أمين شقير: “عين” على فلسطين وأخرى على العراق و”قلب” نابض بالعروبة!
ولد الصديق الغالي، والمناضل الديمقراطي، والنقابي الملتزم، والقلب النابض بالعروبة، والمدافع الشرس عن حرية الانسان وكرامته، المفكر القومي والاقتصادي الصيدلاني (أمين شقير – أبو سامر) في عمان عام 1925. وكان قد درس الابتدائية والمتوسطة في مدارس عمان، والثانوية في مدرسة السلط، ثم التحق بكلية الصيدلة في جامعة دمشق، وكان من أوائل الأردنيين الذين انتموا لحزب البعث العربي الإشتراكي منذ بداياته، حيث كان رابع الأردنيين المشاركين في المؤتمر التأسيسي للحزب الذي عُقد في نيسان 1947 في مقهى الرشيد في العاصمة السورية – دمشق.
بعد عودتي إلى الأردن من الكويت في العام 1983 لتعزيز تأسيس وتطوير “مؤسسة عبد الحميد شومان”، كان طبيعيا أن أوطد/ أقيم الصلات مع جميع القيادات السياسية والثقافية، وبالذات القيادات المعارضة في المملكة ومنها على سبيل المثال لا الحصر (مع حفظ الألقاب): حمد الفرحان، بهجت أبو غربية، عبد الرحمن شقير، إبراهيم بكر، فارس النابلسي، سليمان الحديد، ممدوح العبادي، طاهر العدوان، محمد داوودية، مازن الساكت، وليد عبد الهادي، سليم الزعبي، حمدي مطر، سمير حباشنة، جمال الشاعر، سعدي دبور وطبعا أمين شقير (وغيرهم عديدون). وكانت لنا “منتديات” أسبوعية تقام في البيوت، متقاطعة أو متوازية، من أبرزها منازل: إبراهيم بكر، وأمين شقير، وسعدي دبور، وجمال الشاعر. وكان لكل من هذه المنازل نكهته السياسية، ورواده المتميزون. وفي السياق، تكاثرت اللقاءات الثنائية الممتدة مع الأستاذ أمين شقير، وتوطدت الصداقة الشخصية والعائلية بيننا، وبخاصة في منزله: الكريم بأهله، الشامي التصميم والمعمار؛ مما أضفى على التفاعلات/ النقاشات أجواء عروبية دافئة وحميمية.
عاد المرحوم أمين شقير إلى عمان عام (النكبة)، فعمل مع بعض رفاقه على تأسيس فرع لحزب البعث في الأردن عام 1949، واختير أول أمين قطري للحزب من خارج سوريا، وعمل مع رواد قوميين، منهم: عبد الله الريماوي وعبدالله نعواس وبهجت أبو غربية (وآخرون). بل إن (إبي سامر) كان المسؤول الحزبي عن الدكتور منيف الرزاز (الذي أصبح أمينا عاما لحزب البعث العربي الإشتراكي لاحقا) وذلك في حلقته الحزبية التي ضمت 4 أعضاء. وكان الصديق الأمين (أمين شقير) قد افتتح صيدليته (الحياة) عام 1953 وسط البلدة القديمة في العاصمة الأردنية، وساهم بتأسيس (نقابة الصيادلة) في الأردن عام 1957 وانتخب أول نقيب لها، ولعدة دورات متتالية. كما انتخب رئيسا لاتحاد الصيادلة العرب. ولقد اعتقل، في مرحلة الأحكام العرفية، في معتقل “الجفر”، كما فرضت عليه مرارا الإقامة الجبرية، لكنه ظل متمسكاً بمواقفه القومية وأفكاره وقناعاته إلى حين وفاته في الثاني من آب/ أغسطس 2004 عن عمر ناهز الـ 79 عاما، بعد أن قهره المرض وحد من نشاطه العام، في وقت كنا أحوج ما نكون إلى أفكاره وقناعاته ومُثُله الراقية، والتزامه الواثق بأرضه وشعبه وقضايا أمته وتراثه العربي، إثر ما غشي أمتنا ما غشيها من الظلم والقهر والجمود، وبعد ما تنكر لنا الزمان، وقست علينا الأيام، وعصفت بنا رياح الإنقسام، وضاقت علينا الأرض بما رحُبت.
ويعد “أبو سامر” –وكنا سويا- من الناشطين في مجال حقوق الإنسان، حيث اختير المرحوم أول رئيس (للمنظمة العربية لحقوق الإنسان) في الأردن، بعد أن ساهم في تأسيسها، وكان –رحمه الله- عنواناً سياسياً بارزاً في سماء النضال القومي. ولاحقا، اختير عام 1978 عضواً في “المجلس الوطني الاستشاري” لـ 3 دورات متتالية كان فيها صوته “واضحا” ومدويا. وبعد إنهاء مرحلة الأحكام العرفية في الأردن وانتخابات البرلمان الـ 11، تم اختياره عضواً في (مجلس الأعيان)، وظل جزءاً من السلطة التشريعية حتى عام 1993، وحصل على وسام الاستقلال من الدرجة الأولى.
لقد أسس المرحوم أمين شقير “مستودع الأدوية العربي” عام 1948، ثم لاحقا أسس مع زملاء له “الشركة العربية لصناعة الأدوية” في في بداية الستينيات، وبعدها مستودع الأدوية العربية في الأردن، وساهم في تأسيس عدة شركات تأمين شكلت واحدة من دعامات الأردن الاقتصادية. وللمرحوم “أبي سامر” مقالات ودراسات وأبحاث سياسية وفكرية، وكان قد شارك في عدة منظمات ومؤتمرات عربية، وبذل من جهده ووقته وماله الكثير في سبيل الدفاع عن القضايا العربية، وبالخصوص القضيتين “الفلسطينية” و”العراقية” اللتين ظل مسكونا بهما –إلى حين وفاته-، مثلما بقي مشرعا أبوابه، في منزله العامر، لكافة ألوان الطيف السياسي والحزبي الأردني والعربي من نقابيين وحزبيين وسياسيين ومثقفين وحتى مسؤولين.
رحم الله أبا سامر، وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر، وما أحرانا أن نسير على هداه!