نضالات “محافظة الخليل” وتعرية الاحتلال الإسرائيلي
محافظة الخليل أكبر محافظات الضفة الغربية من حيث السكان والمساحة، فيها أكبر المراكز الاقتصادية، وهي صاحبة الأهمية الدينية المتميزة للديانات السماوية الثلاث، يتوسطها الحرم الإبراهيمي الذي يحوي مقامات للأنبياء إبراهيم وإسحق ويعقوب وزوجاتهم. ومن المعروف أن الاحتلال الإسرائيلي يسيطر على حوالي 20% من مساحة مدينة الخليل بحسب “اتفاق إعادة الإنتشار” في عام 1997 الذي يحمل السلطة الفلسطينية عبء إدارة الشؤون المدنية للفلسطينيين في المدينة. ويحيط بهذه المحافظة الكثير من المستعمرات/ “المستوطنات” أكبرها مستعمرة/ “مستوطنة” كريات اربع، وابتلاها الله بـ 46 معسكرا لجيش الاحتلال الإسرائيلي و70 نقطة مواجهة مع ذلك الجيش سواء داخل المدينة أو في قراها المقاومة.
محافظة الخليل هذه، منذ عشرينيات القرن العشرين، وكغيرها من المحافظات الفلسطينية الكبيرة، أدركت وفقا للمؤرخ اليهودي الإسرائيلي (بيني موريس) “أن النمو غير المتناسق لليهود المدعوم بمقاييس حكومة الانتداب سيؤدي إلى تحويل العرب إلى أقلية في بلادهم”. ومنذئذ، كانت هذه المحافظة حاضرة بقوة في عام النكسة وفي الانتفاضة الأولى وفي انتفاضة الأقصى مثلما هي حاضرة في “الهبة الفلسطينية” الراهنة. واليوم، تحاول الدولة الصهيونية معاقبة الخليل ومحيطها، على دورهم الواضح في “الهبة” من خلال “إضافات” في إجراءات العقاب الجماعي التي يمارسها جيش الاحتلال (حصار، سحب تصاريح العمل والتجارة، حواجز مكثفة، الخ) وذلك في أعقاب عمليات مقاومة فلسطينية جريئة نفذها شباب وصبايا هذه المحافظة. وعلى نحو مكشوف ومعلن، تفرض سلطات الاحتلال طوقا أمنيا كاملاً حول كافة قرى ومدن المحافظة للمرة الأولى منذ عامين، أي أن (700) ألف مواطن فلسطيني لا يستطيعون الدخول أو الخروج إلى بلداتهم بصورة طبيعية. بل صدرت تصريحات عن قادة إسرائيليين طالبوا فيها بعمل عسكري واسع ضد المحافظة. فمثلا لا حصرا، أعلن وزير (التربية) في حكومة الاحتلال (نفتالي بينيت) أنه يدعم “حملة عسكرية موسعة، واعتقال الكم الأكبر ممن يشتبهون بهم، وبقطع الإنترنت عن الفلسطينيين في منطقة جنوبي جبل الخليل”. وقال: “سأقترح فرض حصار دائم، غير مشروط زمنيا، على بلدة بني نعيم، عقابا على تخريجها منفذي عمليات”!!!
وعن المعضلة التي تواجهها دولة الاحتلال إزاء المقاومة الفلسطينية، كتب (يوآف ليمور) يقول: “الخيارات الموجودة أمام إسرائيل في أعقاب سلسلة العمليات الصعبة في منطقة الخليل، قليلة جدا. ولأن أهم الأعمال (المقاومة) تتم في محيط مدينة الخليل، أُدخلت اليها كتيبتان (جولاني والمظليين) في أعقاب العمليات الأخيرة. لقد كانت الخليل دائما هي النواة الصلبة المتطرفة والعنيفة (للارهاب) في الضفة. فالدمج بين مدينة دينية تؤيد حماس، مع الاحتكاك المتواصل بين الإسرائيليين والفلسطينيين، يخلق عددا لا نهائي من الفرص للعمليات وبخاصة (وأن الفلسطينيين) يلجأون إلى نهج تقليد العمليات”. وفي السياق، كتب (اليكس فيشمان) في مقال بعنوان “سياسة الأجر والعقاب” يقول: “إن سياسة الفصل بين نشطاء (الارهاب) والسكان غير المشاركين كانت موجودة، لكن (وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد) ليبرمان يسعى إلى التطرف في الأجر مقابل العقاب: ليس منفذ العملية فقط، وأبناء عائلته الأقرباء والمساعدون هم الذين يدفعون الثمن، بل من الان فصاعدا تدفع الثمن العشيرة وكل القرية”. وفي سياق هذه العبثية التي تواجهها إسرائيل، كتبت أسرة تحرير صحيفة “هآرتس” تقول: “لقد انكشفت مرة أخرى، دون حاجة إلى أدلة إضافية، انعدام قدرة الجيش الإسرائيلي على الدفاع في كل زمان وفي كل مكان عن الإسرائيليين الذين يصرون على الاستيطان في المناطق المحتلة… بل إن الحجة الأساسية عن أن المستوطنات في المناطق المحتلة تزيد الأمن باتت حجة مدحوضة على نحو ظاهر”. وعن هذه الحالة العبثية، تحدث نائب رئيس الموساد السابق (رام بن باراك) فقال: “(الارهاب) هو الثمن الذي يدفع بسبب سياسة إسرائيل للاستيطان في المناطق المحتلة. يجب أن نقول بصدق، هذا هو الثمن الذي ندفعه كوننا نستقر في داخل سكان عرب معادين. ينبغي أن تكون لدينا شجاعة سياسية بحيث ينبغي أن تكون هنا أمور أخرى تختلف عما فعلناه حتى اليوم”.
إن وقوع الاحتلال الإسرائيلي في مستنقع العبثية نابع من حقيقة كون مدينة الخليل الرافضة أبد الدهر لأي احتلال… لن تركع، وأن محاصرتها حصارا صهيونيا فاشستيا يجعل مقاومتها تسطع. ذلك أن في الخليل، المدينة التي لا تضيع بوصلتها ولا يخبو بريقها، شعب لا ينسى ولا يستكين بل يغضب لغضب فلسطين.