عن معالم السياسة الخارجية الأمريكية في عهد (بايدن)

تحقيق المصالح عبر إدراك مصادر القوة ومن ثم تبيان الأهداف في العالم، هو المبدأ الذي تنطلق منه السياسة الخارجية الأمريكية. لذا، من الصعوبة تحديد إطار عام لهذه السياسة رغم حجم تأثيرها وفاعليتها على الساحة الدولية ومكانتها في سلم القوى الدولية، مع الإشارة إلى أنه لا تغيير اليوم في ثوابت السياسة الأمريكية. وفي عهد إدارة (جو بايدن) ستعود الدبلوماسية الأمريكية للواجهة، وستكون الأساس الذي ستبنى عليه السياسة الخارجية الأمريكية. وفي أول كلمة له، أعلن الرئيس (بايدن) صراحة، عن سياسته الخارجية كرئيس للولايات المتحدة، مسلطا الضوء على الحاجة إلى إعادة بناء التحالفات الأمريكية واستعادة الدور الأمريكي كزعيمة للعالم، قائلا: “أمريكا عادت. الدبلوماسية عادت”.

ما تسعى إليه إدارة (بايدن) هو محاولة لتجديد صورة الولايات المتحدة في العالم. فهي لن تقبل بأن تصبح أزمة الديمقراطية الأمريكية التي عاشتها طوال أربع سنوات ماضية، وتسببت بإبراز الإنقسام في المجتمع الأمريكي، سمة متأصلة. لذا، سيسارع (بايدن) لإعادة توحيد البلاد، عبر إصلاح المؤسسات الديمقراطية الأمريكية للتغلب على الشرخ العميق الذي حركه عدم المساواة، مما يسهل على الرئيس عودة أمريكا لملء الفراغ الذي تسعى الصين وروسيا لاحتلاله، خاصة في أوروبا مع نجاح الصين وأوروبا في توقيع الاتفاقية الشاملة للاستثمار قبل أسابيع قليلة من تنصيب (بايدن)، حيث رفض الأوروبيون مناشدة مستشار الأمن القومي الأمريكي (جايك سوليفان) التشاور مع الإدارة الأمريكية الجديدة أولا، مع هاجس يؤرق الإدارة الأمريكية من أن العالم لم يعد ينظر إلى الولايات المتحدة كقائد عالمي. ووفقا لمسح لعموم أوروبا أجراه “المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية” مؤخراً، تبين أن “غالبية الأوروبيين كانوا سعداء بانتخاب بايدن ولكن يوجد لديهم شكوك عميقة بقدرة أمريكا على العودة كقائد عالمي”. كما تبين أيضا أن “هناك غالبية تخشى بأن النظام السياسي الأمريكي قد انكسر وبأنه لم يعد بالإمكان الثقة بالأمريكيين بعد انتخابهم لترامب”. وبالإضافة إلى ذلك، وفي 11 بلداً شاركت في المسح، فإن “ستة من كل عشرة مشاركين يعتقدون أن الصين سوف تصبح أقوى من الولايات المتحدة الأمريكية خلال العشر سنوات المقبلة” وعلى الأقل 60% من المشاركين في كل بلد شاركت في المسح يقولون إنه “لم يعد باستطاعتهم الاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية للدفاع عنهم”.

بحسب (ريتشارد هاس) رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية: “أياً كانت الهيئة التي ستتشكل عليها سياسة بايدن الخارجية، فمن الأهمية بمكان أن تكون ثنائية الحزبية وأن تحرص على إشراك الكونغرس كلما أمكن. ويخشى حلفاء الولايات المتحدة أن يعود الأمريكيون بعد أربع سنوات إلى مذهب ترامب، إن لم يكن ترامب ذاته. ويبدو أن الخوف من أن ترامب لم يكن مجرد انحراف أو شذوذ، بل كان انعكاساً لما أصبحت عليه الولايات المتحدة، يساهم في تقويض نفوذ الولايات المتحدة”. وربما هذا هو بالضبط ما عبر عنه (ترامب) قبل أيام في أول ظهور له منذ مغادرته البيت الأبيض حين هاجم (بايدن) في الملتقى السنوي للمحافظين الأمريكيين، قائلا: “الشهر الأول لإدارة بايدن كان الأكثر كارثية لأي رئيس في التاريخ الحديث. إدارة بايدن “خانت” الشعب الأمريكي بقراراتها”، ملمحا إلى أنه قد يترشح إلى الرئاسة مرة أخرى، قائلا: “قد أقرر الفوز عليهم (الديمقراطيين) للمرة الثالثة”.