شكل “رقمي” رفيع من “الخطاب التراسلي” المتبادل بين الدكتور أسعد عبد الرحمن والأيقونة غادة السمان يعيد لهذا “الفن” بعضا من ألقه!

شكل “رقمي” رفيع من “الخطاب التراسلي” المتبادل بين الدكتور أسعد عبد الرحمن والأيقونة غادة السمان يعيد لهذا “الفن” بعضا من ألقه!

يعد فن الرسائل من أبرز الفنون النثرية القديمة، عرف في أدبنا العربي بأسماء عديدة مثل: الرسائل الديوانية، والرسائل الإخوانية، والرسائل القصصية، والرسائل الأدبية، وغيرها من المسميات الأخرى.

وعلى الرغم من اختلاف ال ّنقاد في تحديد الجنس الأدبي الذي ينتمي إليه “فن الرسائل” وسماته وحدوده، إ ّل أ ّن هناك قناعة لدى الكثير منهم بقيمته الأدبية.
نجد أدناه شكلا رقميا رفيعا من خطاب تراسلي متبادل بين الأستاذ الدكتور اسعد عبد الرحمن عضو مجلس الأمناء/ الرئيس التنفيذي لـ “مؤسسة فلسطين الدولية” والأيقونة غادة السمان، ربما يكون قد أعاد لهذا “الفن” بعضا من القه واسلوبه الرصين، وخصائصه الفنية، وحقق للقارئ المتعة والفائدة في آن معا.

تساؤل “غادة” الأول جاء عبر صحيفة وموقع “القدس العربي” اللندنية الإلكتروني:

أين المبدعة الفلسطينية في جوائز «مؤسسة فلسطين الدولية»؟

غادة السمان
Oct 21, 2017

خبر فلسطيني جميل طالعته حول إعلان د. أسعد عبد الرحمن «الرئيس التنفيذي لمؤسسة فلسطين الدولية» فتح باب الترشيح للجوائز في دورتها السابعة حيث تحمل الجوائز الست أسماء رواد منهم غسان نفاني للأدب، محمود درويش للشعر وسواهما في حقول أخرى… وذلك رائع يدخل في باب «المقاومة» الثقافية، ولكن لفتني أن الجوائز كلها تحمل أسماء مبدعين من (الذكور) وبالتالي غياب أي اسم (نسائي) مبدع في الجوائز، كجائزة الرائدة سميرة عزام في القصة القصيرة مثلا أصدرت سبع مجموعات قصصية ـ كما اسم فدوى طوقان مثلا ـ وكان محمود درويش قد اعترف (بأمومتها) الأدبية والريادية كما كان سان كنفاني قد قال شيئا مشابها عن الرائدة القصصية عزام.

لا أخط هذه السطور كنسوية غاضبة لحرمان مبدعة فلسطينية من جائزة توهب باسمها فأنا لست (شوفينية) ومطلبي ليس «نسويا بل «إبداعيا» وأخص اليوم بالذكر في اقتراحي هذا سميرة عزام وفدوى وقان، لإبداعهما والدور الذي لعبتاه في رفد نهر الأدب العربي بالعطاء.

المنسية الكبيرة الفلسطينية سميرة عزام

أبدأ بسميرة ع ازم ولا أدري لَِم يغطي غبار النسيان هذا الاسم الكبير ربما لقصر عمر صاحبته البيولوجي (ولدت عام 7291ورحلت في الأربعين من العمر. وبالذات في 8ـ8ـ 7291أي بعد الهزيمة بشهرين بسكتة قلبية كأن قلبها لم يتحمل عار الهزيمة. عمرها قصير، لكنها تركت أثرا كبيرا في مجرى نهر أدبنا العربي. وبالذات في حقل الالتزام بقضية فلسطين، وفي حقل الكتابة المختلفة وذلك عن الإنسان الكادح لفلسطيني المشرد، برغم من موجة طاغية حملتها كتب مثل (أنا أحيا ـ ليلى بعلبكي) و(أيام معه ـ كوليت خوري) ولم تكن سميرة ضد (أحد) ولكنها كانت مع صدقها الأدبي الهادئ وجسدت روح المقاومة في حياتها تفاصيلها
كلها.. وفي أدبها، وأبدعت.

ولم تخلع نوافذها أساليب الكتابة المختلفة (الجديدة) بل ظلت تكتب على طريقتها ولم ينقصها التمرد فقد كانت متمردة على الاحتلال الإسرائيلي وهي التي اضطرت لمغادرة وطنها بعد (النكبة) وعمرها 97سنة أي في مطلع الشباب. وكتبت ما يأتي من قلبها حول فلسطين والكادحين والمشردين مثلها.

كانت تكتب بإنسانيتها لا بأنوثتها

ولدت سميرة في عكا ودرست أيضا في حيفا وعملت معلمة وعمرها 79سنة ونشرت مقالات في جريدة «فلسطين» ثم اضطرت للنزوح مع أسرتها إلى لبنان 7298إثر النكبة وعملت في العراق وقبرص. وكانت من لأوائل الذين عملوا على إطلاق إذاعة فلسطين.

في أبجديتها نلتقي بالكادحين والمشردين والبشر العاديين وكانت بذلك ـ كما ذكر ُت ـ مختلفة جدا عن التيار الذي اكتسح يومها ما تكتبه المرأة (الجديدة) المبدعة من دون أن يقال إنه إبداع بل يتجاوزه أحيانا بساطة ودونما محاولة تقليد أو مناكدة.
سميرة استحقت في زمنـــها التقـدير الذي غمرها به الكثير من النقاد العرب وأذكر بحنين الحفاوة التي أحاطت بها من قبل أدباء سوريا يوم جاءت في زيارة إلى مكرمة دمشق وحلّت في بيتي ضيفة .. وكانت زيارتها لدمشق حدثا أدبيا.عملت سميرة أيضا في حقل الترجمة في مؤسسة «فرانكلين» برفقة د.إحسان عباس ود.محمد نجم ومروان الجابري، وترجمت عيون الأدب الأمريكي والإنكليزي.

علمت برحيل سميرة عزام حين كنت أدرس وأعمل في لندن ولن أنسى ذهبت إلى (البي بي سي) في (بوش هاوس) ستراند لندن حيث عملت أيضا (دونما التزام) والتقيت أمام باب المصعد الأستاذين حسن الكرمي وسعيد العيسى وفي عيني كل منهما جنازة وذكرا لي نبأ وفاتها ولم يخطر ببالهما أن ذلك سيكسر قلبي حزنا وافتقادا… وأمامي الآن صورتنا الوحيدة معا سميرة وأنا، رفقة الفنانة الكبيرة فيروز في إحدى لمناسبات ولو لم يبعث بها لي المفكر الفلسطيني صقر أبو فخر كنز محبة لما، اطلعت عليها، سميرة تستحق جائزة باسمها لإعادة إبداعها إلى الذاكرة الفلسطينية، وحياتها بحد ذاتها نموذج للمقاومة لفلسطينية.

المبدعة الفلسطينية الأخرى طوقان

أغرمت بإبداع فدوى طوقان وتأثرت أدبيا بغنائيتها المدهشة العفوية… وفدوى نموذج آخر للروح الفلسطينية المتمردة. ولم أخف يوما إعجابي بها ومرة كنت في زيارة للمخرج الكبير شريف العلمي والصديقة زوجته والتقيت عندهما بشاب بالغ التهذيب يعمل في السلك الدبلوماسي اسمه وائل طوقان وسألته: هل هو قريب لفدوى طوقان. وقال إنها عمته! والتقيته بعد ذلك بفترة وقد حمل لي صورة له مع عمته فدوى هي مهداة لي بالاسم بها ونشرتها فدوى في أحد دواوينها مع إهداء علّني لي على صفحات كتا .. ولكن فدوى طوقان نالت في حياتها تكريما تستحقه حيث كرمها «معهد العالم العربي» في باريس كما حازت جائزة عربية أدبية رفيعة، لا كالمنسية سميرة عزام. وكل ما كتبته اليوم هو لفت نظر لا أكثر، وبكل تقدير ومحبة.

ليأتي رد الدكتور أسعد عبد الرحمن الودي إلى الأديبة غادة السمان: (موضحا ومتمنيا) لسوريا لفلسطين ولها الحياة والصحة والفرح، بدفء القلب الفلسطيني كله، وبقوة حجته كلها!

أسعد عبد الرحمن
Oct 26, 2017

لأنني أعرفك جيدا (من أيام عملي مع الحبيب غسان كنفاني في صحيفة «المحرر») فأنت بالتأكيد لست «شوفينية»، ونداؤك النبيل ومطلبك العادل في ـوجوب حمل «جوائز فلسطين الثقافية» لأسماء مبدعات فلسطينيات، وتذكيرك لنا بإبداع سميرة عزام- يعد مطلبا «إبداعيا» خالصا وليس «نسويا»، وذاكرة الزمن الإنساني وأنا أول الفرحين به. وكنا قد عملنا، ونعمل دائبين عليه؛ من خلال تسليط الضوء على المكانة الفنية والأدبية للمبدعين الفلسطينيين والمبدعات الفلسطينيات، الذين تحمل الجوائز أسماءهم دوريا؛ وصولا للحفاظ والإبقاء على فلسطين حاضرة في الوجدان الإنساني، من خلال حث وتشجيع كل ما يساهم
بنشر ثقافة الصمود والمقاومة والتحرير والعودة. فأنت إحدى أميرات الكتابة التي قضا ومنها لطالما ُعرف قلمها بالج أرة ومداواته لقضايا الإنسان كافة يا المرأة ونهضتها.

الصديقة الغالية سميرة عزام ليست منسية، فمنذ عرفتها عن قرب حفرت صورتها في ذهني: أديبة ومناضلة وكاتبة وقاصة واعلامية مخلصة لقضيتها الوطنية العادلة وهمها الفلسطيني، ولكم رافقتنا في حنيننا وبؤسنا وغضبنا وثورتنا وأملنا، واستحقت الدخول إلى ذاكرة الوطن – تلك التي لا تعرف النسيان. وكيف أنساها وهي صديقة أثيرة لي، وكان لنا (مع آخرين على رأسهم غسان كنفاني وشفيق الحوت) جلسات عديدة في بيروت اعتبارا من عام ،7299وقد زاد من قوةعلاقتنا أن منشأها الفلسطيني في عكا وحيفا هو منشئي نفسه. وبالتالي كان بيننا – عدا الهم العربي والفلسطيني – الكثير من الأمور المشتركة والخاصة، وهي جديرة بكل ما سطره قلمك. ودورها كبير في رفد نهر الأدب العربي بإشراقاتها وابداعاتها، وتنبؤاتها اللافتة، التي منها بالطبع: استشرافها لمستقبلك الباهر وبدايتك القوية حقا، في إحدى رسائلها إلى الأديبة ألفة الإدلبي، حين كنت لا تزالين في بداية مشوارك الأدبي، حين كتبت لها قائلة: (قرأت قصة بعنوان «رجل في الزقاق» لفتت نظري حقا.. لفتاة سورية تُدعى غادة السمان، يهمني أن تطلّعي عليها، فإذا كانت هذه هي بداية الفتاة، فثقي بأنها بداية قوية حقا.)

في «مؤسسة فلسطين الدولية»، ارتأت اللجنة الخاصة المسؤولة عن جائزة غسان كنفاني، وهي لجنة أعضاؤها جميعا من المشهود لهم في المشهد الثقافي العربي، أن يكون موضوع هذا العام القصة القصيرة، فيما كان موضوع جائزة غسانكنفاني العام الماضي في الرواية، لكن سنقدم إلى اللجنة المركزية المشرفة على جوائز فلسطين الثقافية في «المؤسسة» اقتراحا بالتناوب بين غسان كنفاني وسميرة عزام، سواء في القصة القصيرة أو غيرها من القضايا الملتزمة أسوة بما فعلناه في جائزة الشعر. أما بالنسبة للصديقة الحبيبة الشاعرة فدوى طوقان، فقد حملت جائزة الشعر الدورة الماضية ( )9171-9179اسم «جائزة الشعر ـ دورة فدوى طوقان»، إضافة إلى كون اسم جائزة الشعر في الدورات الثلاث الأولى والثانية والثالثة «جائزة فدوى طوقان للشعر»، واليوم باتت الجائزة دوارة بين فدوى طوقان وسميح القاسم ومعين بسيسو، وفي هذا العام محمود درويش، وذلك لكثرة المبدعين الشعراء الفلسطينيين بحمد الله.

كما تعاملنا مع جائزة الشعر، يمكن أن نتعامل مع الجوائز الأخرى كذلك.

فالمبدعون الفلسطينيون كثر ويستحق كل منهم جائزة تحمل اسمه، بدون أي تمييز «نسوي» أو «جهوي» أو «فصائلي» ـ كما جاء في أحد التعليقات على مقالك في «القدس العربي» حول كون سميرة عزام ليست من «سدنة المعبد»، فإذا كانغسان كنفاني ينتمي للجبهة الشعبية، فإن فدوى طوقان ليست كذلك، وانما كانت قرب إلى «فتح»، وكان الشاعر معين بسيسو ينتمي للحزب الشيوعي ولم يكن الفنان جمال بدران ضمن هذه التقسيمات السياسية، وقس على ذلك مع ابني فلسطين والأمة العربية، بل والعالم بأسره: ناجي العلي، ووليد الخطيب.

ودمت يا ابنة الشام وفية للإبداع.

….. ولتشيد الأديبة الكبيرة في مقال آخر ب: جمالية لحوار الوّدي مع الدكتور معترفة بتفسيره المحق

غادة السمان
Dec 02, 2017

من جديــــد أعود لألتقي القّارء الذين تتواصل دورتهم الدموية الأبجدية مع كاتب/كاتبة مقـــال طالعوه. وقبل ذلك، أشعر أنني مدينة بوقفة مع صاحب منصب رفيع، لكنه لا يخاطب رفاق الكلمة من عٍل، بل يجيب بمودة واحت ارم عن بعض انتقاداتهم.

د. أسعد عبدالرحمن: تفسير محق

من النادر أن تكتب منتقدا كما فعلت في مقالي بـ «القدس العربي» «أين المبدعة الفلسطينية في جوائز مؤسسة فلسطين الّدولية» ويأتيك الرد وّديا حاملا معلومات َغِفْل َت عنها في مقالِك، فقد اعتدنا أن يجد كبار المسؤولين العرب في أي تساؤل حول ما يدور تطاولا، ولذا َسّرني حقا أن «الرئيس التنفيذي لمؤسسة فلسطين الّدولية» د. أسعد عبد الرحمن رّد على مقالي بدفء القلب الفلسطيني كله، وبقوة حجته كلها، قائلا إن جائزة الشعر في الدورة الماضية ( 9179ـ )9171حملت اسم فدوى طوقان، وكنت أجهل ذلك، ولذا طالبت به، وان اقت ارحا تم تقديمه للتناوب في جائزة القصة القصيرة بين سميرة عزام وغسان كنفاني، وهو خبر أثلج قلبي لإعادة إبداع سميرة إلى الذاكرة العربية. سميرة وفدوى صّبتا في َنهَر الأدبالعربي َدْفقَة استثنائية من الحيوية الإبداعية والانتماء. أما فدوى طوقان التي أُغِرمت وأنا طالبة م ارهقة بإبداعها في «وحدتي مع الأيام» فقد هزني أنها أهدتني في أحد دواوينها قصيدة.

وشك ار للقّارء الذين زودوني بمعلومات نقدية عن سميرة ع ازم. أعترف أنني لم أكن قد اطّلعت عليها، كما جاء في رسالة من بولنوار قويدر والكروي داوود وابن فلسطين في الأرض المحتلة رؤوف بدران وأسامة كلية (سوريا ـ ألمانيا) و«ابن النكبة العائد إلى يافا» ـ لاجئ فلسطيني ـ وغاندي حنا ناصر ـ كوريا الجنوبية ـ

سيول ـ الفلسطيني في المنفى ـ وأفانين كبه ـ التشكيلية العراقية ـ مونتريال ـ وعمرو ـ سلطنة عمان الذي (كأفانين) يختزن معلومات عن أبجديتي تدهشني بصدق ذاكرتها وتحرج نسياني حتى لبعض ما سبق أن كتبته