بعد عشر سنوات على رحيله خالد شومان: النسيم الخالد

مع سيدة (دارة الفنون) سهى شومان، وفي زحمة حشد من المحبين الذين جاؤوا من كل حدب وصوب لإحياء الذكرى العاشرة لرحيل (خالد شومان – أبا عمر)، ومن شرفة المشروع الأحدث الذي أطلقته (مؤسسة خالد شومان) التي يقودها الحبيب عمر، جاءنا –من تلك الشرفة: نسيمك العليل! فقد غمرتني –وحشد الحضور- موجات من نسائمك “يا صاحب الوجه الذي يشع جاذبية، وصاحب الفهم الذي يمطر تفهما، وصاحب الشخصية التي تبث هدوءا ملائكيا وتبعث في النفوس سكينة المؤمن المتيقن”!
في ذكراك العاشرة، استعيد –يا خالد- كلماتي عن  سجلك الخالد: فأنت “عشت مثل النسيم، ومثل النسيم عايشناك! كنت دوما رمزا لإزاحة العوائق ولم تكن يوما عائقا في وجه أحد! كل ما فيك وكل ما يصدر عنك، كان يبعث على الراحة! حتى في رحيلك، سعيت من اجل أن تكون بنا “رحيما”! كأنك اخترت أن لا تصعقنا، فغادرت بعد طويل تمهيد، بعد طويل “تبليع”، بعد طويل “إعداد”! ومع ذلك، جاء موتك صاعقا لكل محبيك! فالبشر –الحقيقيون من البشر- يقتاتون على الأمل، يعيشون على الأمل، ينامون على الأمل، ويصحون على الأمل، بأن لا يغادرهم حبيب!” وبعد عشر سنوات من مغادرتك لنا –يا أبا عمر الحبيب- لم يغادرنا الألم فهو باق ومقيم!
وإذ استرجع استخلاصات قديمة اكتشف –رغم ذكراك العاشرة- أنها جديدة. فمثلا، أعلم علم اليقين “أن الحياة، باكثر من معنى، تضج بداخلك وأنت في الحياة الأخرى، اكثر مما هي عند رهط من أولئك الأحياء جسديا وعقليا في هذه الحياة الدنيا لكنهم –من أسف شديد- ينتمون إلى فصائل بشرية دنيا … كونهم –في مسيرة الحياة- أموات … أموات! ومع أنك “رجل البنوك” المبدع ورب العائلة الأثير، و”صديق أصدقائك” الوفي … فإن كل ما فيك –بمعنى خاص- لم يكن له علاقة بالأرقام الجامدة وبالإحصاءات الصلدة والآلات الصماء “الجديرة” برجال الأعمال وأصحاب البنوك! فكل هذه الأرقام وتلك الآلات قمت بتوظيفها إما في مصلحة البشر/الإنسان/الموظف/ الأجير، أو هي كانت –على الأقل- بدون صدام معهم أو مع حقوقهم، بل في تناغم فريد ندر أن عرفته مؤسسات “وحش” القطاع الخاص! وفي هذا السياق، صب شلال تبرعاتك السخية سواء في اتجاه العمل الوطني، أو الإنساني، وبالذات الثقافي/الفني مع (سهى) رفيقتك حتى اللحظة الأخيرة … وما وراء اللحظة الأخيرة!”
لطالما أشهرت إيماني الإنساني بك وبما تمثله يا أيها “الفلسطيني الحقيقي”، الكامن في روح “العربي الأصيل” عندك، المتجذر في “المسلم الواعي” الذي تمثل، والمنزرع في “العالمي الحضاري” الذي تنتمي إليه. ومجددا، أسجل: “كم شعرت بقوة جذور “بيت حنينا” فيك! وكم رأيت اغصان وأوراق “بيت حنينا” في شجرتك الخالدية! ومع ذلك، كنت دوما أوسع … كنت اكبر! فكل من لم ير فيك القومي العربي، والأردني الوطني، والفلسطيني العروبي، والإنساني الكوني … ظلمك! وقد أمكن لي رؤية هذا الجانب المسيطر فيك في لقاءات التزاور الاجتماعي أو في “لقاءات العمل” على امتداد السنوات التي كنت فيها مديرا عاما (لمؤسسة عبد الحميد شومان) المنزرعة في أعماق أعماق روحي وتاريخي المهني. وكم كان ذلك الجانب ساطعا. كنت تسألني –غالبا بعينين حزينتين وبقلب منفطر- عن أخبارنا … عن أخبار القضية! وحين كنت أحاول العودة إلى حديث العمل كم من مرة “زجرتني” بنظرة معاتبة: أولا ننتهي من حديث القضية الأهم … ثم ننتقل إلى حديث العمل المهم”!
وأختم من أوراق دفاتري القديمة عنك، بأحد نصوص مشاعري الجديدة (بل الدائمة) عن ذاتك، مكررا بتكرار شهادتي فيك فأقول: رغم أنك –يا أيها الغالي أبا عمر- مثل النسيم عشت ومثل النسيم عايشناك، فإن ذكرى رحيلك تحمل لنا –في جزئيات ذلك النسيم- أشواكا تنغز … وتؤلم … وتدمي! ورغم ذلك، ها نحن نحرص على تذكرك لكي “نستمتع” بذلك النغز والألم والإدماء من أجل ان نستعيد صورتك، صوتك، ابتسامتك، وسيرتك العطرة، ولو لجزء من الثانية!” واليوم –في الذكرى العاشرة لرحيلك- نتذكرك بقوة … ونتألم بقوة!