سرقة المياه الفلسطينية.. ومخططات الترحيل الإسرائيلية

المياه قضية حياتية جوهرية، توفرها يعنى الحياة، فيما نقصها أو إساءة استخدامها يعني الفقر ولربما الفناء. لذلك، تشغل “مسألة” المياه بال السياسيين قبل الاقتصاديين في كيفية تنميتها والتحكم فيها. وعديد المنظمات الدولية تعتبر أن إسرائيل تشن حرب مياه ضد الفلسطينيين. فعملية التخطيط الإسرائيلية لمصادرة المياه العربية دؤوبة وتسير جنبا إلى جنب مع مصادرة الأرض منذ تأسيس الدولة الصهيونية، وهو ما تؤكده وثيقة سرية كتبها (بن غوريون) أول رئيس وزراء إسرائيلي في العام 1941، نشرتها وزارة الخارجية البريطانية، وجاء فيها: “علينا أن نتذكر أنه من أجل قدرة الدولة اليهودية على البقاء لا بد أن تكون مياه الأردن والليطاني مشمولة داخل حدودنا”. ومنذ تلك اللحظة، لم تتوقف السياسات الصهيونية للسيطرة على مصادر المياه في فلسطين لكونها ركيزة أساسية من ركائز نجاح المشروع الصهيوني الاستعماري/ الاستيطاني/ الإحلالي في فلسطين. ومن المعلوم أن الوضع المائي الصعب أصلا في الأراضي الفلسطينية قد ازداد سوءاً بعد قيام سلطات الاحتلال ببناء جدار الفصل العنصري الذي استحوذ على 37 بئراً، ودمر بئراً آخر، وجعل الوصول إلى 30 بئرا أكثر صعوبة. وقد أكد بحث فلسطيني “أن قيام الكيان الصهيوني ببناء جدار الفصل العنصري يتطابق بنسبة 100% مع مسار الأحواض المائية وآبار المياه الجوفية في الضفة الغربية”. وبحسب ندوة، حملت عنوان “المياه في الضفة والقطاع… واقع وآفاق” نظمتها جامعة بير زيت، فإن الجدار “سيمتد في نهاية المطاف لنحو 670 كيلو متر يلف مدن وقرى الضفة، بحيث سيقضم في نهاية المطاف أكثر من 40% من أراضي الضفة الغربية. وقد تم التخطيط المحكم للجدار الإسرائيلي العازل بحيث سيشكل خطوة أساسية من أجل فرض سيطرة مباشرة على النسبة الكبرى من مصادر المياه الفلسطينية في الضفة الغربية”.

لقد أصرت إسرائيل على اعتبار مسألة المياه من القضايا الرئيسية في مفاوضات الوضع النهائي، مع استمرار سياساتها الرامية إلى السيطرة الكاملة على المصادر المائية الفلسطينية، بالتوازي مع استمرار وتيرة النشاط الاستعماري/ “الاستيطاني”، والاستمرار في بناء جدار الفصل، وزرع “المستوطنات” فوق الأحواض المائية في فلسطين مدمرة بذلك الكثير من الأراضي الفلسطينية. كما أن الأثر السلبي “للمستعمرات” لم يقتصر على نهب المياه وإنما أثر كذلك سلبياً على البيئة حيث تسهم مخلفاتها في تلويث مصادر المياه الفلسطينية، ناهيك عن إعاقة الاحتلال تطوير البنية التحتية للمياه وشبكات الصرف الصحي في الأراضي المحتلة مما أدى إلى اهتراء الشبكات واختلاط المياه الملوثة بالمياه النقية لتصل ملوثة إلى التجمعات الفلسطينية. أما التقرير الصادر عن الجهاز الإحصائي في رام الله حول “المستوطنات” والوضع المائي في الأراضي الفلسطينية في نهاية 2011 فيلخص حقائق مهمة على النحو التالي: “على الرغم من ندرة المياه في فلسطين بشكل عام مقارنة بالنمو السكاني المرتفع، إلا أن أزمة المياه بين الفلسطينيين أخذت منحى خطيراً بعد عام 1967، واتسعت الأزمة المائية لتشمل عدداً من دول عربية، خاصة بعد سيطرة إسرائيل على مياه نهر الأردن والحاصباني وغيره، وبانياس وجبل الشيخ، كما سيطرت على جميع الأحواض المائية في فلسطين، واستطاعت السلطات الإسرائيلية عبر مخططات وسياسات دؤوبة من السيطرة على 81% من حجم مصادر المياه الفلسطينية خلال الفترة (1967-2011) حيث تشير الدراسات أن حجم الموارد المائية المتاحة للفلسطينيين في المنطقتين نحو 850 مليون متر مكعب سنويا”.

على صعيد مختلف، تبدو في الأفق حقيقة صارخة قوامها عدم وجود حل عادل للحقوق المائية بسبب اعتداء إسرائيل على حصص الفلسطينيين بشكل مستمر، وعجز اتفاقية أوسلو عن حل مشكلة المياه المزمنة في الضفة والقطاع نتيجة كون الاتفاقية لم تراع هذه المسألة ولم تضع حلاً لها. وقد أكد رئيس سلطة المياه في السلطة الفلسطينية الدكتور (شداد العتيلي) مؤخرا: “إن دراسات دولية وإسرائيلية أظهرت أن المستوطن الاسرائيلي في الضفة الغربية يستهلك 70 ضعف المواطن الفلسطيني من المياه”، مشيرا إلى تقرير لمؤسسة “بيتسيليم” الاسرائيلية، وتقرير الوزير الفرنسي (جوني جلافاني) الذي أكد “وجود تمييز عنصري في المياه”. وقد كشف (العتيلي) أن “ما هو متاح للفلسطينيين من المياه في الضفة يبلغ 105 مليون مكعب من الآبار والينابيع، وهو أقل مما كان متاحا في العام 1995 وفق اتفاقية أوسلو البالغ 118 مليون متر مكعب. أما كمية الاحتياج، وفقا للمعايير الدولية وحسب الوضع الطبيعي، فتبلغ 400 مليون متر مكعب، أي أن الفلسطينيين يحصلون على ربع ما يحتاجونه، وتقوم سلطة المياه بشراء 56 مليون متر مكعب من شركة “ميكوروت” الإسرائيلية، منها 4 مليون لتزويد قطاع غزة”. وختم الدكتور (العتيلي) بالقول إن “أزمة مائية تواجهها الضفة، ستعرضها لخطر مأساوي، مثل تلك التي تجري في غزة”. وعلى صعيد متمم، وبحسب تقرير دولي مهم، أعده مؤخرا مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية (أوتشا): “يوجد حاليا 56 نبعا في الضفة الغربية بالقرب من المستوطنات منها 30 نبعا تم الاستيلاء عليها بالكامل ومنع الفلسطينيين من دخولها بينما تضل الينابيع الباقية وعددها 26 عرضة لخطر استيلاء المستوطنين عليها نتيجة ما يقومون به من جولات منتظمة وأعمال دورية”. وتابع التقرير الدولي: “أنه في غالبية الأحيان جرى منع الفلسطينيين من الوصول إلى مناطق الينابيع التي تم الاستيلاء عليها من خلال أعمال الترويع والتهديد”. ثم أضاف التقرير: “يبدأ المستوطنون في أعقاب تقليص الوجود الفلسطيني أو القضاء عليه في (مناطق معينة) بتطوير الينابيع إلى مناطق جذب سياحي لتدعيم البنية التحتية السياحية للمستوطنات بقصد ترسيخها بإضافة مصدر دخل للمستوطنين وتطبيعها”. وختم التقرير بالقول: “الاستيلاء على الينابيع هو امتداد للتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية”.

لقد بات واضحا أن الهدف النهائي للاحتلال الإسرائيلي هو جعل حياة الفلسطينيين لا تطاق بعد تعطيشهم ودفعهم خارج أرضهم ضمن سياسة احتلالية تستهدف الإخلال بالوضع الديموغرافي الفلسطيني لصالح مخططاتها “الاستيطانية”. وختاما، من الثابت أنه دون سيطرة الفلسطينيين على مصادرهم الطبيعية وفي المقدمة منها شريان الحياة/ المياه، لا يمكن الحديث عن دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة بالمعنى الحقيقي.