في ذكرى النكبة: إنا هنا باقون

منذ العام 1998، الذي صادف الذكرى السنوية الـ 50 للنكبة الفلسطينية، تتواصل سنويا “مسيرات العودة” وإحياء ذكرى القرى المهجرة والمدمرة التي تقيمها “جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين في إسرائيل”، حيث يتم كل عام اختيار قرية مدمرة ضمن أراضي فلسطين التاريخية لزيارتها حتى تحولت هذه المسيرات التي تنظم تحت شعار “يوم استقلالكم يوم نكبتنا”، إلى تقليد سنوي يحظى بدعم سياسي وتغطية إعلامية متزايدة تؤكد أصل الحكاية: ملايين اللاجئين الفلسطينيين ما يزالون مشتتين في مخيمات اللاجئين في الوطن والشتات والمهجر، محرومين من ممارسة حقهم الطبيعي في العودة والعيش على أراضيهم وفي قراهم ومدنهم!!! وبالإضافة إلى المسيرة المركزية نحو قرية مختارة، يقوم المشاركون بنشاطات إنشائية أو خدمية طيلة العام في القرى المهجّرة.

في الذكرى الـ 71 للنكبة التي تصادف هذا العام، وقع الاختيار على قرية “خبيزة” المدمرة والمهجرة. ولقد اكتسبت مسيرة هذا العام أهمية إضافية لأنها تأتي في ظل “قانون القومية” الإسرائيلي العنصري الذي يتنكر لوجود الشعب الفلسطيني وحقوقه، وفي مواجهة ما يسمى “صفقة القرن” التي يتوقع أن تدعو صراحة لإلغاء حق العودة وتقرير المصير بل وربما القضية الفلسطينية برمتها.

منذ النكبة، صادرت الدولة الصهيونية أملاك “الغائبين” وأملاك “الحاضرين الغائبين”، بقوانين جائرة وهدمت منازلهم ودمرت قراهم وبلداتهم، ومنعتهم من العودة إلى أراضيهم، فجاءت مسيرات العودة للقرى المهجرة من أجل تكريس الوعي لدى الأجيال الجديدة بتاريخ الأرض والهوية وربطهم بماضيهم وتراثهم وأرضهم، بل وتذكير العالم بمعاناة أجيال من الفلسطينيين المهجرين من أرضهم. واليوم، أصبحت مسيرات العودة معلمًا في الخارطة النضالية لفلسطينيي 48. ومع ذلك، ولتأكيد وحدة الشعب الفلسطيني، ورفضًا لكل مشاريع التجزئة، وتفكيك النسيج الوطني الجامع للشعب الفلسطيني الذي يطالب في كل أماكن تواجده بالعودة إلى كل فلسطين، ترى في هذه المسيرات شعبا موحدا بكل راياته يشارك من أجل ترسيخ حق العودة.

يتجلى هدف هذه المسيرات في نقل رسالة واضحة إلى الدولة الصهيونية وهي أن الكبار يموتون حقا، لكن أن ينسى الصغار فهذا مستحيل. فصغار اليوم من الفلسطينيين، هم أبناء جيل من الشباب، وهؤلاء بدورهم أبناء جيل سبقهم. فلا أبناء هذا الجيل نسوا، ولا أبناء ذاك. إنهم لم ينسوا بل هم يشاركون بالآلاف في المسيرات ليروا بأم أعينهم قراهم المهجرة وبيوت أجدادهم فيؤمنون أكثر بحتمية وأحقية العودة. نعم، لقد أضحت هذه المسيرات حدثا تربويا تثقيفيا توعويا للأجيال الناشئة للتمسك بفلسطين وطنًا وقضية، فتتحقق مقولة توفيق زياد “ونصنع الأطفال.. جيلا ثائرا.. وراء جيل.. كأننا عشرون مستحيل… إنا هنا باقون”.