قراءة في كتاب/ وثيقة في التاريخ الدبلوماسي العربي

الدكتور حازم نسيبة، الدبلوماسي المقدسي المخضرم، الكاتب والسفير ووزير الخارجية المشهود له تمسكه بمواقف مبدئية تجاه قضية فلسطين، والسياسي الاقتصادي، كان قد حصل على درجة الدكتوراة في العلوم السياسية عام 1954 من جامعة برنستن في الولايات المتحدة الأمريكية. هو – إن شئت – مدرسة في العمل السياسي والدبلوماسي العربي. مندوب الأردن في الأمم المتحدة ومجلس الأمن من 1976 – 1982، ومن أبرز الدبلوماسيين الأردنيين في النصف الثاني من القرن المنصرم، وحياته العملية مليئة بأحداث ومواقف سياسية كان هو أحد شهودها.

لعل عمله كمندوب للأردن في المنظمة الدولية ساهم في مكانته التي وصل إليها. فقد كان صاحب صوت عال على مدار ست سنوات في الدفاع عن القضايا العربية بشكل عام، والقضية الفلسطينية بشكل خاص، ودوره الشخصي مقدر في إقرار العديد من قرارات الامم المتحدة. من هنا تأتي أهمية رأيه الذي يحمله في أحدث كتاب يصدر له “فلسطين على الساحة الوطنية والإقليمية والدولية – قراءة معمقة في الشأن الفلسطيني”.

ومع أن الدكتور نسيبة نشر عددا من الكتب والأبحاث والدراسات والمقالات باللغتين العربية والانجليزية، عالجت قضايا العرب وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، إلا أن هذا الكتاب وضعه نسيبة، في الأصل، باللغة الانجليزية وصدر في العام 1981. والكتاب يتضمن مقتطفات من خطب وكلمات ألقاها في المحافل الدولية تتعلق بالقضية الفلسطينية عندما كان مندوب الأردن الدائم في الأمم المتحدة. أي أن الكتاب، بالمجمل، توثيقي أرشيفي. وفي هذا فضل يحتسب للمؤلف.

ورغم أن الكتاب هو، في الأصل، نوع من السيرة الذاتية لفترة عمله كمندوب للأردن (أيام كانت الضفة الغربية جزء من المملكة الأردنية الهاشمية) فإنه يظهر كيف كانت الثوابت الوطنية المتعلقة بالقضية الفلسطينية هي منطلقات الأردن الداعمة للحق الفلسطيني سلما وحربا. وكيف أن الدولة الأردنية والدول العربية الأخرى لاحقت في ذلك “الزمن الجميل” كل الجرائم الإسرائيلية وخاصة الاستعمار/ “الاستيطان”، وسعت دوما لاستصدار القرارات في الأمم المتحدة التي تدينه.

في فصول الكتاب، نجد حقائق تاريخية عديدة تؤكد على أن العرب هم أول من سكن فلسطين وبنى بيت المقدس، وأن فلسطين عندما قدم اليهود إليها لاستعمارها/ “استيطانها” لم تكن أرضا قاحلة ولا صحراء خالية من السكان كما روجت الحركة الصهيونية. كما يبرز الكاتب تاريخية الشعب الفلسطيني الذي تنفي الحركة الصهيونية وجوده. وفي السياق، يتطرق المؤلف لدور المملكة المتحدة، بدء من وعد بلفور وصولا للتقسيم وإعلان الدولة الصهيونية والحروب العربية الإسرائيلية والقرارات الدولية. كما يضع الكتاب بين أيدينا عديد التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة والمتعلقة بممارسات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، وكذلك عن اتفاقية كامب ديفيد ومشروع بيغن للسلام، وآخر عن التسلح النووي. وتحديدا في الصفحات (من 75 حتى 81) تصبح القراءة المتأنية ضرورة فيما يتصل بمواقف مسؤولين أمريكيين، حيث يشير الدكتور نسيبة إلى المعاناة التي تحملها رجال أمريكيون، كما يقول، لهم ضمائر ولهم حرص على مصالح بلادهم الحقيقية. كذلك، لفت نظري في الصفحة 75 من الكتاب، حوار بشأن الصراع العربي الإسرائيلي بين الدكتور نسيبة ووزير الخارجية الأمريكي دين راسك. وقد وردت جملة على لسان راسك يقول فيها: “المشكلة هي أن كل من يحاول إيجاد حل لقضية فلسطين يحرق أصابعه!”. ويقول نسيبة: “فسرت ما قاله حول حرق الأصابع، على أنه ربما إشارة إلى الضغوط الصهيونية الهائلة… واسترجعت مصير جيمس فورستال أول وزير دفاع أمريكي ومن أعظمهم، وهو الذي وحد جميع فروع القوات الأمريكية المسلحة، في إطار وزارة الدفاع. لقد كان معارضا أشد المعارضة لتقسيم فلسطين 1947 من منطلق تقديره بأن ذلك يلحق أبلغ الأضرار بالمصالح الحيوية الأمريكية. وقد كان مصيره بسبب تلك المعارضة الصلبة إعفاؤه من منصبه الرفيع ومن ثم تعرضه على مدى ستة أشهر متتالية إلى حملات تشويه وتجريح وافتراءات في وسائل الإعلام المسيطر عليها صهيونيا، لم يستطع تحمل وطأتها، فألقى بنفسه من الدور العلوي الذي كان يقطنه وسقط ميتا، جزاء حرصه على مصلحة بلاده القومية، والتصدي للقوى التي تريد تسخيرها لتحقيق مطامحها الصهيونية”. وما أشبه اليوم بالبارحة!

إن الملاحظة “السلبية” الوحيدة على الكتاب أن الدكتور نسيبة، وهو الدبلوماسي العريق، قد “جامل” هنا أو هناك في مرحلة لا تقتضي المجاملة وبخاصة وأن كاتبنا يتحدث عن حقبة باتت ملك التاريخ، وهو – أطال الله في عمره – قد دخل دخولا واضحا في التسعينات. ويبقى أن كاتبنا، في سرد هذه المواقف وغيرها في فصول الكتاب، يوجه رسائل مهمة إلى أطفال فلسطين الذين أهداهم الكتاب أينما كانوا، مع تأكيد “حقنا وإيماننا الذي لا يتزعزع بعودتهم إلى أرض آبائهم وأجدادهم المقدسة ليستمتعوا بحقهم في حياة هانئة وطبيعية”.