ما بعد قمة بايدن – بوتين

“بناء علاقات متكافئة وبراغماتية”، قاعدة لطالما رددها القطبان الأكبر الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية. وفي هذا السياق، لا زالت أصداء القمة الثنائية بين الرئيسين الأمريكي (جو بادين) والروسي (فلاديمير بوتين) وما جرى من تفاهمات تلقي بظلالها على المشهد العالمي وسط الحديث عن إشاراتٍ إيجابية وخطوطٍ حمراء وخلافاتٍ وقضايا عصية على الجانبين.

ومع قرار عودة السفيرين الأمريكي والروسي إلى واشنطن وموسكو عقب القمة، يبدو أن اتفاق الزعيمين كان على “التهدئة” ولو “مؤقتة”. وفي الأصل لم تراودنا أوهام بأن تسود القمة أجواء من “الثقة”، ولم نتوقع أن تسفر القمة عن أي قرارات “تاريخية” أو “مصيرية” توقف قطار المواجهة، أو تحوّل وجهته، ذلك أن أي حوار بينهما لا بد له من إجراءات عملية تراكمية لبناء الثقة، وهذه الثقة – فيما أعلمونا به – شبه معدومة تقريبا.

مع ذلك، لمسنا توصلهما إلى تفاهمات في القمة فيما يخص الشرق الأوسط تشير إلى اهتمام مشترك بالبحث عن حلول لصراعات وأزمات مختلفة حول العالم، رغم استمرار خلافاتهما بشأن الحد من التسلح، والقرصنة الإلكترونية، والتدخل الإلكتروني في الانتخابات، ومسألة أوكرانيا:

في أفغانستان، التي كلفت الحرب فيها الولايات المتحدة ما يقرب من تريليون دولار أمريكي بالإضافة إلى ضحايا بعشرات الآلاف، بمن في ذلك المدنيين العزل، ومع قرارها الإنسحاب من أفغانستان في 11 أيلول/ سبتمبر المقبل، أدركت واشنطن أهمية الحاجة إلى قنوات دولية تحت رعاية هيئة الأمم المتحدة لمساعدة أفغانستان على العودة إلى الحياة الطبيعية، وهو الأمر الذي تجده موسكو هاما للغاية لجهة منع الفوضى بعد الإنسحاب الأمريكي ما قد يصدر “الإرهاب” لجميع أنحاء العالم.

بالنسبة للعراق، الذي تدرك واشنطن أنه لم يعد مرغوبا فيها على أراضيه، فثمة مخاوف من أن تحقق المطلب الشعبي العراقي بالإنسحاب الكامل للقوات الأمريكية في ظل الفساد والمحاصصة قد يدفع العراق إلى ما هو أبشع مما يعانيه من مشاكل اليوم، خاصة في ظل التدخلات الإيرانية المتشعبة، لذا اتفق الطرفان الأمريكي والروسي على ضرورة العودة إلى هيئة الأمم المتحدة، والاسترشاد بالقوانين الدولية، واحترام سيادة الدول، ووحدة أراضيها.

اقتناع أمريكا “الملغوم” بضرورة التعامل مع الحكومة السورية الرسمية بما يتماشى من المعايير الدولية، رغم استمرار رفض أمريكا تقديم مساعدات إنسانية للشعب السوري من خلال حكومة دمشق، بزعم أنها قد لا تصل إلى المواطنين العاديين، بل إلى الحكومة ومقربيها وأتباعها. لكن الأهم هو التوافق على أن الخروج من الأزمة السورية لن يتحقق سوى بالالتزام بقرار مجلس الأمن رقم 2254، خاصة فيما يتعلق ببند الحوار بين دمشق والمعارضة، وعملية الانتقال السياسي، على أساس التوافق بين الطرفين، دون إملاءات خارجية، وبوجود مراقبين من هيئة الأمم المتحدة.

أما فيما يخص القضية الفلسطينية، فهناك مرحلة أمريكية جديدة تتوافق تقريبا مع الموقف الروسي، مع إمكانية استعادة دور “اللجنة الرباعية” الخاصة بالتسوية في الشرق الأوسط وتطبيق قرارات هيئة الأمم المتحدة ذات الصلة المتعارف عليها بالقضية الفلسطينية، والعودة إلى حل الدولتين المرفوض إسرائيليا.