جوهر معركة الأسرى الفلسطينيين والأدوار الفلسطينية والعربية والدولية
لطالما لجأ الاحتلال الإسرائيلي إلى سياسة الاعتقال باعتبارها أداة قهر في محاولاته اقتلاع الإنسان الفلسطيني من أرضه وتفكيك مقاومته والحد من إرادته. لكن الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال ما زالوا مصرين على تحقيق مطالبهم المشروعة، وعلى رأسها استعادة الزيارات المقطوعة وانتظامها، وإنهاء سياسة الإهمال الطبي، وإنهاء سياسة العزل، وإنهاء سياسة الاعتقال الإداري، والسماح بإدخال الكتب والصحف والقنوات الفضائية، إضافة إلى مطالب حياتية أخرى. في السياق، أوضح الأمر سياسيا الأسير والقيادي في حركة فتح مروان البرغوثي في مقال له نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”، متهما إسرائيل بـ”الفصل العنصري” شارحا أسباب الإضراب الجماعي عن الطعام الذي يقوده، معتبرا أن المحاكم الإسرائيلية هي مجرد “تمثيلية عدالة زائفة” و”أدوات بيد الإحتلال”. وقال البرغوثي في مقاله “المحاكم الإسرائيلية هي مجرد أدوات مسيّسة في يد الاحتلال الاستعماري والعسكري تهدف إلى القضاء على التطلعات الفلسطينية بالحرية والإستقلال، وليست بنظام عدالة محايد في دولة ديمقراطية يُعاقب من أدينوا بارتكاب جرائم”. وأضاف: “عقود من الخبرة أثبتت أن نظام إسرائيل غير الإنساني من الإحتلال الإستعماري والعسكري يهدف إلى كسر روح الأسرى والأمة التي ينتمون إليها، من خلال إلحاق المعاناة بأجسادهم، وفصلهم عن عائلاتهم ومجتمعاتهم، واستخدام تدابير مهينة لإخضاعهم. وهم يعانون من التعذيب والإهمال الطبي”.
معروف أن من يتحدث عنهم البرغوثي ليسوا فئة صغيرة، فالأسرى لم يقتصروا على فئة أو شريحة محددة، حيث أن الاعتقالات تطال كافة فئات وشرائح المجتمع الفلسطيني دون استثناء: الأطفال والشبان والشيوخ، والفتيات والأمهات والزوجات، والمرضى والمعاقين والعمال والأكاديميين، والنواب في المجلس التشريعي والوزراء السابقين، والقيادات السياسية والنقابية والمهنية. وبحسب وزارة الأسرى والمحررين الفلسطينيين فإنه منذ احتلال 1967 ثمة ما يقارب 40% من الشعب الفلسطيني اعتقلوا في مرحلة من المراحل، بل وفقط منذ بداية العام الحالي 2017، تم اعتقال حوالي 1597 فلسطينيا منهم 46 امرأة و311 طفلا.
نحن، جميعا، ماذا نستطيع أن نفعل فعليا، وليس لفظيا وعاطفيا، لدعم الأسرى؟!!
فلسطينيا، أن ننشط بين كافه أحرار العالم والمؤسسات الحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني التي تنادي باحترام حقوق الإنسان لكي تضغط على سلطات الاحتلال من أجل الاستجابة لمطالب الأسرى. كما علينا أن نساهم في تعرية المحتل الإسرائيلي وكشف جرائمه، وأن ننصر الأسرى ونشد من أزرهم بالمسيرات والفعاليات التضامنية، ليصل صوتنا إليهم “بأننا معكم” في معركة الحرية والكرامة. كذلك، ضرورة تفعيل الشارع الفلسطيني شعبيا وفصائليا من خلال المواجهة وتوتير الأوضاع ليكون داعما لما تحاول إسرائيل أن تنسينا إياه ألا وهو “أسرى الحرية” من طلائع الشعب الفلسطيني، وبشكل خاص “هبة ترويع الإسرائيليين” التي تعلو وتنخفض بين فترة وأخرى.
على القيادة الفلسطينية تعزيز التحرك في الساحات الدولية والإقليمية لتدويل قضية الأسرى واعتبارها قضية إنسانية عالمية. ولم لا التوجه إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي للحصول على فتوى قانونية حول الوضع القانوني للأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال، وتحديد المحكمة لالتزامات دولة الاحتلال القانونية تجاه هؤلاء المعتقلين وضرورة إلزامها بتطبيق اتفاقيات جنيف الثالثة والرابعة على الأسرى واعترافها بهذه الاتفاقيات للحفاظ على مكانتهم الشرعية كمحاربين قانونيين. لكن، بالمقابل، حذاري أن يلقي الانقسام الفلسطيني بظلاله السوداء على معركة “الأمعاء الخاوية”، علما بأن الانقسام البغيض بات يهدد المشروع الوطني الفلسطيني برمته.
عربيا، ضرورة العمل على تعزيز التضامن والعمل العربي المشترك من أجل بلورة موقف عربي داعم، وهو الأمر الذي بدأت تظهر بوادره حيث انطلقت دعوات عربية شعبية/ مجتمع مدني هنا وهناك لإدارة حملات تضامن مع إضراب “الحرية والكرامة” الذي ينفذه الأسرى في سجون الاحتلال. ومن ثم لاحقا، تحرك برلماني عربي يتواصل مع البرلمانات الأوروبية لتشكل ضغطا على حكوماتها، وكذلك الحال في المنتديات والمنابر الدولية.
كما ينبغي التركيز على الرأي العام الغربي وعلى المحافل الدولية. فقد بدأت تتفعل حملات تضامن دولية، بوشرت من الولايات المتحدة الأمريكية حيث أعلن عن اطلاق حملة تضامن كبرى مع الأسرى تشمل تنظيم تظاهرات ووقفات تضامنية وحملة اتصالات وتواصل مع أعضاء الكونغرس والخارجية الأمريكية. ومن المهم إشراك المجتمع الدولي ومؤسساته الفاعلة بمراقبة تطبيق إسرائيل للقوانين الدولية بشأن الأسرى وملاحقة المسؤولين الإسرائيليين على أعمالهم المخالفة لهذه القوانين. ونحن نعلم أن بإمكان المنظمات الدولية والحقوقية الضغط على إسرائيل حتى تتحمل مسؤوليتها بتطبيق قرارات الشرعية الدولية بقوة القانون الدولي الذي يجب أن تخضع له دولة الاحتلال.