هل تصلح الثقافة ما تفسده السياسة؟

في العاصمة الإماراتية أبو ظبي، التأم على مدار 4 أيام معرض أبو ظبي الدولي للكتاب حيث وزعت فيه جوائز الشيخ زايد للكتاب، وأقيمت أكثر من ندوة، لربما كان أهمها مساهمة الجوائز العربية في بناء حركة ثقافية فاعلة، باعتبارها محفزا كبيرا وقوة محركة تسهم في تغيير المشهد الإبداعي، ونجح في إثارة الكثير من المواضيع والقضايا التي تشغل بال المتابعين للجوائز، كتابا ومبدعين ونقاداً وإعلاميين وناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي.

وقد شارك في الندوة، التي استجلبت حضورا قويا فاقت غيرها من الندوات، كل من الأخ والصديق علي بن تميم الأمين العام لجائزة الشيخ زايد للكتاب وهو صاحب الدعوة في الأساس، والدكتور عبد العزيز السبيل، أمين عام جائزة الملك فيصل، والدكتور هشام عزمي، أمين عام جائزة نجيب محفوظ في مصر، والدكتور طالب الرفاعي، رئيس مجلس أمناء جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية في الكويت، وعلي خليفة، الأمين العام لجائزة عيسى لخدمة الإنسانية من البحرين، وأسعد عبد الرحمن، عضو مجلس الأمناء والرئيس التنفيذي «لمؤسسة فلسطين الدولية».

الثقافة في الوقت الحاضر تفهم بشكل أكثر اتساعاً مما كانت عليه سابقا، فقد باتت تهدف إلى تناول الإنسان بكليته جسداً وروحاً وعقلاً ووجداناً. ويشكل هذا المفهوم عاملاً قوياً في العلاقات الدولية يتمثل في إعلان الحق بالثقافة، والحق في المبادلات الثقافية. لذا، ستظل هكذا لقاءات وما ينجم عنها من عصف فكري حاضراً في أذهان من يهتمون بضرورة العمل الثقافي العربي المشترك بين مكونات الوطن العربي الكبير، فوحدهما الفكر والثقافة ما زالا قادرين على جمع العرب، كل العرب بسلام وحب واحترام للحوار وتبادل للرأي.

الثقافة، تلعب دوراً جوهرياً في بناء الإنسان وتطوير المجتمع وتقدمه وبلورة الوعي الإنساني، خصوصا الثقافة ذات الطابع والمضمون الوطني الديمقراطي والحضاري الموجه، وهي شرط أساسي وضروري للممارسة الديمقراطية وتوفير المساواة الاجتماعية وتجذير القيم، التي تعطي دفعاً لتطور الإنسانية وتقدمها.

عندما نتلمس الواقع العربي نرى تأخرا سببه الأساس عدم الاهتمام بالثقافة واعتبارها أمرا هامشيا في تكوين وصناعة الإنسان. والأزمات السياسية التي تمر بها المجتمعات العربية خلفت وراءها العديد من المشكلات في ميدان الثقافة، متجاهلين أن الثقافة لا يمكن أن تحيا تحت عباءة السياسة. لقد فشل الساسة والنخب والطبقات السياسية في العالم العربي في إزالة الحواجز والحدود الوهمية بين شعوب شقيقة، تاريخها ومستقبلها مشتركان. ففي عالمنا العربي، نحن نعاني من واقع تجزئة وعينا الثقافي وليس من التجزئة السياسية فحسب، لذا، فقد استوجب على النخب الثقافية، أن تأخذ المبادرة لتقوية أواصر الاتصال والترابط بين الشعوب العربية الشقيقة.

نحن في الأمة العربية لم ننجح بعد في تحقيق وحدتنا السياسية، ولا يبدو لي أننا قريبون من تحقيق ذاك الحلم. لكنني أرى أننا سنكون أقرب، إن نحن جعلنا الثقافة مدخلا ولو مؤقتا، للمدخل السياسي. فالثقافة تجمع ولا تفرق. ثم هي الباب الذي نعبر منه جميعا إلى التوحيد السياسي المأمول والمنشود.

نعم، نؤمن بإمكانية تغيير الواقع من خلال نشر الثقافة والوعي في المجتمع وتدريجياً عندما يصطلح المجتمع ويصبح جاهزا لنضج ووعي معين سيسمح بالمساعدة في التغيير السياسي.

كلمة «ثقافة» كلمة عريقة في اللغة العربية أصلاً، تعني صقل النفس والمنطق والفطانة والذكاء. وفي القاموس (المحيط): ثقف – ثقفاً – وثقافة وتعني صار حاذقاً – خفيفاً – فطناً.. وثقفه – تثقيفاً بمعنى سواه، وهي تعني تثقيف الرمح، أي تسويته وتقويمه. وهذا ما يملكه المثقفون ولا يملكه السياسيون.