الرئيس الإسرائيلي (رؤوبين ريفلين) كيف يختلف عن حزبه “الليكود”؟

منصب الرئاسة في الدولة الصهيونية صوري شكلي. والرئيس الإسرائيلي إلى حد كبير، غير سياسي، وسلطاته محدودة، وليس له حق حضور اجتماعات مجلس الوزراء، أو الاعتراض على التشريعات التي تصدرها الكنيست (البرلمان)، بل وليس له الحق حتى بمغادرة إسرائيل دون موافقة الحكومة، ولا يستطيع حل الكنيست أو اقالة الحكومة، حيث القوة التنفيذية الحقيقية تقع في يد رئيس الوزراء. ومع ذلك، فإن الرئيس الحالي (رؤوبين ريفلين) المحامي الذي بدأ مسيرته السياسية عام 1988 في حزب “الليكود” اليميني حيث انتخب نائباً في البرلمان، وأصبح رئيساً للكنيست فيما بعد مرتين بين عامي 2003 و2006 وما بين 2009 و2013، يظهر اليوم كصاحب مشروع سياسي مختلف عن حزبه “الليكود” الذي ينتمي إليه. بل إن (ريفلين) لطالما عارض سياسة رئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو)، آخرها عندما أعلن قبل أسبوعين إنه “لا خيار أمام إسرائيل سوى التفكير عمليا بإبرام اتفاقيات مع الفلسطينيين. يجب علينا أن نبدأ التفكير في المستقبل، وكيف نستطيع الخروج من المأزق السياسي مع الفلسطينيين. فالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، سيبقى هو القضية المركزية حتى لو أغمضنا أعيننا”. وقد سبق هذا الموقف السياسي معارضته الشديدة لمشروع “قانون حظر الأذان”، حين قال إن “القانون”: “يظهر إسرائيل في العالم كديمقراطية لليهود فقط، تتصرف وفق معايير عرقية ودينية تشرع قوانين ضد المسلمين فقط لا ضد ضجة” الأذان. وختم معلنا: “عندما كنت ولدا، كان مصدر فخار القدس أنك تسمع فيها في الوقت ذاته: أجراس الكنائس، وصوت المؤذن، سوية مع صفير ينذر بدخول السبت وأصوات الصلوات من الكنس اليهودية”.

تكمن أهمية (ريفلين) كسياسي بأنه ينتمي إلى الجناح الأكثر تشددا في “الليكود”، الحزب اليميني العقائدي، الذي يتزعمه (نتنياهو). لكن مشروع (ريفلين) السياسي مختلف عن “الليكود” المتشدد في كل الطروحات. ففي السياق، يعلن (ريفلين): “تُعرَّف إسرائيل باعتبارها دولة يهودية، لكن لا يمكن أن ننسى في نفس الوقت أنها تعرَّف باعتبارها ديمقراطية أيضا. أدعو اليهود وإخواني العرب كذلك إلى تجنب التحريض”. كما ناشد فلسطينيي 48 التطوع لأداء الخدمة المدنية (رغم أن تلك الخدمة مسألة مرفوضة بالإجماع الوطني داخل الـ 48) حيث علل (ريفلين) مناشدته قائلا: “إننا نعيش في مجتمع واحد ودولة واحدة متكافلين بعضنا البعض”. بل إنه وجه انتقادا لاذعا للشخصيات اليمينية التي تروج لفكرة تجريد فلسطينيي 48 من “مواطنتهم الإسرائيلية” واعتبر “تلك فكرة غير عملية وغير أخلاقية لأن مصير اليهود والعرب حتم عليهم التشارك في الأرض”.

لكن، منذ تولي (ريفلين) رئاسة الدولة في خضم الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة في 2014، قام مرتين بزيارة ما يسمى “مجلس مستوطنات الضفة الغربية”، حيث أعلن في كلا المناسبتين صراحة: “الاستيطان في أرض (إسرائيل) يمثل حق (الشعب اليهودي) في أرض آبائه وأجداده”، مؤكدا “على الالتزام الإسرائيلي بمحاربة موجة “الإرهاب” الذي يتعرض له المستوطنون”. وفي كلا المناسبتين، ربط (ريفلين) ذلك بما أسماه تحرير القدس والضفة الغربية (حرب حزيران 1967) وعودة (الشعب اليهودي) لأرضه. وقد دأب بين فترة وأخرى على إعادة تأكيد موقفه الواضح المؤيد للاستعمار/ “الاستيطان”. كما يستبعد (ريفلين) التوصل لاتفاق سلام دائم مع الفلسطينيين في الوقت الراهن “بسبب انعدام تام للثقة بين القيادات والشعب”. ويضيف: “السعي إلى تحقيق حل دائم محكوم عليه بالفشل المسبق الذي سيدفع الشعبين الى مزيد من اليأس”، علما بأن الرئيس الإسرائيلي هذا لم يخف أبدا معارضته لإقامة دولة فلسطينية. ومع ذلك، نراه يطرح طرحا مختلفا مقابل ذلك.

في مقال بعنوان “إعادة السحر”، كتب (ميراف الوش لفرون) في “هآرتس” موضحا، على نحو كاشف، أبعاد جوهر الموقف السياسي للرئيس الإسرائيلي. ومما قاله: “ريفلين ذكر أكثر من مرة تأييده للكونفيدرالية التي تشمل حدودا مفتوحة، والقدس موحدة مع إدارة مشتركة للأماكن المقدسة، وسلطتين سياديتين ديمقراطيتين. إنها مبادرة “دولتان – وطن واحد” والتي تعرض الصيغة الكونفيدرالية بشكل يعكس الجرأة فيما يتعلق بمصادر الصراع وإمكانية اختراق الطريق المسدود الذي وصلت إليه النقاشات السياسية. ومن خلال تأييد إبقاء المستوطنات في مكانها، تعطي المبادرة إجابة على الصعوبة العملية والأخلاقية في إخلاء المستوطنين، وتعطي الحل لمشكلة حق العودة من خلال اقتراح الحدود المفتوحة ومنح حق تدريجي للفلسطينيين بالعيش والعمل في إسرائيل كمواطنين”. في السياق ذاته، كتب (يوئيل ماركوس) يقول: “ريفلين المتطرف تبين أنه رئيس (الشعب) ويسعى من أجل السلام، ويقف مثل الجدار أمام القوى التي تهدد باسقاط الديمقراطية الاسرائيلية (عبر مساعيهم لمزيد من اضطهاد عرب 48 و67)”. وفي اقتباس ثالث معبر، تقول صحيفة “هارتس”: “ريفلين لن يكون رئيسا لدولة إسرائيل بل رئيسا لإسرائيل الكبرى، وسيستغل منصبه لدفع الاستيطان في الضفة الغربية، وهو أمر يقدسه”… أوليس هو القائل: “أفضل قبول الفلسطينيين كمواطنين في إسرائيل، بدلا من تقسيم الدولة. علينا ضم الضفة الغربية المحتلة” (لكن في إطار كونفدرالي). وبذلك كله، يختلف (ريفلين) عن الخط العام للائتلاف الحاكم!