تباينات في التوجهات الإسرائيلية نحو قطاع غزة
الأزمة في قطاع غزة ليست اقتصادية فحسب، بل هي أزمة سياسية أيضا. لذا، منذ انتهاء حرب 2014 على القطاع، لم تخرج خطط إعادة تأهيله لحيز التنفيذ. بل إن حكومة الدولة الصهيونية ما تزال تراوح في مكانها: الحل العسكري هو الحل، ولا حل غيره! وفي هذا السياق جاءت تهديدات وزير الأمن الإسرائيلي (أفيغدور ليبرمان) بـ”تصفية الحساب” مع حركتي حماس والجهاد الإسلامي. وقال: “إسرائيل ستعمل بما يتناسب مع مصلحتها في التوقيت المريح لها، فنحن لم نعتد إبقاء أي حساب مفتوحا”. كما هدد وزير الأمن الداخلي (جلعاد أردان) باغتيال قادة حركة حماس والفصائل الفلسطينية في القطاع.
ولأن المؤسسة الإسرائيلية تعيش راهنا حالة تخبط بكل ما يتعلق بحسم ملف قطاع غزة عسكريا، انقسمت الآراء لدى كتاب إسرائيليين بارزين ما بين خسارة حركة حماس لمعركة مسيرات العودة ووصولها إلى طريق مسدود، وبين الآراء التي تشير إلى أن المسيرات قد نجحت وتداعياتها تمهد لمواجهة شاملة. ومثل هذا التباين ظهر في تقديرات محللين عسكريين وسياسيين إسرائيليين حيال التعامل مع غزة ومشاريع إعادة إعمار القطاع والموقف المستقبلي من حكم حماس له، وسبل مواجهة التصعيد. وفي السياق، من الأمثلة البارزة ضمن مجموعة الكتاب، التي قدمت النصح إلى الحكومة الإسرائيلية التي تعتاش على موائد الحلول العسكرية والأمنية ما قاله محلل الشؤون العسكرية في صحيفة “يديعوت أحرونوت” (أليكس فيشمان) حيث تطرق إلى الخلافات بوجهات النظر بين القادة بإسرائيل حيال التعامل مع قطاع غزة ومشاريع إعادة الإعمار. بل إن (فيشمان) قدم النصائح للمجلس الوزاري الأمني المصغر “الكابينيت” بحال أراد حسم ملف غزة موضحا: “إذا أراد الجيش تغيير الوضع المتوتر القائم على السياج الأمني، سيتعين على الحكومة اتخاذ بعض القرارات: أولا، قبول توصية الجيش الإسرائيلي بتخفيف الحصار للسماح لحماس بتقديم إنجاز، على سبيل المثال، من خلال السماح للجيش بإحضار آلاف العمال من قطاع غزة للعمل في البلاد”. ورغم ذلك، وفي اجتماع الأحد الماضي، فشل “الكابينيت” الإسرائيلي في الاتفاق على بعض هذه التسهيلات التي قد تُقدم لقطاع غزة وعلى رأسها إنشاء محطة لتحلية المياه، إنشاء خط جديد للتيار الكهربائي بهدف مضاعفة كمية الكهرباء لقطاع غزة، مد خط أنابيب للغاز الطبيعي من إسرائيل إلى غزة، إقامة منشأة الصرف الصحي وموقع لجمع النفايات، إضافة إلى تطوير منطقة بيت حانون “إيرز” الصناعية، وغير ذلك.
كذلك يعتقد المحلل العسكري في “هآرتس” (عاموس هرئيل) أن الهدوء النسبي السائد منذ انتهاء حرب 2014 قد تبدد وانتهى: “ستواصل حماس التظاهرات في الصيف. لدى الحركة مزيج جديد من الوسائل: المظاهرات التي تذهب للمواجهة، والمفرقعات النارية والصواريخ في بعض الأحيان، للحفاظ على نار المقاومة”. ومن جانبه، يقول محلل الشؤون العربية في “هآرتس” (تسفي بارئيل): “التمييز الذي تقوم به إسرائيل في السنوات الاخيرة بين حماس والتنظيمات الأخرى، مثل الجهاد الاسلامي والتنظيمات السلفية، وسياسة القاء المسؤولية الشاملة على حماس، يخلق هرمية حكم، تضع حماس في مكانة الحكومة المعترف بها، والتي معها فقط إسرائيل مستعدة لعقد صفقات”، مثل تبادل الأسرى والتهدئة وغيرها. ويضيف: “اعادة اعمار غزة لن تتم بدون مشاركة حماس، والتسهيلات التي يطلب الجيش الإسرائيلي تقديمها للسكان هناك لا يمكنها أن تكون منفصلة عن موافقة حماس. هي الآن الخيار الوحيد للسيطرة على السجن الخطير في قطاع غزة. من يريد اسقاط حماس عليه أن يذكر لنا بالتفصيل ما الذي يقترحه بدلا منها”. أما الكاتب (شاؤول هارئيلي) فيرى إن “وقف اطلاق النار الاخير عزز موقف حماس كعنوان لقطاع غزة سواء في نظر إسرائيل ومصر، اللتان لم تسعيا إلى “تبييض” التفاهمات بواسطة السلطة الفلسطينية. طالما ان إسرائيل تعمل على الحفاظ على الجمود السياسي وقضم ما بقي من صلاحيات م.ت.ف، لن يكون بعيدا اليوم الذي ستتحول فيه مطامح رئيس حماس السابق خالد مشعل، إلى الواقع الصعب غير القابل للتسامح المطلوب من إسرائيل التعامل معه”. من جانبه، يقول (ناحوم برنياع): “خطر اندلاع حرب في القطاع بات أكبر من أي وقت مضى رغم إن هناك فرصا جديدةً للتوصل الى تسوية، فقيادة حماس في ضائقة وتخوض معركة من أجل البقاء، والمناخ مهيأ لتنازلات مقابل تغيير الواقع. وهذا يحتاج الى قرارات استراتيجية بدلا من الانزلاق إلى المنحدر والدخول في دوامة التصعيد”.
لقد تصاعدت حدّة الانتقادات الموجهة إلى إسرائيل في أنحاء العالم. وأكد الرئيس الفرنسي (إيمانويل ماكرون) خلال مؤتمر صحفي مع (بنيامين نتنياهو) أنه يجب إيجاد حل للأزمة الإنسانية في قطاع غزة، فيما أعلن الإتحاد الأوروبي عن رصد مبالغ لتحسين الوضع الاقتصادي في القطاع، إضافة الى وعود مصرية بتحسين الوضع الإنساني عبر فتح معبر رفح وتزويد القطاع بالكهرباء، دون أن نتجاهل أن هذه التجارب لطالما ثبت فشلها، ولن يكون آخرها تجربة مؤتمر المانحين في القاهرة بعد عدوان 2014، حيث أعلن عن جمع خمسة مليارات دولار، فيما لم توف العديد من الاطراف بالتزاماتها. لذلك كله، على جميع الأطراف التزام الحذر إزاء تكتكات “القنبلة الموقوتة” المتجسدة في حالة قطاع غزة المنذرة بالانفجار الكبير.