انتفاضة شموع وليس انتفاضة دموع

في ظل الأوضاع الراهنة، لا يرى الفلسطينيون والاسرائيليون على السواء احتمالا يذكر لاستئناف المفاوضات/ المحادثات، خاصة عقب الخطابين اللذين القاهما رئيس الوزراء الاسرائيلي (بنيامين نتنياهو) أمام كل من منظمة “إيباك” الصهيونية، والكونجرس الامريكي الذي حاز (نتنياهو) على تعاطفه دون أن يقدم جديدا لاقرار “السلام” مع الفلسطينيين، بل على العكس وجدناه يجدد رفضه تقسيم القدس، ويكرر “حث” الرئيس الفلسطيني محمود عباس على أن ينأى بنفسه عن حركة حماس، واعدا، ويا للسخرية، أن يكون “سخيا” بشأن إرجاع أراض في الضفة الغربية المحتلة اذا ما سعى عباس لتحقيق “السلام”، معلنا تمسك إسرائيل بالاحتفاظ بغور الاردن!!

عن ذلك، كتب (ناحوم برنيع) في صحيفة “يديعوت احرنوت” يقول: “نتنياهو أفضل متحدث باسم اسرائيل في الولايات المتحدة. جميع الاسرائيليين يحبون امريكا.. واعضاء الكونجرس يحبون اسرائيل”، إلا أنه يؤكد لاحقا على نقطة مركزية وهي أنه “من المؤسف ان أعضاء الكونجرس لن يكونوا موجودين حين تواجه اسرائيل المشاكل. مشاركتهم في السياسة الخارجية هامشية وتأثيرهم على السياسة الخارجية ضعيف. والاهم من ذلك انهم ليسوا من سيبحثون عن مأوى في عسقلان وبئر السبع اذا ما استأنفت حماس اطلاق الصواريخ  من غزة”. ومن جهته، يقول (بن كاسبيت) في “معاريف”: “يعلم نتنياهو جيدا ان الشروط التي وضعها لعملية السلام لا يمكن ان تمثل نقطة بداية باي حال من الاحوال. لن يقبلها اي فلسطيني في اي مكان في العالم ولن تدعمها اي دولة عربية في العالم ولن يتعامل اي شخص في اوروبا معها على محمل جدي. لن يغير احد موقفه تجاه نتنياهو. لن يغير اي شخص موقفه تجاه اسرائيل بعد هذه الكلمة. لن يتحقق السلام نتيجة لهذه الكلمة. لم تقدم الكلمة اي خطة للسلام”. وفي السياق نفسه، قال (اري شافيت) المعلق في “هارتس”: “اننا نذهب في طريق مسدود. نتنياهو صنع سلاما مع الكونغرس الا انه أدار ظهره للعالم”. أما (ايمانويل روزين) المعلق في القناة التلفزيونية الثانية الخاصة فقال بنبرة جدية انه “بعد التصفيق في الكونغرس نستحق انفجارا مروعا في ايلول/ سبتمبر المقبل”.

في ضوء، بل في ظلام، الموقف الإسرائيلي المناهض للسلام، يأتي حديثنا اليوم عن ضرورة المسارعة لوضع برنامج عملي لتحرك جماهيري فلسطيني واسع، تظهر ثماره بالتوازي مع تصميم السلطة الفلسطينية التوجه في أيلول/ سبتمبر المقبل إلى مجلس الأمن الدولي للحصول على الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود 1967. فمعروف أنه منذ الانتفاضة الأولى في عام 1936، بدأت إبداعات الدروس الفلسطينية في كيفية مقاومة المحتل. وفي ظل الصحوة العربية وعبر التجربة الفلسطينية الرائدة في هذا المجال، والتي بدأت منذ 1936 وصولا إلى انتفاضة عام 2000، نحن بحاجة إلى انتفاضة شعبية شاملة، بمعنى ان تكون أحداثها يومية ولا ضير من أن تبدأ موسمية، كأن تكون في أيام الجمع أولا. وإن كانت مبررات التحركات الاحتجاجية الشعبية العربية السلمية مبررة ضد “احتلال” بعض الأنظمة القمعية هي جزء من أبناء الوطن الواحد، فإن مبررات الانتفاضة الشعبية الشاملة للشعب الفلسطيني كثيرة. فهذا الشعب يواجه تطرفا إسرائيليا مجنونا، يصر على عدم رؤية قباحة سياسته التي تتوغل بعيدا في عقلية عدوانية عنصرية عسكرية توسعية. من هنا الرغبة الواسعة بوضع برنامج عملي في أقرب فرصة ممكنة لتحرك جماهيري، على أن تتجه هذه التحركات اليومية للحواجز الإسرائيلية العديدة حاملة الشموع بدلا من الحجارة.

إن نجاح انتفاضة شعبية من هذا الوزن، بالإضافة إلى اقتناع القيادة الفلسطينية شبه المتوفر بضرورتها، يحتاج عودة الفصائل الفلسطينية إلى الجماهير. فرغم أن 97% بالحد الأدنى من الشعب الفلسطيني هم من المستقلين، وفقا لأحاديث رسمية أقرها عديد من قادة الفصائل نفسها، فإن هنالك مسؤولية كبيرة تقع على كاهل الفصائل، تبدأ أولا بإعادة تفعيل نفسها مع الجماهير، والعودة إلى العمل الفصائلي المشترك، وإعادة الاعتبار للجسم الوطني الموحد سياسيا، فتعود عندها إلى الدور المركزي الذي طالما لعبته سابقا في منظمة التحرير الفلسطينية. وعلى المستوى ذاته، يأتي أيضا دور مؤسسات المجتمع المدني التي لعبت دورا هاما خلال انتفاضة الأقصى، سواء على الصعيد الوطني العام، أو على صعيد تقديم العديد من برامج الإغاثة الإنسانية للمواطنين الفلسطينيين.

هذه الأيام، اكثر من أي وقت مضى، تطفو على السطح سياسة الفصل العنصري (الأبارتايد) الاحتلالية مقرونة بالممارسات الاحلالية الاسرائيلية. وفيما تستمر إسرائيل في خطواتها الاستفزازية الأحادية في عموم الضفة الغربية، فضلا عن الإجراءات الأحادية التي تقوم بها في القدس الشرقية بهدف تهويد المدينة وتغيير معالمها وهويتها وإفراغها من أهلها العرب، تبين زيف مقولة إسرائيل بأن “الكبار يموتون, والصغار ينسون”. فالجماهير ما زالت بخير, والتغيّر الجاري في العالم العربي يخدم لا محالة القضية الفلسطينية. هنا يجب التأكيد على أن ضرورة المبادرة إلى “انتفاضة” جماهيرية سلمية وحضارية أسوة بالانتفاضة الفلسطينية الأولى وبما حدث في كل من تونس ومصر “انتفاضة شموع … لا دموع” قوامها الابتعاد عن البكاء على الأطلال، وهو الأمر الذي يحتاج إلى المحافظة على المصالحة الوطنية ووحدة الموقف الفلسطيني من العودة إلى “المفاوضات” العبثية والثبات في مواجهة الضغوط الهائلة التي يتعرض لها الفلسطينيون، فضلا عن المحافظة على الدعم الدولي المتزايد الذي يؤمن بشرعية المطالب الفلسطينية وسلميتها. عندئذ، سننجح في إطلاق انتفاضة ثالثة تكون سلمية هذه المرة. ففي أحدث استطلاع للرأي أعدّه الدكتور نبيل كوكالي ونشره المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي، أجري خلال الفترة من (5-12) أيار/ مايو 2011، تبين أن أغلبية الجمهور الفلسطيني (70.5%) يتوقعون حدوث انتفاضة ثالثة. ومقارنة هذه النسبة باستطلاع آخر أجري في الفترة نفسها من العام الماضي يشير بوضوح إلى ارتفاع منسوب هذه النسبة هذه الأيام، إذ كانت نسبة المعارضين لحدوث انتفاضة ثالثة قد وصلت في العام 2010 إلى (72.2%) ونسبة المؤيدين لحدوثها (22.8%). وحقا، المنطقة بكاملها – وبخاصة فلسطين- مفعمة بمختلف أنواع الديناميت الاجتماعي والسياسي والوطني.