“صفقة القرن” وعودة لبداية الصراع

“إسرائيل” تسير اليوم باتجاه تكريس نظام “أبارتايد” عنصري ضد الفلسطينيين. فـ “البانتوستانات” (المعازل) الفلسطينية – حقيقة واقعة على الأرض، زرعت بذورها في 1967، لكن العملية تسارعت وتعمقت بالتوازي مع عملية ما سمي “العملية السلمية بين إسرائيل والفلسطينيين” حتى باتت الضفة الغربية وقطاع غزة عبارة عن “بانتوستانات” تعيش تحت نظام فصل عنصري “أبارتايد”.

ومع إعلان الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) ما يسمى “صفقة القرن” واستمرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي الاستيلاء على الأرض الفلسطينية، تتواصل محاولة “شرعنة” وتعميق نظام الفصل العنصري في فلسطين المحتلة، مترجمة لمواقف اليمين الإسرائيلي الحاكم وعقيدته المتطرفة. فالأجواء التي ستوفرها “الصفقة” ستشجع هذا اليمين وجمهوره من المتطرفين والمستعمرين/ “المستوطنين” على ابتلاع ما تبقى من الأرض واستباحة حياة الفلسطيني.

“صفقة القرن”، موضوعيا، هي خطة أمريكية لتدمير أي آمال أو تطلعات فلسطينية في الحرية والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية، واستبدالها وبقوة الاحتلال بصيغة ظاهرها حل الصراع وباطنها استعماري توسعي. وهي عبارة عن محاولات لتجميل المشروع الاستعماري/ “الاستيطاني”/ الإحلالي اليميني، مع استبعاد “حل الدولتين”، وإلغاء إقامة دولة فلسطينية، والاعتماد على ما هو قائم على الأرض والذي رسخته “إسرائيل” طيلة عقود على قاعدة “حكم ذاتي محدود” في بعض أجزاء الضفة زائدا قطاع غزة. كما أنها “صفقة انتهازية” هدفها إخراج كل من (ترامب) و(نتنياهو) من مستنقعيهما محليا.

وبدلا من تعزيز الأمل في حل سياسي لصراع عمره قرن وثلث، تؤدي الخطة الأمريكية لليأس والتسليم بالوضع القائم الذي يتدهور باستمرار نحو تكريس حال أسوأ من “أبارتايد” جنوب أفريقيا. في السياق، أعربت مؤخرا “لجنة مناهضة كافة أشكال التمييز العنصري في الأمم المتحدة”، عن قلقها من “مخالفة إسرائيل لاتفاقية مناهضة كافة أشكال التمييز العنصري بسبب العديد من القوانين والممارسات”. وأوصت “اللجنة”، ولأول مرة في تاريخها بشأن القضية الفلسطينية، “أن تقوم إسرائيل بمراجعة كافة السياسات والقوانين التي تسبب الفصل العنصري بين السكان اليهود وغير اليهود في جميع المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية”.

لقد حدد اليمين الإسرائيلي بكافة أطيافه وتسمياته المختلفة اختياره: فبين “عملية السلام” واستمرار الوضع الراهن، اختار الحل الثاني، وبين خيار “حل الدولتين” و”بانتوستانات” فلسطينية محتلة اختار الأخيرة. وفي ظل الأجواء المحتدمة استعدادا للإنتخابات، يسير الجميع في طريق التطرف القائم في المجتمع الإسرائيلي، الأمر الذي جعل الدولة الصهيونية رهينة للمشروع الاستعماري/ “الاستيطاني” الأقصى، مع انحدار غير مسبوق في عنصرية مكشوفة، مغلقة الباب نهائيا أمام ما سمي “بجهود السلام” و”حل الدولتين”. ومثل هذه النتيجة تعيد الصراع إلى بداياته مع تحويله (أو جزء هام منه) إلى صراع ديني أيضا!