فلسطينيو 48 وتنامي المحاولات الإنتقامية الإسرائيلية
من ضمن ما قيل في انتقاد رئيس الحكومة الإسرائيلية (بنيامين نتنياهو) بخصوص “معركة المسجد الأقصى” في القدس: “جثت إسرائيل على ركبتيها، وأعلنت خضوعها الكامل مما يعني أن زعماءها الضعفاء ساهموا في التشكيك بأحقية اليهود في الأماكن المقدسة، وبقائهم في هذه البلاد… والمشاعر التي تعم ملايين اليهود في إسرائيل والعالم تفيض بالذل والإهانة بسبب ما شهدته في الحرم القدسي عقب إزالة البوابات الإلكترونية”، وهي كلمات للكاتب الإسرائيلي (بوعاز شافيرا). وفي ظل التخبط والوضع الحرج الذي تعيشه اليوم حكومة اليمين المتطرف بزعامة (نتياهو) وتزايد الاتهامات له بالفساد، ها نحن نرى الحكومة ترتبك وتعود، مرة إضافية، للإنتقام من فلسطينيي 48 بحجة دورهم البارز في أحداث الأقصى، فالتطرف المتصاعد في المجتمع الإسرائيلي “يقتضي” ذلك.
في السياق، نفذ جهاز المخابرات الإسرائيلية عددا من الاعتقالات في صفوف ناشطين مسلمين ومسيحيين على حد سواء في مختلف مدن الضفة الغربية وشملت فلسطينيي 48، ممن شاركوا في هبة الدفاع عن “الأقصى”، فلقد تم تمديد اعتقال الشيخ (رائد صلاح) الذي نسبت له شبهات من ضمنها “التحريض على العنف والعنصرية”، و”العضوية في منظمة إرهابية” و”القيام بأعمال لصالح منظمة إرهابية”، بدعوى أنه، وبحسب قول ممثل الشرطة في جلسة المحكمة للقاضي، إن “المعتقل رائد صلاح قال في جنازة الشبان من أم الفحم: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون)”!!! كما شملت التضييقات المسيحيين أيضا، حيث قامت أوساط شرطية في إسرائيل بالتحريض على المطران (عطا الله حنا) المعروف بوقفته في قضية الأقصى وغيرها.
اليوم، تحاول الحكومة الإسرائيلية توظيف عملية القدس التي نفذها ثلاثة شبان من مدينة أم الفحم (داخل ما يسمى “الخط الأخضر”) وكذلك مشاركة فلسطينيي 48 في أحداث الأقصى لزيادة التحريض ضدهم، حيث تصاعدت عمليات الدهم والاعتقالات فضلا عن المخاوف من تسريع سلسلة من المخططات التوسعية والتهويدية، وبالذات جرائم الاقتلاع وتدمير البيوت العربية، والاستمرار في الحرمان من الموارد والميزانيات، والحقوق الوطنية وانتهاز الفرصة من أجل تمرير قوانين عنصرية و”الدولة القومية” لتكريس يهودية الدولة، وإسكات الآذان بالمساجد، وهذه كلها مخاوف عبرت عنها “لجنة المتابعة العليا العربية” الفلسطينية في أراضي 48.
فور انتهاء أحداث الأقصى الأخيرة، كشف التقرير الجديد من مشروع “الرصد السياسي في إسرائيل”، تجليات العنصرية الاسرائيلية تجاه فلسطينيي 48، والتي انعكست في الممارسات السياسية والقانونية وفي الخطاب الإعلامي والجماهيري والعنف الفعلي الموجه ضدهم. ورصد التقرير الجديد ثلاثة أبواب رئيسية: الأول “السياسات العنصرية ويندرج ضمنه مستويان: مستوى سياسات التضييق في المكان وضبط الحيز ومساعي شرعنة السيطرة على الأرض بأثر رجعي في النقب، إضافة إلى الاستمرار في سياسات الهدم التي تستهدف حصرياً العرب”. ويرصد الباب الثاني “تجليات العنصرية عبر سياسات التحكم بالحيز الثقافي والخطاب السياسي بما يتواءم مع خطاب اليمين، وتندرج ضمنه “سياسة اشتراط تمويل النشاط الثقافي بالولاء” التي تنتهجها وزيرة الثقافة الإسرائيلية (ميري ريغيف)، علاوة على الوقوف على تجليات العنصرية المباشرة عبر العنف الممارس ضد الفلسطينيين سواء العنف الجسدي أو عبر الخطاب العام العنصري والممارسات العنصرية في المؤسسات العامة”. هنا، ويتابع الباب الثالث والأخير “التشريعات (الإسرائيلية) العنصرية وتطبيقها”. كذلك، في سياق التوجهات والممارسات العنصرية، أظهر بحث إسرائيلي حديث ارتفاعا حادا في وصف الإسرائيليين للعرب، “بالحيوانات”، وخاصة من جانب مسؤولين من حكومة الاحتلال. وحسب معد البحث، الدكتور (دورون شولتسينر) من بجامعة تل أبيب، فإن هذه الأوصاف العنصرية قد “ارتفعت بأكثر من أربعة أضعاف في السنوات السبع الأخيرة، وبشكل خاص في ظل حكومة نتنياهو الحالية”.
في إسرائيل، أي في ظل أكثر الأنظمة عنصرية القائمة في عالمنا الراهن، تظهر عشرات القوانين التي تهدف إلى التطهير العرقي وما يواكبه من أنواع “التطهير الثقافي” من خلال انتزاع الهوية الوطنية لفلسطينيي 48، وإجبارهم على “التعهد بالإخلاص” لدولة “إسرائيل” كدولة “يهودية صهيونية ديمقراطية”!!! وما يزال الكنيست الإسرائيلي يستأنف عملية سن القوانين العنصرية الموجهة بالأساس ضد فلسطينيي 48 (والتي بلغ عددها 25 قانونا عنصريا بالقراءة النهائية، إضافة الى 15 قانونا في مرحلة التشريع، علاوة على ما هو مطروح على جدول أعماله من مشاريع قوانين بلغت 136 قانونا)، وهذا كله جزء من سلسلة إجراءات عمدت إليها الحكومات الإسرائيلية منذ عام 1948 لطبع أرض فلسطين بهوية يهودية، وهو ما يواجهه فلسطينيو 48 – دوما – بالمقاومة الباسلة حيث لا تخشى الكف من طعن المخرز!.