويتبين لها أنها اليوم منارة أخلاق فقط. وحينما لا تملك قدرة على التأثير تختار الخيار الثاني وهو التشويش. فقد أُضيفت الى المبادرة الامريكية (كيري) المباركة في هذا الاسبوع مبادرة امريكية مُفشلة. إن عقدة الدونية عند الاوروبيين هي التي جعلت مجموعة موظفين صغيرة في بروكسل تصوغ وثيقة قانونية مركبة تقضي بأن اتفاقات مع اسرائيل في المستقبل لن يسري فعلها وراء خطوط 1967”. أما (يوسي دغان) فيسير على منوال (بسموت) فيقول: “هذا استمرار لسياسة التأشير على المنتجات: في أوروبا يصعب عليهم الانفصال عن تقاليد “نطاق الإقامة”، “الغيتوات” والتأشير على اليهود. يلعب الأوروبيون لعبة قذرة”. بل أنه قال: “هذه السياسة الشريرة أحادية الجانب تبدد الوهم في أن اللاسامية انقضت مع نهاية الحرب الثانية. فلا يتخلى المرء بهذه السرعة عن عادة تمتد إلى ألفي سنة. كما أن هذا هو السبب في أن الاتحاد الأوروبي، المزايد أخلاقيا، منع بكل قوته الإعلان عن حزب الله كمنظمة إرهابية”.

بالمقابل، يتحدث الكاتب الإسرائيلي (شمعون شتاين) عن نقاط الاختلاف بين “الاتحاد” وإسرائيل فيقول: “التغييرات التي تجتازها المنطقة تجعل الحاجة الى التقدم في المسيرة السلمية مع الفلسطينيين أكثر الحاحا. وينبغي الابقاء على امكانية حل الدولتين. ومن الواضح أن الاتحاد الاوروبي يعرب عن قلق عميق في ضوء التطورات على الارض التي تهدد بجعل حل الدولتين متعذرا”. وأوضح: “تخوف الاتحاد من الا يكون ممكنا تطبيق امكانية حل الدولتين جاء في سياق توجيه اصبع اتهام لاسرائيل حصريا، التي من شأن سياستها أن تقضي على حل الدولتين”. ويختم: “انعدام الثقة والشك بالنسبة لاستعداد نتنياهو التقدم في حل الدولتين يظهران في المحادثات مع محافل اوروبية. وبناء على ذلك تصدر أصوات تدعو الاتحاد في حالة عدم نجاح المحادثات الى تشديد الموقف تجاه اسرائيل لدرجة الاعتراف بدولة فلسطينية”.

أما (جدعون ليفي) فيقول في مقال هو الأوضح والأجرأ: “شكرا لك يا أوروبا”: “شكرا لك أوروبا فقد نجحتِ بقرار اداري واحد في زعزعة سكينة اسرائيل التي لا تطاق، وضعضعتِ غرور اسرائيل وصلفها اللذين يريان ان موقف العالم كله ليست له صلة بها البتة. بقرار اداري واحد يقتضيه الواقع ولا يوجد ما هو أكثر عدلا منه. إن ردود اسرائيل الاولى على قرار الزام اتفاقات اقتصادية معينة معها لزوم عدم النشاط في المستوطنات، متوقعة وآلية لكن بعد أن تزول موجة تبجح ان اوروبا لن تُملي علينا، والدعوات القديمة الى منعها من مساعدة الفلسطينيين، والدعاوى الصبيانية التي تقول (الوضع في سورية اسوأ) والحجة الأسخف وهي ان القرار الاوروبي يشوش على تفاوض جون كيري. بعد ان يزول كل هذا الزبد، ستبقى اسرائيل مع مصيرها أمام المرآة التي وضعتها اوروبا أمامها، وازاء المفترض المصيري الذي عرض لها في آخر الامر في طريقها: أفتستمر على الاحتلال وتدفع عنه ثمنا لا يحتمل، أم تضع له حدا بتأخر فاضح وتعود الى حضن أسرة الشعوب مثل عضو شرف”. بل إن (ليفي) يكرر أن القرار جاء متأخرا، فيقول: “استيقظت قارة التنوير والحضارة والفظائع متأخرة، فهي تتحدث منذ سنين ولا تفعل شيئا. والرأي العام فيها كان عاصفا منذ سنين وكانت حكوماتها مشلولة بسبب فظاعات الماضي والخوف من الولايات المتحدة. إن الذين يتظاهرون بأنهم متفاجئون يبرهنون فقط على مبلغ عظم الانفصال عن الواقع الدولي والعمى الذي سيطر على الحكومة وعلى الرأي العام هنا. يمكن بالطبع تهديد اوروبا كجرذ يزأر، ويمكن ان توعظ بالاخلاق بسبب مظالمها، لكن ذلك متأخر جدا أيها الاصدقاء. فلم يعد أحد يستطيع ان يتناول ذرائع اسرائيل بجدية. وينبغي ان نأمل فقط ان يكون القرار الاوروبي هو السنونو التي تبشر بمجيء الخريف: خريف الاحتلال”.