عام على “الهبة” الفلسطينية
بعد مرور عام كامل على اندلاع “هبة ترويع الإسرائيليين”، أدرك الشباب الفلسطيني، في ظل التهميش والمشاكل المجتمعية واليأس الذي يعيشه، أن القيادة الفلسطينية ليست راغبة في اندلاع نار “انتفاضة جديدة” وأن الفصائل لن يتعدى موقفها، وفق الشواهد، إصدار البيانات، وكأني بالشباب الفلسطيني يعيش فصلًا بحيث قد يُصطلح على تسمية “الهبة” في المستقبل مواسم “الاستشهاد المراهق”، بحسب الكاتب الفلسطيني (جواد بولس)، وبعبارات الكاتبة الإسرائيلية (عميرة هاس) “الانتفاضة المغدورة”.
ورغم تفاوت العمليات على مدار عام كامل، تبين أن جمرها ما زال مشتعلاً تحت الرماد، وهو ما حذرت منه أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، التي تضمنت، بحسب (عاموس هارئيل) الخبير العسكري الإسرائيلي، “التحذيرات من إمكان اندلاع اشتباكات عنيفة في الضفة الغربية سرعان ما تنزلق إلى مواجهة عسكرية مفتوحة مع حماس في غزة، وأن تواصلها سيزيد التوتر الأمني في إسرائيل”. وبحسب (حيزي سمنتوف) مراسل التلفزيون الإسرائيلي فإن “جهات أمنية فلسطينية حذرت من توسع دائرة العمليات الموجهة ضد الإسرائيليين لتشمل اقتحام مستوطنات وخلايا منظمة، وكذلك اشتراك اثنين او ثلاثة بكل عملية”.
عام كامل انقضى من عمر “الهبة”، كان من أهم نتائجها ازدياد القلق والخوف، لدى الحكومة والمجتمع الإسرائيليين كون من تواجهه الدولة الصهيونية “عدو مجهول” هذه المرة، بلغت فيه الخسائر البشرية الإسرائيلية، بحسب التقرير الأحدث للقناة العاشرة الإسرائيلية، (498) شخصاً بينهم (40) قتيلا و(458) جريحا منهم (42) بجروح خطيرة، فيما الخسائر الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة كبيرة، عدا التكاليف الأمنية والعسكرية الإسرائيلية. والمتابع للصحافة الإسرائيلية يلحظ “الرعب” من القادم، رغم العقوبات الجماعية غير المسبوقة التي تقارفها الدولة الصهيونية ضد الفلسطينيين المشاركين في “الهبة” وعائلاتهم ومنازلهم. وفي السياق، قال الكاتب (اليكس فيشمان): “مرة اخرى تلقينا تذكيرا بحقيقة أن الهدوء في الضفة مؤخرا هو هدوء وهمي، تحته لهيب يعتمل لجيل شاب مستعد لان يخرج لعمليات تضحية”. ومن جهته، كتب (ناحوم بارنيع) يقول: “انهم لا يموتون على قدسية فلسطين؛ انهم لا يموتون على قدسية الاسلام؛ ولا على قتل اليهود. انهم يموتون على قدسية اليأس، على قدسية أنفسهم. الهدف هو الموت والجنود هم الوسيلة”. وفي السياق، كشف وزير الامن الداخلي (جلعاد أردان) عن عبثية الإجراءات الإسرائيلية، مفصلا: “نصبت كاميرات هنا وهناك، جمعت معلومات استخبارية، تم تشديد التشريعات على راشقي الحجارة، فرض طوق على الاحياء والقرى، هدمت منازل، نفذت اعتقالات وقائية، بل وجندت اجهزة الامن الفلسطينية للمساعدة. وسائل التجسس الافضل في العالم لم تتهيأ للتخمين ما الذي يجري في قلب فتى، يقرر برأيه الخاص الخروج في حملة قتل أو دهس. قراره يتبلور قبل وقت قصير من انطلاقه إلى الدرب، بحيث أن زمن الاخطار لمحافل الاحباط قصير، ومخزن ذخيرته مطبخ أمه”.
بل إن المواقف الإسرائيلية المتطرفة تتصاعد. فنائب رئيس هيئة الأركان العامة السابق اللواء احتياط (عوزي دايان) يقول بالحرف: “يجب قتل الإرهابيين في جميع الأحوال. حكمهم يجب أن يكون الموت فقط”. ومثلا، في قصة إعدام ارتكبها جندي إسرائيلي ضد الشاب الفلسطيني عبد الفتاح الشريف من محافظة الخليل – المحافظة الأكثر مشاركة في “الهبة” – وهو جريح وممدّد على الأرض ولا يشكل خطراً على أحد، أظهر استطلاع إسرائيلي لشهر آب/ أغسطس الفائت، تأييد الأغلبية لهذه الجريمة، حيث قال “65% إنهم يؤيدون ما أقدم عليه الجندي الإسرائيلي”. ويكفي أن سلطات الاحتلال، بحسب هيئة شؤون الاسرى والمحررين الفلسطينيين، اعتقلت 1000 طفل منذ عام 2016 تتراوح اعمارهم ما بين 11-18 سنة، بزيادة 80% عن العام الماضي، يتعرضون لظروف صعبة وقاسية.
إسرائيل تقوم بإذكاء نار “الهبة” يوميا بمقارفاتها المتصاعدة وعلى قاعدة أن الدم يستولد الدم، مصرة على الحل الأمني. وهذا استنتاج يؤيده المحلل السياسي (إيتان هابر) حيث يقول: “منذ ابتكر ارييل شارون ورفائيل إيتان الحل العسكري خضنا حروباً كبيرة وصغيرة مع آلاف القتلى والجرحى، واعتقلنا الفلسطينيين، وهدمنا مئات المنازل، وجربنا “الحصار” و”العزل”، لكننا لم نجد حلاً عسكرياً. كانت هناك فترات من التهدئة استمرت أحياناً سنوات، لكن البركان كان ينفجر من جديد”. أما (عاموس جلبوع) فكتب يقول: “كل شيء كان لانه لا توجد مسيرة سياسية؛ لا أمل للشبيبة الفلسطينية، وهي يائسة. وفي الجيش الاسرائيلي أيضا يعرفون بانه في غياب خطوات سياسية لا أمل في أن يتوقف العنف”. بل إن هذه “الهبة” ومجمل المقاومة الفلسطينية مستمرة بل ومتفجرة طالما هناك احتلال يصر على استخدام القوة المفرطة ويلجأ إلى الإعدامات الميدانية، ويواصل فرض سياسة الحصار غير القانوني على الأرض الفلسطينية المحتلة، في ظل جرائم الاستعمار/ “الاستيطان” والتجريف واعتداءات “المستوطنين” على الفلسطينيين وممتلكاتهم!