(أردوغان) والقضية الفلسطينية: حقائق وأرقام

بدأت العلاقات الرسمية التركية/ الإسرائيلية في آذار/ مارس 1949 حين أصبحت تركيا أول دولة ذات أغلبية إسلامية تعترف بإسرائيل كوطن قومي لليهود على حساب الفلسطينيين، وكانت العلاقة المبكّرة مع إسرائيل مفتاحاً لانضمام تركيا للمعسكر الأطلسي. ولو نحن قفزنا زمنيا وصولا إلى عهد الرئيس التركي (رجب طيب أردوغان)، نتذكر أنه، كرئيس للوزراء، قد زار إسرائيل والتقى خلالها برئيس وزرائها آنذاك (أرييل شارون) ووضع إكليل زهور على قبر سيء السمعة والصيت الزعيم الصهيوني (ثيودور هرتزل).

على امتداد السنوات الماضية، كثيرا ما شابت العلاقات التركية/ الإسرائيلية توترات ومماحكات إعلامية ودبلوماسية لكنها بقيت في إطار الأقوال وليس الأفعال. فهذه كلها، لم تؤثر على التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل، حيث بلغ حجم المبادلات التجارية بينهما في 2016 أكثر من 4.2 مليار دولار. وبحسب مكتب الإحصاء التركي، ارتفع في 2019 إلى 6.1 مليار دولار. كما كشف مدير الطيران المدني الإسرائيلي في 2013 (وبعدها) أن شركات الطيران التركية تقوم بأكثر من 60 رحلة جوية أسبوعيا إلى إسرائيل، وأنها تنقل بين البلدين أكثر من مليون مسافر سنويا. وكانت “إسرائيل” مصدر السلاح الرئيس لتركيا لفترة طويلة، علاوة على التعاون العسكري في مجال التدريب وتطوير الأسلحة، علما بأن التعاون العسكري بين البلدين لعقود بلغ ذروته منذ احتلت القوات التركية شمال قبرص في 1974 حيث اعتمدت تركيا حينها على إسرائيل في تطوير جيشها، نظرا لعقوبات أمريكية وأوروبية فرضت على أنقرة على خلفية المشكلة القبرصية.

في أحدث دراسة لمركز “بيجن ــ السادات للدراسات الاستراتيجية (بيسا)” صدرت نهاية آب/ أغسطس الماضي، كتب (أميكام ناشمانس) أستاذ العلوم السياسية أن “العلاقات الخاصة بين تركيا وإسرائيل التي استمرت من تسعينيات القرن الماضي وحتى أوائل القرن الحادي والعشرين تميزت بتعاون استراتيجي مفتوح وقيام اللوبي الإسرائيلي بحمل المصالح التركية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلا أن شكل هذا التعاون مختلف عما هو مألوف بسبب الرغبة في إبقاء العلاقة سرية بين الطرفين”. من جهتها، تقول الخبيرة (آنا أهرونهيم) أنه “… وعلى الرغم من اللغة العدائية بين الطرفين، تدرك كل من إسرائيل وتركيا أن تجارتهما القوية ستساعد في الحفاظ على كلا الحاكمين في السلطة، خاصة خلال الأزمة الاقتصادية التى أعقبت وباء كورونا”. أما (دفني أرسلان) ممثلة المجلس الأطلسي ومديرته في تركيا، فتقول في الدراسة: “على الرغم من التحديات، فإن هناك الكثير ليجنيه كلا الطرفين إذا تحالفا كقوة إقليمية”. وكانت فعاليات مركز (بيسا) قد خلصت إلى أن هناك “علاقة خاصة بين تركيا وإسرائيل مختلفة بشكل كبير عن العلاقات السرية بين الدول، غالبًا ما تنكرها تركيا بشكل قاطع وتشير إليها إسرائيل بشكل ملطف على أنها علاقات “متلازمة العشيقة”.

الملاحظ، وفي كل قضية يتم فيها تهميش أنقرة، تعود الخطب النارية التركية للحديث عن القضية المركزية – فلسطين في محاولة للتأكيد على دورها المحوري الذي ترسمه لنفسها باعتبارها شريك في القضايا المصيرية في الشرق الأوسط. لكن مساعي تركيا للعب دور أكبر في المنطقة وفيما يخص القضية الفلسطينية، لكن عبر سياسة براغماتية قائمة على المصلحة المتبادلة مع الكيان الصهيوني (وغيره من حلفائه)، لم تنجح سوى في دفعها نحو مزيد من الأزمات السياسية والاقتصادية، علما بأن لهذه الأزمات صلة عميقة بالسياسة التركية الداخلية المتناغمة مع صعود الأوتوقراطية النرجسية للزعيم (أردوغان). وفي الوقت الذي نرحب فيه بكل موقف تركي فعال لإحقاق الحقوق الفلسطينية يتطابق فيه القول مع الفعل، يثور في أعماقنا السؤال: إلى متى ستستمر تركيا في اتخاذ مواقف كلامية (تتجمل بمكياج لغوي غالبا ما يكون ثورجيا) تجاه القضية الفلسطينية، مقرونا بمواقف فعلية تعزز فيها صلاتها العسكرية والسياحية والتجارية… إلخ مع “إسرائيل”؟