إذ يوسع (نتنياهو) عزلة إسرائيل

في إسرائيل اليوم تسقط تابوهات كان مجرد الحديث عنها في المجتمع الإسرائيلي من المحرمات، كالمحرقة التي أصبح الإسرائيليون يتحدثون عنها ويناقشونها، علاوة على حيثيات قيام الدولة واستمراريتها، ويهوديتها. وفي الإطار، ازدادت الانتقادات لرئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) من مقربين لطالما دعموا سياساته اليمينية، على رأسهم رئيس المؤتمر اليهودي العالمي (رونالد لاودر) الذي هاجم وبشدة سياسة حكومة (نتيناهو)، داعيا إياها للشروع بالمفاوضات مع الفلسطينيين “بدون شروط مسبقة”. وبحسب صحيفة “هارتس” الاسرائيلية، انتقد (لاودر)، أحد أبرز الداعمين (لنتنياهو) في حملاته الانتخابية، سياسة الحكومة الإسرائيلية تجاه السلام وذلك أمام برلمانيين يهود جاؤوا من دول العالم للقدس المحتلة. وأضاف: “المجتمع الدولي لا يهمه ما يجري على الساحة السياسية الاسرائيلية، هناك 133 دولة ستصوت لصالح الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة في الامم المتحدة، ويجب بذل كافة الجهود للحيلولة دون ذلك”.

توقعت إسرائيل أن تجتاحها أمواج دبلوماسية عاتية في أيلول/ سبتمبر لكن المشكلات جاءتها أقرب من المتوقع تاركة إياها أشد عزلة في الشرق الأوسط أكثر من أي وقت مضى، وذلك مع التداعيات التي وقعت مع مصر إثر الهجوم عبر الحدود وقتل القوات الإسرائيلية 5 من حراس الأمن المصريين رميا بالرصاص خلال اشتباكات مع نشطاء فلسطينيين سبق أن قتلوا 8 إسرائيليين في كمين والتظاهرات العارمة التي خرجت في مصر تطالب بسحب السفير من تل أبيب. ويأتي هذا التردي بعد أيام من تجدد المشادات الكلامية التي أعقبها قرار تركي بتجميد كافة العلاقات العسكرية والتجارية مع طرد أركان السفارة الإسرائيلية ذلك أن تركيا لا تزال غاضبة وتنتظر الاعتذار الاسرائيلي والتعويض لقتل 9 من الأتراك المتضامنين مع الشعب الفلسطيني في “أسطول الحرية”.

“أصبحت اسرائيل رمزا للظلم والعنصرية في العالم عند كثير من التحالفات المضادة للمؤسسات الغربية وفي الغرب نفسه وهذا اتجاه سيزداد زخما في السنين القادمة”. هذا ما حذر منه الكاتب الإسرائيلي (اسحق ليئور) في مقال بعنوان “أطول احتلال في العالم”، حيث يقول: “أجل، اسرائيل متصلة بمراكز القوة في العالم. وتبدو التنبؤات بالتسونامي (السياسي) الان مبالغا فيها، ومع كل ذلك ينبغي ان نذكر قبل حفل الانتصار ان الاحتلال الاسرائيلي هو أطول احتلال عسكري في العصر الحديث. يعيش من يخضعون للاحتلال في صورتيه – في الضفة وقطاع غزة – تحت سلطة قاسية سمحت بها لانفسها نظم احتلال قليلة دون أي قانون. فثمّ الحصار، ومرض الاولاد، والحواجز، وتعسف الجنود، وأعمال دهم البيوت. ويطول الاحتلال، وهذا كارثة علينا وعلى الفلسطينيين. لقد جعلت المستوطنات الاحتلال بلا حل في العقود القريبة على الاقل وهكذا فان الاحتلال لن يربي فقط جيلا آخر من الجنود الاسرائيليين بتشجيع من حاخامي الغوغاء، بل سيربي جيلا ثالثا ورابعا من الفلسطينيين دون حياة اخرى”. أما (ألوف بن) فيضيف: “السياسة الاقليمية لاسرائيل تتلخص بنصب اسوار عالية: أسوار امنية، أسوار اقتصادية، واكثر من أي شيء آخر اسوار ثقافية، تفصلنا عن المحيط وتعزز الوهم بان اسرائيل تنتمي للغرب وفقط بسبب حظها المتعثر علقت في جيرة قاسية لعرب ومسلمين!! أحلام (الشرق الاوسط الجديد) لشمعون بيرس، الذي روج لفكرة التعامل الاقليمي، اندثرت منذ زمن بعيد. ولقد حل محلها نهج (الفيلا في الغابة) لايهود باراك وبنيامين نتنياهو، اللذين يريان في اسرائيل المعقل المتقدم للغرب في الشرق الاوسط”. كما يقول (ايتمار آيخنر) و(اورلي ازولي) في مقال مشترك: “حلم الدولة اليهودية والديمقراطية لا يمكنه أن يتحقق الى جانب احتلال دائم”. ويعود (ليئور) ويستخلص: “ينبغي الا نعجب من ان الحصار على غزة يضيق كحصار اخلاقي على اسرائيل. استطاعت اسرائيل رويدا رويدا، في عالم مليء بالظلم وجرائم حرب والعنصرية المضادة لاقليات ومهاجرين خلال عقود من الحماقة، ان تصبح رمزا لهذه المظالم والجرائم. إنها لم تعد تجسيدا للتقدم كما روجوا لنا زمنا طويلا بل العكس التام”.

صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية وجهت انتقادات شديدة في مقالتها الافتتاحية مؤخرا على جميع الجهات الإقليمية والدولية ذات الصلة بالوضع الفلسطيني، وحذرت من أبعاد وانعكاسات مدمرة. وكتبت الصحيفة: “لدينا تعاطف لتوق الفلسطينيين إلى الدولة وشعورهم بالإحباط. لقد وعدوهم سنوات طويلة بحل يقوم على المفاوضات. وقد دعا الرئيس أوباما لاتفاقية سلام حتى شهر أيلول بيد أن جميع تلك المطالبات ذهبت حتى الآن أدراج الرياح، والنتائج قد تسفر عن إلحاق أضرار جسيمة بجميع الجهات ذات العلاقة بهذا الاتصالات”. وشددت خاتمة المقال: “الجميع مدانون، بمن فيهم الجمهوريون في الولايات المتحدة. كما يتصدر المدانين (نتنياهو) رئيس الحكومة الإسرائيلية الذي بذل قصارى جهده من أجل العثور على التبرير الذي يتيح له فرصة التهرب من المفاوضات. لقد عارض وأحبط مبادرة الرئيس أوباما، وقام زعماء الجمهوريين – الذين يبدون مهتمين فقط بإحراج أوباما – بتشجيع نتنياهو على المعارضة”. أما زعيمة المعارضة الاسرائيلية (تسيبي ليفني) فقد اعتبرت أن “الخطأ التأريخي الذي ارتكبه (نتنياهو) يتمثل برفضه مواصلة المفاوضات مع الفلسطينيين من حيث توقفت في فترة الحكومة السابقة”. ونعتت (ليفني) الحكومة الحالية بـ”جبهة الرفض الإسرائيلية”، محذرة من أن سياستها تؤدي إلى “زيادة عزلة إسرائيل واقترابها من حافة الهاوية”. ومن جهتها، نقلت “نيويورك تايمز”، عن (أودين إران) مدير معهد دراسات الأمن القومى فى جامعة تل أبيب والسفير السابق لدى الأردن استخلاصه: “إن الخلاف (الجديد مع مصر) أظهر القيود الجديدة التي أرهقت كاهل إسرائيل وقوضت قدرتها على المراوغة، في الوقت الذي كشف فيه عن مدى عزلتها الإقليمية فى المنطقة”. إذن، ثمة حقيقة واضحة الملامح: إسرائيل تتجه فعلا إلى مزيد من العزلة الدولية، وبدأت افتراقا ملحوظا حتى عن أقرب الحلفاء، تركيا بالأمس ومصر والأردن هذه الأيام، ناهيك عن الفلسطينيين الذين افترقت عنهم منذ زمن بعيد وسيزداد الافتراق مع ذهابهم إلى الامم المتحدة قريبا.