ماذا لو لم تكن دولة الكويت موجودة؟

على امتداد تاريخها الحديث، لا يمكن تجاهل المسيرة الديموقراطية في دولة الكويت وما تتمتع به من حريات متنوعة جعلتها في مقدمة الدول العربية التي تنعم بالرخاء والديموقراطية. والكويت، هي الدولة التي سبقت غيرها في التجربة الديموقراطية المتفردة إذ لطالما استجوب برلمانها المنتخب – فعليا وليس شكليا – الحكومة وأكد الثقة فيها أو حجبها عنها. والكويت الراهنة تتمتع بقيادة الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح (رجل الدولة صاحب الخبرة والاطلاع على العالم) يعتبر عميد الدبلوماسية في العالم العربي حيث تولى منصب وزير الخارجية في العام 1963 واستمر فيه حتى صدر المرسوم الأميري في العام 2003 بتعيينه رئيسا لمجلس الوزراء، ومن ثم مبايعته أميراً لدولة الكويت في 29 كانون ثاني/ يناير 2006.

ولأن الأمير صباح هو “رجل المبادرات”، لا غرابة أن يخط للكويت سياسة إيجابية تصالحية فنجح حيث فشل زعماء عرب ومسلمون آخرون. فعلاقات الكويت لا يشوبها أي توتر بل هي تلعب دور الوسيط في حل الخلافات، خاصة الخليجية/ الخليجية، وهو الأمر الذي أكده الأمير في كلمته بالقمة الخليجية الأخيرة في الرياض، حين اعتبر أن “استمرار الخلاف الخليجي يعرض مجلس التعاون إلى تهديد خطير”، داعيا إلى “وقف الحملات الإعلامية لتهيئة الأجواء لحل الخلاف بين دول الخليج”. كذلك، بالنسبة للأزمتين في اليمن وسوريا، فقد اعتبرتهما الكويت تهديدا مباشرا للمنطقة كلها، وبالتالي ضرورة الحل السياسي للأزمتين.

أما فلسطين، فلطالما كان لها مكانة خاصة لدى قيادات الكويت التي تتمسك بموقف محمود في هذا الزمن العربي البائس. فالكويت هي واحدة من ندرة بين الدول العربية التي لا تقيم أي نوع من العلاقات مع “إسرائيل”. ومعلوم أن عشرات الكويتيين قاتلوا في صفوف الثورة الفلسطينية التي كانت الكويت أول من احتضنها ودعمها منذ انطلاقتها، ثم كانت السباقة بفتح أول مقر لمنظمة التحرير الفلسطينية على أراضيها. ومعلوم أنه في الكويت تبلورت ونمت حركة فتح، وفيها كتب غسان كنفاني قصصه الأولى، ومنها تعززت معرفة العالم بريشة ناجي العلي وغير ذلك كثير. وحتى في زمن التراجع العربي والإسلامي، كانت الكويت، ولا تزال، حاضنة للقضية الفلسطينية، وذات مواقف مشرفة في المحافل الدولية دفاعا عن الشعب الفلسطيني. وقبل أسبوعين فقط، وخلال رئاستها لمجلس الأمن الدولي، دعمت الكويت موقف منظمة التحرير الفلسطينية ومنعت إدانة المقاومة الفلسطينية. كما لم يكن مستغربا صدور مواقف متتالية لرئيس مجلس الأمة الكويتي (مرزوق الغانم) وعدد من السفراء الكويتيين دفاعا عن الشعب الفلسطيني ومواقفه الكفاحية والحضارية. وبالنسبة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وفي ظل الموقف الأمريكي الساعي لإغلاق الوكالة، برزت الكويت على قائمة أكبر الدول الداعمة للوكالة لسد العجز المالي حيث قدمت 50 مليون دولار، دون أن ننسى تنفيذ مشاريع إعادة إعمار وإصلاح البنية التحتية في قطاع غزة، بل وتقديم مساعدات نقدية عاجلة لأصحاب البيوت التي دمرت بشكل كامل، خلال الحروب الثلاثة على غزة (2008، 2012، 2014)، وتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية للجرحى… وغير ذلك فالقائمة تطول.

ختاما، ومع تزايد وتائر الإنحدار الرسمي العربي، وإزاء سباحة الكويت، شعبا وأميرا وحكومة وبرلمانا، عكس هذا التيار المتراجع، نقول: لو لم تكن دولة الكويت موجودة لكان يجب أن تكون!