مقابلة شاملة مع الدكتور أسعد عبدالرحمن عن “الهبّة الفلسطينية”
مركز «الرأي » للدراسات يناقش أثر الانتفاضة الثالثة في الخريطة الفلسطينية
الجهود الأردنية ضمانة أساسية في مواجهة المخططات الصهيونية
حررها- إبراهيم السواعير وبثينة جدعون
بين (اليتم) والمشروع النضاليّ، هل يمكن توصيف (الهبّة) الفلسطينيّة مؤخراً انتفاضةً ثالثةً، أو ثورةً يمكن أن تؤثّر في الخطاب الرسميّ العربي و الفلسطينيّ؟!
كان ذلك هو السؤال العريض في مستديرة مركز الرأي للدراسات، التي اجتمع لها عددٌ من المتخصصين والمهتمين بالشان الفلسطينيّ، وحملت عنوان (الانتفاضة الثالثة)، وشارك فيها متحدثاً رئيساً الكاتب السياسيّ الدكتور أسعد عبدالرحمن، في حواريّة مع وزير التربية والتعليم الأسبق الدكتور محمد جمعة الوحش، والوزير السابق الدكتور زيد حمزة، والخبير العسكري مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في القوات المسلحة الأردنية الدكتور اللواء المتقاعد محمد فرغل، والناشط السياسيّ المهندس بسام أبو غزالة، والمحامي سفيان الشّوا، والناشط السياسيّ المهندس خالد رمضان.
ناقش عبدالرحمن مواضيع تأثير الهبة أو الانتفاضة؛ مشيرا إلى الرؤية الإسرائيليّة تجاهها، وأهميّة استثمارها ورقةً رابحة لوقف السعار اليمينيّ المتطرف هناك، نافياً أن تكون (بطالة) الشباب الفلسطيني سببها الأكبر، أمام شعورهم بانسداد الأفق السياسيّ، مقارناً بين مفاهيم العمليات(الجهاديّة)، و(الانتحاريّة)، وخفوت الاستنكار في خضمّ الإحباط الشعبيّ والرسميّ، متنافذاً على التعتيم الإعلاميّ الذي حلّ محلّه الإعلام الجماهيري في وسائل التواصل الاجتماعي.
واهتمّ عبد الرحمن بالتأثير المباشر للهبة أو الانتفاضة على الحركة السياحيّة والاقتصاديّة الإسرائيليّة؛ مشدداً على فوائد أن يصبح الاحتلال (مُكلفاً)، قارئاً ما يصاحب ذلك من زيادة في التوترات داخل المجتمع الإسرائيليّ والجاليات اليهوديّة، موجّهاً رسالةً تتضمّن أنّ الدم لا يستولد غير الدّم.
ورأى عبدالرحمن أنّ من فوائد الهبّة أو الانتفاضة أنّها نبّهت الجميع المنشغل بالقضايا العربيّة المستجدة في ظلّ (الربيع العربيّ) إلى فلسطين.
إلى ذلك، شدد المشاركون، في الندوة التي حضرها رئيس مجلس إدارة (الرأي) الزميل رمضان الرواشدة، والتي أدارها رئيس مركز الرأي للدراسات د.خالد الشقران على أهميّة دعم الموقف الأردنيّ المشرّف؛ باعتبارها الدولة الوحيدة التي تضع قضية فلسطين قضيّةً أساسيّةً، في وقتٍ خطير لم تعد فيه القضيّة الفلسطينيّة من المنظور الدوليّ والعربيّ (أم القضايا)، كما تحدثوا عن مصير الانتفاضة في عدم وجود قيادة لها، وعن (المقاطعة) نشاطاً مهمّاً في هذا السياق، وتناولوا أهميّة الاجتماع النضاليّ للمشهد الفصائليّ بوصفه أهمّ من الآخر التنظيميّ، كما عاينوا عدم التنسيق الحاصل بين المكونات الأساسيّة الثلاثة للشعب الفلسطينيّ في الضفة الغربيّة وقطاع غزّة وفي الشتات، وذهبوا إلى أنّ حلّ الدولتين لا يمكن أن يتحقق في ظلّ الاستيطان.
وكشاهد عيانٍ، وبعد أن استند الدكتور أسعد عبدالرحمن إلى الأدب السياسيّ الإسرائيليّ نفسه، والقضايا التي تتعلق بالجانب العربيّ، حدّد فهمه لما يحصل في فلسطين بما أسماه «الهبّة الترويعية للإسرائيليين»؛ كونها لعبت دوراً، وما تزال، في ترويعهم، مستدلاً بما شاهده من تأثير لهذه (الهبّة) أو (الانتفاضة) على حياة الإسرائيليين وحركتهم، من واقع زيارته مؤخراً لمدينتي يافا وحيفا؛ إذ شهد الأثر الحاسم لما يحدث في فلسطين على حركة الإسرائيليين وتواجدهم في الأسواق.
وفي حديثه عن هذه الهبّة الترويعية ، رأى عبدالرحمن أنّها من الممكن أن تتطوّر إلى ما هو أكبر من ذلك؛ إذ قد تُسمّى عندئذ (انتفاضة)، أو (انتفاضة كبرى).
وأفاد أنَّ رؤيتين إسرائيليتين واضحتين لهذه الهبّة وأسبابها؛ موضّحاً
أنّ السياسيين على وجه الإجمال، وتحديداً من يحتلون مواقع رسمية إسرائيلية في الحكومة وتوابعها، ينظرون إلى ما يحدث بوصفه إرهاباً محضاً، وأنه عبارة عن متابعة للجهد الفلسطيني والعربي والإسلامي لـ(إبادة اليهود)، مشيراً إلى حديث نتنياهو الذي يعزو هذه الأعمال إلى تحريضٍ من الرئيس الفلسطيني، وإلى الإعلام الفلسطيني، وينفي أن تكون بسبب الاحتلال ومقارفاته، مضيفاً أنّ الحل برأي هؤلاء السياسيين يكمن في الحل العسكري الذي أصبح ظاهراً للعيان بكل مقارفاته من الإعدام الميداني إلى تهديم البيوت، والنظر في عملية الإبعاد وغيرها من الأعمال الإسرائيلية.
وشرح عبدالرحمن الرؤية الأخرى المتمثّلة بالطرف الآخر في إسرائيل، متناولاً (المؤسسة العسكرية والأمنية) الشريكة في كل الجرائم، مستدلاً بالنسبة الأكبر من الجرائم التي ارتكبتها عبر مبادراتها وقراراتها وأحياناً تنفيذها قرارات السياسيين، مضيفاً أنها في حالة تباين في التكتيك وليس في الاستراتيجية فقط، وساق عبدالرحمن تأييد كثير من المراقبين والباحثين والصحفيين، معترفاً بالمهنية العالية لبعضهم، بل بالصدقية الكبيرة في هذا النطاق.
الشعور بالاضطهاد
ورأى أنّ عبارات هؤلاء تنطلق من أنّ ما يحدث هو نتيجة شعور بالاضطهاد الوطني أولاً، والاقتصادي ثانياً، والشخصي ثالثاً، ناقلاً ما كتبه أحدهم مؤخراً من أنّ (المنتفض أو القائم بهذا العمل لا يرى في بعض الأوساط الإسرائيلية السياسية عمله إلا بعين واحدة، في حين أن هذا المنتفض أو المقاوم أو الفدائي والمستشهد ينظر بعينين، وأنه يجب أن ترى إسرائيلياً، كما يرى الكاتب الإسرائيلي بالعين الأولى وضعه وبؤسه وكل ما يتعرض له من قسوة الاحتلال والمقارفات المسعورة).
وتحدث عبد الرحمن عن (العين الثانية) في رؤية الإسرائيلي كيف يحيا العالم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أو وسائل الاتصال الجماهيري، واقفاً عند إرهاصات تنعكس عليه وطنياً واقتصادياً وشخصياً، مشيراً إلى أن الحل عند هؤلاء ليس عسكرياً، بل يتمثل في وقف (السعار اليمينيّ) في إجراءاته الاضطهادية، والمطالبة بوقف ما يمارسه السياسيّون، والمناداة بالتقليل من الحوادث، وعدم اللجوء إلى الإعدام الميداني الذي يزيد من عدد الشهداء، وكذلك عبر عدم السماح للإعلام بنقل صور ما يجري، باعتباره مصدر (إلهام)، بحسب دراسات أجروها للأطفال والجمهور الفلسطيني، والدعوة إلى منح المزيد من أشكال الأذون وخصوصاً لرجال الأعمال.
وتطرّق إلى موضوع العمالة في فلسطين، مفيداً أنّ 126 ألف عامل فلسطيني يعملون وفق إطار العمل القانوني(مصرح لهم رسمياً بالعمل)، و35 ألفاً منهم مغضوض عنهم البصر ، وآخرون ممن يتسربون يقدّر عددهم بـ 20 ألف عامل، بما مجموعه 200 ألف عامل فلسطيني يعملون داخل الخط الأخضر والمستوطنات، وهؤلاء يعيلون مليون شخص، ويعانون في مثل هذا الواقع الصعب.
وتحدث عبدالرحمن عن وجود استثناءات داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية، ناقلاً ما يراه الباحثون والمراقبون والسياسيون والصحفيون المتنورون من أنّ المسألة الاستراتيجية إنّما تتمثل بضرورة السعي لحلٍّ سياسي، لأن إغلاق كل أبواب الحل السياسي سيؤدي إلى الارتطام بجدار الأفق المسدود، وبالتالي يؤدي إلى مزيد من العمليات الفلسطينية على هذا الصعيد.
وقال إن الباحثين الإسرائيليين ينظرون وفقاً للتحليلات والوقائع إلى أنّ الفلسطينيين الذين يقومون بهذا العمل هم في الأغلب الأعم من (الصبايا) والشباب (صغار السن) الذين لا تتجاوز أعمارهم العشرين، وأنّ النسبة العالية منهم هي دون 18 عاماً، مستدركاً أنّ ذلك لا يمنع من أن تكون أعمارهم أحياناً بين 27 و30 سنة، وهي حالاتٌ نادرة، كما رأى.
ونفى عبدالرحمن أن يقوم هؤلاء بهذا العمل نتيجة البطالة بالضرورة، مدللاً بأنّ من هو في عمر 14 سنة لا يعمل أصلاً، بل ولا يتوقع منه أن يعمل، وكذلك من هو في عمر 17 سنة، وبالتالي فليس العامل الاقتصادي أو الديني هو الأساس، إذ إن معظم «البروفايلات» الخاصة بهؤلاء على مواقع التواصل الاجتماعي تبيّن أنهم من (الشباب الوطني الليبرالي العلماني)، معترفاً بأنّ الأمر لا يخلو من وجود عدد من المتدينين، الأمر الذي يصنع فارقاً بين هذه الانتفاضة والانتفاضة الثانية والعمليات التي سميت (انتحارية)، وهي (جهادية) في الفترة الماضية.
ورأى أن هؤلاء الشباب لا يشعرون بأن هناك أفقاً سياسيّاً لحل (القضية)، كما يرون بأن مسيرة (أوسلو)- وبالرغم من أنهم كانوا معها إلى الآن- لم تثمر شيئاً، بل أثمرت عكس المقصود منها، وهو ما رآه عبدالرحمن يحقنهم بكثير من الحماسة لتجاوز هذا الطريق نحو طريق آخر يتم بالمبادرة الفردية في البداية، مشيراً إلى أن هؤلاء الشباب يتسيّسون من عمر السابعة وعندما يصبحون في 17 من العمر يكونون مفعمين بالحياة السياسية، ومن صفاتهم أنه ليس لديهم سوابق أمنيّة، الأمر الذي يُعقّد المسألة أمام الأجهزة الأمنية الإسرائيلية.
ولفت إلى أنه وفي البداية كانت معظم الكتابات تتحدث عن ظاهرة (الذئب المتوحد)، أما الآن ومع استمرار هذه الهبّة، فقد (أصبحوا) يتحدثون عن ظاهرة (الذئاب المنفردة)، شارحاً أنّ المسألة ليست مسألة فرد أو فردين، بل ظاهرة أصبحت كأنها تشمل قطاعاً واسعاً من جيل كامل، كما أصبحت تشكل ظاهرة ذئاب متوحدة، لا ظاهرة ذئب متوحد فقط.
وتحدث عبدالرحمن عن موقف الكاتبة الإسرائيلية المناضلة من أجل الحقوق الفلسطينية، حيث هذه الانتفاضة حتى الآن هي الانتفاضة اليتيمة، والتي ربما نسميها لاحقاً «الانتفاضة غير اليتيمة» أو «الانتفاضة المغدورة»، مضيفاً أن هذا كله مرهون بطبيعة التطورات، إذ ربما لو أحسنّا التعاطي معها لأسميناها «الانتفاضة الكبرى الثالثة»، بمعنى أن أفق هذه الهبّة مرتبط بجوانب عديدة ومتنوعة تبعاً لما يقدمه المستقبل.
ورأى أن طبيعة السلاح المستخدم يُعدّ من أبرز عوامل نجاح هذه الانتفاضة أو (الهبّة)، مضيفاً أن السلاح المستخدم يساعد في أمور عدة كونك تلجأ للسكين أو الدهس أو أي قطعة معدنية تستطيع أن تؤذي بها، إضافة إلى حالات فردية من استخدام لبعض قنابل المولتوف، مضيفاً أن هذا الأمر أتاح فرصاً عديدةً للقبول به وربما حتى المديح له، كونه لا يوجد عمل انتحاري يستهدف المدنيين.
وتابع أنّ هؤلاء هم أشخاص أسلحتهم خفيفة وضعيفة ومتواضعة، لكنها في المنظور الإسرائيلي ومفهومِهِ اليهودي التاريخي أسلحة تخيفه أكثر من الرصاصة، بتوقع أن هذه السكين ربما تؤدي للذبح، خاصة بعد الرعب الذي يثيره الذبح بالسكين في العالم.
نجاح الهبة
وتحدث عبدالرحمن عن أنّ حملات الاستنكار لهذا العمل تصبح محدودة، بل إن من إنجازاتها أنها حرمت القيادة الفلسطينية والفصائل في المرحلة الأولى من إدانتها، لأنّ العادة جرت في المرات السابقة على أن هذا العمل يعدّ عملاً إرهابياً، وذلك عندما كان له أفق سياسي، وعندما لم يصل الإحباط إلى ذروته، حتى للقيادة الفلسطينية.
وأشار إلى أن عمليات الاستيطان الإسرائيلي في السنوات القليلة الماضية دخلت في الأحياء الفلسطينية، وبالتالي (باتوا) يعيشون بين الفلسطينيين، ولا حاجة للفلسطيني أن يسعى إليهم، كما أنه لا يستطيع بناء سور هائل في القدس القديمة، ولا حتى في الأحياء الشرقية في القدس الشرقية، لأن (العمارة) بجانب العمارة وبجانب المستعمرة الجديدة، مضيفاً أنه حتى العمارة نفسها قد تكون لفلسطينيين وتم الاستيلاء عليها، وبالتالي يمكن استهدافهم بسهولة، وهذا من نتائج الوبال عليهم، وهو عاملٌ مهم من عوامل نجاح الهبّة.
ورأى عبدالرحمن أنّ تداخل الحياة بين الفلسطينيين والإسرائيليين يعد من العوامل المساعدة في نجاح الهبّة، مشيراً إلى 200 ألف فلسطيني يعملون في الداخل من دون سجلات أمنية، مضيفاً أن هؤلاء عندهم أذونات ولا توجد عليهم ملاحظات، موضّحاً أنّ من يعمل في مزرعة ليهودي في مستوطنة أو يقود تراكتور أو سيارة، حتى لو فُتش على الحواجز ولم يكن معه شيء، فسوف يجد بكل سهولة الشيء الذي يضرب به، مدللاً بأنّه ثبت أن بعض العمال الذين لديهم أذون وتصاريح عمل على مدى سنوات شاركوا بأعمال هذه الهبّة، الأمر الذي يخلق حالةً من الذعر المتبادل.
ولفت إلى نتائج أحد استطلاعات الرأي الإسرائيلية الذي أجرته قناة الكنيست، مبيّناً أن 50% من الإسرائيليين المشاركين في التصويت أصبحوا يؤيديون مسؤولية نقل الأحياء العربية في القدس الشرقية للسلطة، مشيراً إلى أن هذا الأمر جرى في مرحلة ثم تمت التغطية عليه، خاصة في القدس الشرقية والقديمة.
وأضاف أن هناك إحصاء إسرائيليّاً جديداً يشير إلى أنّ عدد الذين توجّهوا إلى مراكز الدعم النفسي ارتفع بنسبة 100% من شهر ونصف، وأن غالبيتهم تتحسس من الطعن، مشيراً إلى أن الإعلام يلعب دوراً بذلك، ولذلك صدرت دعوات من إسرائيليين إعلاميين إلى وجوب عدم الإعلان عن هذه العمليات كونها تُروّع من لم يكن بالميدان إضافة إلى من كان متواجداً أصلاً هناك.
ورأى أن القلق والخوف، بل الهستيريا، أمورٌ تتزايد لدى الحكومة الإسرائيلية وسياسييها، مما يجعلهم يقدمون على إجراءات قاسية، الأمر الذي يترك بصماته على مجمل رؤية القضية الفلسطينية سواء في العالم الغربيّ أو غيره.
وعاد عبدالرحمن بالذاكرة قليلاً إلى ما قبل 5 أشهر من الآن، واجداً أنه لم يكن ثمة خبر واحد فلسطيني عن فلسطين، موضّحاً أنّ الجميع مشغول بسوريا واليمن وليبيا، مؤكداً أن هذه الهبّة وضعت القضية من جديد على الخارطة، آملاً أن تكون بالمستوى الذي يلبي (طموحاتنا)، إذ يوجد هناك تعتيم إعلامي وغربي عليها، في حين أن إعلاماً آخر يروج لهذه الأعمال، هو الإعلام الجماهيري عبر وسائل التواصل الاجتماعي كافة، وهو ما يجعل لجان التضامن وكل من يعيش على الفيسبوك ووسائل الاتصال الجماهيري يعلم عن هذا الموضوع، واقفاً عند الحالة الإعلامية التي أعادت جزءاً من الصورة ووضعت القضية الفلسطينية والشعب المحتل على الخريطة الإعلامية من جديد.
ورأى أنّ الصورة الإسرائيلية التي تروج لنفسها سياحياً قبل قيام (الهبّة) من أن إسرائيل هي البلد الوحيد الآمن والهادىء في وسط منطقة مشتعلة، قد اختلفت الآن، موضّحاً أنّ الوضع الحالي بدأ يؤثر على الحركة السياحية وعلى مجمل الاقتصاد، فالتكلفة ليست فقط على الاقتصاد بشكل عام أو على السياحة وجلب الاستثمارات الرأسمالية من الخارج، وإنما هي في التكاليف الباهظة التي تدفع إسرائيل على درب أن يصبح الاحتلال مكلفاً، إذ إنه (من دون أن يصبح الاحتلال مكلفاً، لن يكون لنا أمل على هذا الصعيد!).
وكاشف عبدالرحمن بأنّه ربما حتى الآن لم يتحقق هذا الأمر، شارحاً أنّه إذا استمرت الهبّة، فإننا سنلاحظ في ما بعد تأثيرها على حركة الهجرة، إضافة إلى أنّ الانشقاقات بدأت تكثر في أوساط العالم اليهوديّ، بسبب سهولة الوصول إلى الجاليات اليهودية التي تتميز بإطار علمانيٍّ في تركيبتها خاصة في أميركا وفرنسا، فهي مع حل الدولتين، وبقاء إسرائيل دولة ديمقراطية، وهؤلاء (أصبحوا) الآن يشكون بديمقراطيتها، بما في ذلك من شواهد على هذا الإطار.
ولاحظ أنّ هذه الهبّة قد أثرت على الخطاب الرسمي الفلسطيني، وهو الخطاب الذي كان في مرحلة من المراحل يتحدث عن هذه العمليات واصفاً إياها بالإرهابية وما شابه، مشيراً إلى ما قاله الرئيس محمود عباس عندما طلب منه رسمياً في الأمم المتحدة بعد شهر من قيام الانتفاضة، أن يعلن استنكاره للانتفاضة، وأن يعلن أنّ ما يقوم به الشباب الفلسطينيون يُعد عملاً إرهابياً, إذ أعلن أنّه جاهز لذلك، فقط في حال أعلن نتنياهو أن ما يقوم به المستوطنون وقوات الاحتلال هو عمل إرهابي.
وأشار إلى البيان الذي صدر عن 5 فصائل فلسطينية في 22شباط 2016 أكّدت فيه أن ما يحدث الآن هو انتفاضة ويجب دعمها، متحفظاً في الوقت نفسه على ما قالته عميرا هاس من أن الانتفاضة الحالية هي «ثورة يتيمة»، كون الفصائل في البدايات لم تكن تقوم بما هو مطلوب منها باتجاه دعم هذه الهبّة، مع أنّها ومع استمرار ديناميكية هذه الهبّة أسهمت في ذلك.
وأضاف عبد الرحمن أنّ الرؤية الجديدة للشاب والشابة الفلسطينية غيّرت الصورة القديمة التي كانت تصف الجيل الجديد من الشباب الفلسطيني بالخنوع، فقد أصبحوا الآن يقدمون حياتهم، مع أنهم يعلمون سلفاً أنهم حتى عندما يقتربون من الجندي أو المستوطن الإسرائيلي،وهما المستهدفان، فإنّه سيطلق عليهم النار، لأنّ هناك قراراً إسرائيلياً بالأعدام الميداني، الأمر الذي يساعد على تحسين صورة هذه العمليات. ولفت عبدالرحمن إلى مقتل إحدى الفتيات في منطقة العفولة على يد القوات الإسرائيلية لمجرد أنها شوهدت وهي تهمّ بإخراج نظارتها من حقيبتها، على اعتقاد أنها كانت تريد إخراج السلاح.
وأكد أن هؤلاء الشباب أسهموا في تغيير الصورة ونقلوا عدوى البطولة ومقارعة الاحتلال إلى غيرهم من الشباب الفلسطيني، مبيّناً أنّ التوترات زادت داخل المجتمع الإسرائيلي والجاليات اليهودية، وتابع: (فقد شاهدنا على الفيديو حاملي السكين وهم يركضون خلف الجندي الإسرائيلي الهارب، لدرجة دفعت المحلل العسكري في القناة الثانية «روني بانيال» إلى القول: «إن جنودنا لا يصلحون إلا لشرطة المرور!»).
الأفق السياسي
ووجد عبد الرحمن أنّ إسرائيل تقوم بتغدية هذه الهبّة يومياً بمقارفاتها وسعارها وإجراءاتها، باعتبار الدم يستولد الدم، مثلما هو الحقد يستولد الحقد، والقمع يستولد الكفاح، بخاصة وأنّ هذه الأمور أصبحت تمس الجانبين الوطني والديني في ما يحدث في المسجد الاقصى، متطرقاً إلى إجراءات هدم البيوت التي يشاهدها الجميع في الأعلام، الأمر الذي يُعمّق من الحقد.
ورأى أن استمرار انسداد الأفق السياسي، بوصفه كان أحد الأسباب التي يمكن أن تساعد في تطبيق قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير وخاصة وقف التنسيق الأمني، يعدّ أحد العوامل الفلسطينية التي يمكن أن تغذي هذه الهبّة، إذ إن وقف التنسيق الأمني سيؤدي إلى مزيد من القمع، متحفظاً في موضوع التطورات نحو إنهاء الانقسام الفلسطيني أو على الأقل السير في هذا الاتجاه بوجود انتفاضة من هذا النوع بدأت تعطي الثمار.
واعترف بأن القضية كانت غائبة عن (حماس) و(فتح) وباقي الفصائل، مشيراً إلى أنّ هذه الهبّة جاءت لتطرح عليهم مشروعاً إنقاذياً، وكذلك الحال على الصعيد العربي، وعلى الصعيد الدولي رأى أنّ من ضمن العوامل التي تساعد في موضوع الهبّة أن العالم رسمياً وليس جماهيرياً ما يزال متناسياً القضية الفلسطينية وعملية السلام، الأمر الذي يُعمّق من حالة الإحباط، عدا أنّ غياب الضغوط على إسرائيل يساعد كثيراً في هذا النطاق.
جهود الملك
تساءل الدكتور محمد جمعة الوحش عن مصير هذه الانتفاضة في ظل عدم وجود قيادة توجهها، وعن تأثير التنسيق الأمني بين الفلسطينيين والإسرائيليين عليها، ومدى خطورته، كما تساءل عن طبيعة الموقف الفلسطيني الرسمي والفصائلي من الانتفاضة.
وأشاد الوحش بجهود جلالة الملك عبد الله الثاني في كل لقاءاته العالميّة والمحليّة في موضوع القضية الفلسطينية ومعاناة الفلسطينيين، وحل الدولتين. وانطلق من أنّ يداً واحدة لا تصفق، شارحاً أنّ الموقف العربي صامت تماماً، وأنّ الموقف الرسمي الفلسطيني لا يخلو من سلبيات في هذا المجال أيضاً، متسائلاً: كيف سيكون هناك أفق في ظل اختفاء الدعم العربي عامة والفلسطيني خاصة للموقف الأردني السياسيّ الرسمي؟!.
كما ناقش الوحش قضيّة أن يصبح الموت بسبب اليأس هدفاً للشباب الفلسطيني، وما إذا كانت هنالك قناعة لدى فئة من الإسرائيليين أو أكثر الإسرائيليين بأنّ لديهم القدرة على إخماد الروح الوطنية لدى هؤلاء الشباب بهذه الأساليب القمعية، موجّهاً مناقشاً الفرق بين قولنا (قوات الاحتلال) و(القوة القائمة بالاحتلال).
عبقرية النضال
ورأى الدكتور زيد حمزة أنه ليس هناك من علم اسمه (توصيف المقاومة)؛ موضّحاً أنّ المقاومة رد فعل طبيعي يأخذ أشكالاً مختلفة من دون علم مسبق، وأحياناً كثيرة من غير تخطيط مسبق، متعجّباً من هذه الصورة التي وإن كانت بدائية في المقاومة، إلا أنّها بحدّ ذاتها مقاومة.
وتحدث حمزة عنها بوصفها مقاومةً ليس وراءها تنظيم يدّعي أنه حرّكها؛ باعتبارها ردة فعل وانفعالاً وطنيّاً لمواجهة كل ما يقارفه الاحتلال، واجداً أنّ عوامل إنجاحها كامنة في داخلها أكثر مما هي قائمة عند الآخرين، سواء كان الآخرون عرباً أم قوى أخرى خارجية.
ورأى أن صمت الأجهزة عن نشاطات عديدة في مقاومة الفلسطينيين للاحتلال صمت رسمي ومفروض في كثير من الأحيان على (إعلامنا)، مؤكّداً أنّ هذه الهبّة ليست يتيمة أو مغدورة، جازماً بأنّها حتى وإن لم تستمر، ستنشأ بعدها هبات أخرى لا تنتهي حسب قوانين الطبيعة، باعتبار التاريخ يشير إلى أن النهاية لا بد أن تكون انتصاراً للشعب المقاوم.
وتطرّق حمزة إلى نشاط آخر من نشاطات المقاومة لا علاقة له بالهبّة وهو (المقاطعة)، مستذكراً (أنهم) ومنذ عام 48 كانوا يحملون ألوية المقاطعة وبقرار حاسم جازم من الجامعة العربية، مستعيداً ما شاع سابقاً من أنّ من لا يطبق قرارات المقاومة بالمقاطعة كما وضعتها الجامعة العربية يعدّ (كافراً) بالتأكيد.
وتحدث عن الحركة العالمية لمقاطعة اسرائيل اسمها «BDS» تعمل لوحدها وبموارد محدودة وقدرات وطنية في منتهى الذكاء على مقاطعة إسرائيل، وهي منتشرة في معظم بلاد العالم خصوصاً في الأوساط الأكاديمية وقد انتشرت مؤخراً بأوساط النقابات العمالية لا المهنية، متحدياً أي عربي يذكر 5% من نشاطات هذه المنظمة.
وأكد حمزة أن عبقرية النضال الفلسطيني مستمرة باجتراح أساليب النضال الجديدة المثيرة للاهتمام، معرباً عن أسفه لأن لا تلقى الاهتمام والدعم المطلوب، مشدداً على أننا لا يجوز أن نجد العذر للأنظمة السياسية أو الأجهزة الإعلامية في انشغالها بالصراع العربي العربي.
غياب التنسيق
رأى المهندس خالد رمضان أنّ ما يجري في فلسطين الآن من اجتهادات متعددة يمكن تسميته انتفاضة أو هبّة ويعكس جوهر ما يقوم به الشباب، نافياً أن يكون ذلك بسبب البطالة؛ مدللاً بأن الحراك في داخل فلسطين أساسه طلبة الثانوية والجامعات، الذين هم ليسوا عاطلين عن العمل، لافتاً إلى أننا عندما نتحدث عمّن أعمارهم تحت 15 سنة، فإننا إنما نتحدث عن 40% من الشعب الفلسطيني.
كما رأى أن حركة مقاطعة إسرائيل «BDS» أكثر حضوراً في الجامعات، وعالمياً هي حاضرة أكثر في أميركا وبريطانيا، متعجباً أنّ هذا الموضوع حراك شبابي شعبي يأتي من دون رأس.
وتحدث رمضان عن أنّ الانتفاضات المعاصرة في فلسطين المحتلة، ابتداءً من انتفاضة الأرض في السبعينيات وصولاً لانتفاضة الحجارة، ومن ثم انتفاضة الأقصى، كانت تحدث في ظل وجود مركز سياسي فلسطيني موحد لا يعلو فيه على العلم الفلسطيني أي علم فصائلي، مضيفاً أن المشهد الفلسطيني كان بما له وما عليه مشهداً ينطلق من أن الهوية النضالية الفلسطينية بجوهرها المقاوم هي المشهد الموحّد، وأنّ أي خلافات تقع بين الفصائل والتنظيمات وأدوار النظام الرسمي العربي كانت تندرج تحت خيمة واسعة اسمها منظمة التحرير.
وشرح بأنّه حينما انطلقت الانتفاضة في عام 87 لأسبابها كانت تستند إلى رافعة كبيرة اسمها الوعاء السياسي بما له من متطلبات اقتصادية وتعليمية، مناقشاً فكرة عدم وجود عمل سياسي انتفاضي داخل فلسطين، متحدثاً عن 8000 أسير و500 أسيرٍ جديد، باعتبارها أعداداً تحتاج روافع.
ولفت رمضان إلى أننا نتحدث عن حراك شعبي شبابي جوهره استخدام أساليب غير معتادة، مستدركاً أننا وفي ظل المشهد السياسي الفلسطيني المنقسم على نفسه ومشهد الهوية المتراجع للخلف لصالح مراكز ومشاريع في ظل الانقسام، نجد أنّ هذا الحراك لا يمكن أن يساعد على رأب الانقسام.
وتطرّق إلى الراهن العربيّ، والتأثير على الحالة الفلسطينيّة، خالصاً إلى أنّ الاصطفاف الإقليمي المركّب والمعقّد يجعل من المشهد الفلسطيني السياسي أصغر بدلاً من أن يكون المشروع النضالي.
ورأى أنه، وبعد اندلاع ما يسمى «الربيع العربي» أو (الانتفاضات العربية) في تونس والجزائر والمناطق العربية، بدأت حركة شبابية لم تستقر بعد لافتقادها لقيادة وبرنامج ورؤية، واجداً أنّ ما يحدث في فلسطين يرينا أنّ الحركة الشابة تنتفض على الاضطهادات الوطنية السياسية الكاملة، معرباً عن أسفه لأن تكون من دون قيادة أو رؤية، ملمحاً إلى أنّ المشهد الفصائليّ، حتى مع بيان (التنظيمات الخمسة)، لم يكن له موقفٌ حاسمٌ يكون فيه الاجتماع النضالي أهم من الاجتماع التنظيمي، مضيفاً أنّ مشكلةً مهمّةً في العمل التنظيمي الحاصل بعد انقطاع 50 سنة تكمن في أنّ الاجتماع التنظيمي بين (القوى القومية واليسارية) عند أركان هذه التنظيمات هو أهم من اجتماعهم النضالي.
ومن ذلك، خلص رمضان إلى أنّ المركز الحاكم في الكيان الصهيوني قرأ المشهد منذ العام 2010، وشعر أنها اللحظة التاريخية من أجل تنفيذ مشروع يهودية الدولة، مدللاً بـحوالي750 ألف مستوطن في الضفة الغربيّة منهم 150 ألف مسلح، مهتماً بأنّ الأسلحة التي وزعت الآن نتيجة الترويع تعطينا فكرةً عمّا يفوق 400 ألف قطعة سلاح بين المستوطنين أو سكان الكيبوتسات أو سكان المدن.
وحذّر من أنّ هذه الكتلة هي مدعومة، باعتبارها رأس الرمح في مشروع يهودية الدولة الذي يتقاطع مع مشروع الظلام الذي يعم المنطقة، موضّحاً أنّ هذا المشروع بدأ سلاحه بالدم، كما أن هذه الدولة التي من المفروض أنّها نشأت منذ عام 48 عادت بجوهرها كحركة استيطانية يحكمها العقل الاستيطاني العنصري، إذ عملت في السنوات الماضية على انسداد الأفق السياسي للمشروع الفلسطيني، وهو ما خلق المعاناة الصعبة للشباب.
ورأى أنّ الشباب الفلسطيني لم ينتفض حتى الآن، عاداً ما يجري في فلسطين إنّما هو بداية القطار والسكة للمشروع التحرري الفلسطيني. ولم يتفاءل رمضان كثيراً حيال (مطبّات) المستقبل القريب، لافتاً أنَّ هؤلاء الشباب يدركون أن القصة مع الكيان الصهيوني هي قصة احتلال وليست فقط تحسين ظروف سجنائهم أو ظروف الاعتقال أو الظروف الاقتصادية، مذكّراً بأنّ الواقع الاقتصادي في فلسطين منذ بداية استلام السلطة إلى الآن جرى خلاله تدمير الاقتصاد الإنتاجي والزراعي لصالح التجار من 20 سنة حتى اليوم، بسبب ما يفرض من ضرائب على المواد تصل إلى 17% ، مشيراً إلى أن الشباب الآن وأمام هذه الصورة يتحولون من ذئب متوحد إلى حركة متوحدة، مدللاً بعشرين عاماً من 93 – 2013.
ورأى أنّ ما يجري في فلسطين الآن هو إعادة صياغة للمعادلة، وأنّ ما يقوم به الشباب قد يكون أثّر جانبياً، موضّحاً أننا في وضع رسمي عربي، وأنّنا نواجه تحدياتٍ أمام كلّ الروافع المالية والحواضن، شعبيّةً كانت أم رسمية.
وأعرب رمضان عن أسفه أمام معادلة الشعب الفلسطيني بهويته النضالية التي تداعت الآن؛ لافتاً إلى أنّ المكونات الأساسية الثلاثة للشعب الفلسطيني، وهي الضفة الغربية وغزة وفلسطينيو الشتات، تعاني كثيراً من عدم التنسيق.
أم القضايا
واهتمّ الدكتور محمد فرغل بأننا ونحن نحلل الانتفاضة يجب أن يكون تركيزنا على الهدف، وكيف يمكن تحويلها واستثمارها كفرصة ليس على المستوى الفلسطينيّ فقط.
وانطلق من أنّ القضية الفلسطينية تعيش في وجدان كل مسلم بصرف النظر عن موقف الأنظمة واتفاقيات أوسلو والجانب الفلسطيني، مشيراً إلى أن كل إنسان عنده انتماء لدينه وعروبته يتمنى أن يسهم في كيفية إيجاد هذه الفرص.
ولفت فرغل إلى أن المجتمع الإسرائيلي يسير باتجاه اليمين والتطرف بسبب زيادة عدد المستوطنين الذين تتراوح أعدادهم بين 500-750 ألف مستوطن في الضفة الغربية، خصوصاً إذ خلقوا حالة من التطرف الرسمي الإسرائيلي كونهم يريدون التواجد في الحياة الإسرائيلية.
وأكّد أن التهديد الإسرائيلي اختلف ولم يعد تهديد دول، فحتى إيران لم يتم ذكرها، مضيفاً أن بعض الخبراء الإسرائيليين انتقدوا المؤسسة العسكرية مقابل الاستراتيجية من حيث تغييب إيران كتهديد على إسرائيل.
وأضاف أن التهديد الرئيسي لإسرائيل والذي تتفق عليه جميع الجهات الإسرائيلية وتعدّ العدة له يتمثل في التنظيمات الإرهابية المتطرفة، فهم متفقون على وجوب حسم أي عمل داخلي بسرعة، فإذا كلفوا بعملية داخلية على غرار غزة ستكون أشرس واعنف، وساق فرغل نظرة العسكريين المحترفين في أنّك إن استطعت أن تتجنب الحرب فتجنبها.
وأعرب فرغل عن أسفه لأنّ الدول العربية لم تعد تذكر قضية فلسطين في مؤتمراتها وفعالياتها السياسية واصفاً الأمر بـ «المحزن», مؤكداً أن الأردن ما تزال هي الدولة الوحيدة التي تضع قضية فلسطين قضية أساسية، لافتاً إلى أنّه وفي المنظور الدولي والعربي، لم تعد القضية الفلسطينية أم القضايا، مؤكداً على خطورة هذا الأمر.
وكاشف بالهدف الذي نريد تحقيقه في النهاية: هل هو في إثارة بلبلة داخل إسرائيل؟!، مضيفاً أن أدوات التعامل مع إسرائيل رسمياً غير واردة، لأنهم أخرجونا من منظور التهديد، فبالتالي لم يعد هناك سوى القوى الناعمة التي تمثلها حركة «BDS»، مشيراً إلى أن من يتابع الانتفاضة ووسائل التواصل الاجتماعي في إسرائيل يدرك مدى خطورة هذه الوسائل.
وقال فرغل إنّ لحركة «BDS» تأثيرها على إسرائيل، من خلال الاستراتيجيات والتوجهات سواء في المقاطعات الأكاديمية أو منتجات المستعمرات، لافتاً إلى أنّ بعض القرارات الأوروبية لها تأثيرها السلبي على إسرائيل، وتدعم النظام الفلسطيني.
وعدّ أن حركة «BDS» مؤثرة تستوجب دعمها شعبياً، طامحاً إلى استراتيجيات وقيادة قوية، معللاً ذلك بأنّ الهبّة قامت ولا يوجد لها قيادة، متسائلاً: هل يمكن إيجاد شيء من التوجيه أو القيادة وتحويل ذلك إلى استراتيجية وطنية وعربية شاملة؟! واجداً أنّ هذا الجهد يمكن استثماره ودعمه، لأننا في النهاية أمام مسؤوليّة توجب علينا صياغة الهدف ووضع الوسائل والاستراتيجية التي تحققه.
ورأى فرغل أن استراتيجية جعل الإسرائيليين يعيشون في حالة قلق دائم على حياتهم قد تكون استراتيجية ناجحة ويمكن استخدامها، بحيث يظلّ الإسرائيلي يشعر بعدم الأمان، وبالتالي فإنّ الترويع هو الأداة، لكي يدرك الإسرائيلي أن استمراره في احتلال الأرض لن يجدي، لأنّ الفلسطيني ما يزال موجوداً بالرغم من كلّ الظروف.
وقال إن أيّ جهد فلسطيني في الداخل من دون امتداد ودعم عربي، وليس بالضرورة أن يكون رسمياً، تظلّ فرصته في النجاح ضئيلة، مؤكداً أهمية استثمار أدوات القوى الناعمة لتعرية إسرائيل، وهي الأدوات المتمثلة بالحركات العالمية، إضافة إلى تكثيف الجهود في تنظيم وإيجاد قيادة للانتفاضة لتستمر، إذ إننا لا يمكن أن نربح قضية من دون تضحيات.
وعدّ فرغل صياغة الأدوات من أهم الأعمال التي يجب العمل عليها على المستوى الشعبي، باعتبارنا نملك العقول والمفكرين، وبالتالي فإنّ هذا (الترويع) يُعدّ ضروريّاً للضغط على المؤسسة الرسمية الإسرائيلية لتغيير سياساتها، لافتاً إلى موضوع التعامل العنيف الإسرائيليّ الذي أصبح سياسة واضحة وقرارات تبيح قتل أيّ شخص لمجرد الاشتباه.
العنصر الشبابي
وعاد المحامي سفيان الشوا إلى عام 1965 الذي (كنا) فيه بحاجة لثورة، ماراً بحركة فتح، متعجباً: للأسف تغيّر كلّ شيء بعد 50 سنة من قيام الثورة.
واعترف الشوّا بأنّه ما من أحدٍ يحب أن يموت مجاناً، مستدركاً: (ولكن الشباب الذين انتفضوا في انتفاضة الحجارة ثم انتفاضة القدس، انتفضوا في انتفاضة السكين التي اسموها «هبّة»، لا انتفاضة، لأسباب معروفة.
ورأى أنّ على (الشباب) أن يتحركوا، أمّا الإعلام فعليه أن يُحرك الجيل القادم، في ظلّ التنسيق الأمني الحاصل، مشيراً إلى أنّ فلسطين أصبحت أربعة أجزاء كما أنّ الضفة الغربية محكومة من قوات إسرائيلية.
وتحدث الشّوا عن غياب العمل المؤسسي، متطرقاً إلى منظمة التحرير والمجلس التشريعي وغياب القواعد الشعبيّة الطموحة إلى بناء دولة المستقبل، معايناً حال الشرطة والوضع الصعب لغزّة، ولذلك يتحرّك هؤلاء الشباب من دون قيادة.
كما تطرّق إلى أحكام محكمة لاهاي ضد (الجدار)، التي لم ينفذ منها شيء ، بعد حالة التفاؤل بكون فلسطين دولة مراقبة. واهتم الشّوا جداً بعنصر الشباب في المشروع المستقبلي لفلسطين.
حل الدولتين
قال المهندس بسام أبو غزالة أنّ الكلفة عالية جداً حين يُقتل شاب فلسطيني مقابل طعن أحد المستوطنين أو الجنود، إلا أنّه رأى أنّ هذه الهبّة قد تكون أرسلت من الله لتحريك القضية الفلسطينية.
وتساءل عما إذا كانت «عميرا هاس» وأمثالها من الإسرائيليين ممن يسمون أنفسهم بـ (أصدقاء الشعب الفلسطيني) هم حقاً أصدقاء للشعب الفلسطيني، أم أنهم فقط لا يعجبهم الظلم الإسرائيلي الواقع على الفلسطينيين، وأنّ لديهم الاستعداد لإحقاق الحق بأن تعود فلسطين لأصحابها كاملة.
ورأى أبو غزالة أنّ حل الدولتين لن يتحقق في ظل الاستيطان، ولن يستطيع أي زعيم إسرائيلي إخراج هؤلاء المستوطنين من الضفة الغربية، مشيراً إلى أن قيام شارون بإخراج المستوطنين من غزة كان من مصلحة إسرائيل بسبب أنّها لم تستطع الاستمرار.
وأضاف أن انسحاب المستوطنين من الضفة شبه مستحيل؛ إذ لم يجرؤ أي زعيم إسرائيلي على فرض انسحاب هؤلاء المستوطنين.
ردود عبد الرحمن
وفي ردّه على التساؤلات والتعليقات، رأى الدكتور أسعد عبدالرحمن أنّه لا يجوز ولا بأي شكل من الأشكال أن يكون الاحتلال غير مكلف؛ منبّهاً إلى أنّ الاحتلال قائمٌ ونامٍ، ويغيّر المعالم، مشيراً إلى أنّ الانتفاضة الأولى كانت في أوج الغزل الإسرائيلي بالاحتلال، وزاد عبدالرحمن: فهو احتلال مزدهر وكان يصب عليهم مليارات الدولارات من السوق الفلسطينية، كما أن الوضع الاقتصادي كان منتعشاً في مناطق الاحتلال، لكن المسألة لا تقف عند حلول اقتصادية، وبالتالي يجب أن نجعل هذا الاحتلال مكلفاً.
وتطرّق عبدالرحمن إلى نموّ (الهبّة)، مناقشاً تبنّي هذا البرنامج من وثيقة الأسرى ومن اجتماعات إطار القيادة المؤقتة في القاهرة مرتين قبل الهبّة في مصر، خالصاً إلى أنّ البرنامج موجود والرؤية واضحة، أما المشكلة فتكمن في الأدوات.
ورأى أن التنسيق الأمني يعدّ مشكلة، وأنّ هناك إجماعاً على ضرورة إنهائه، مشيراً إلى أنه جرى تباطؤ في ذلك، لذا جاءت بيانات القوى الخمسة وتحدث قادة من اللجنة المركزية لحركة فتح والجهاد الإسلامي، مضيفاً أن هناك إجماعاً فصائليّاً بما فيه فتح وحماس وبيان الخمسة يوم 22 الشهر الماضي، وموقف المستقلين، مؤكداً فضل هذه الانتفاضة في تغيير الخطاب الرسمي الفلسطيني.
وفيما يخصّ الدور الأردني قال عبدالرحمن إنه في الوقت نفسه سعيد جداً وحزين جداً، فهو سعيد جداً لأن هناك موقفاً إيجابيّاً على هذا الصعيد وحزين جداً لأنه موقف يتيم، مضيفاً أنه يريد دولاً غير الأردن في أخذها مثل هذا النوع من المواقف، استناداً إلى أنّ اليد الواحدة لا تصفق، مؤكداً أن السلبيات الفلسطينية تتمثّل في أنه لا يوجد دعم فلسطيني للموقف الأردني، إذ وقعت سلبييات مؤسفة، ولكنّها بحمد الله وبحكم الأخوة التاريخية المصيرية المجتمعية والاقتصادية والسياسية تم تخطيها.
وحول حقيقة إذا كان الموت هدفاً، قال عبد الرحمن إن هناك من يأسوا من شكل النضال الفلسطيني ؛ فهبوا لينتفضوا، معترفاً بأنّ هناك نوعاً من اليأس، مستدركاً أنّه يأسٌ يحمل أملاً بالتحرر، مارّاً على الشعار الإسرائيلي التاريخي (يموت الكبار ويُنسى الصغار)، خالصاً إلى أننا وبالنسب الدّالة مجتمعات فتية لم تنس ولم تمت، متسائلاً: هل الشعلة ما تزال متوهجة في صدور هؤلاء الشباب؟!، مهتمّاً بأنّ هؤلاء لا يثورون لأسباب اقتصادية أو (يأساوية)، وإنما لأسباب وطنيّة، بمعنى (حركة تحرر مقابل حركة احتلال).
وأشار إلى إحصاءات عديدة تشير إلى أن الإسرائيليين يدركون بأعماقهم حتى لو لم يقولوا بأنه لا أمل لهم بالتخلص من هذا الشعب، مضيفاً: ومن سوء طالعهم، والبعض يقول ذلك، أنهم جاءوا إلى أرض الرباط والحشد وجاءوا إلى الشعب الجبّار، وذلك ما رآه يشكّل مصدر قلقٍ للإسرائيليين ليس فقط خوفاً، وإنّما بسبب جملة من الشكوك عن جدوى مشروعهم الصهيوني، مدللاً بأنّ هناك كتابات عن ما بعد الصهيونية. وتحدث عبدالرحمن عن الحلم بقوله إننا كنا نأمل أن تتحرر كامل فلسطين في عهدنا، والآن نقول في عهد أبنائنا أو في عهد احفادنا، لكنّها في النهاية ستتحرر ، وسنبني لهم على هذا الإطار.
وأكّد عبد الرحمن دور حركة المقاطعة «BDS» ونشاطاتها، مؤكداً أن هذه الحركة جزء من الإبداع الفلسطيني، مشيراً إلى أن جنوب إفريقيا مارس هذا النوع من المقاطعة، لكن أميركا وأوروبا كانت معهم، فهؤلاء ينحتون في الصخر، وذكر أنّ250 مؤسسة مدنية فلسطينية تجتمع على هذا الموضوع، متحدثاً عن ردّة الفعل الإسرائيليّ بتشكيل وزارة لمكافحة حركة «BDS»، وهي حركة المقاطعة وعدم الاستثمار وفرض العقوبات.
ورأى أنّ المشهد الفلسطيني منقسمٌ على نفسه رسمياً وفصائلياً، لكنه شعبياً ليس كذلك، متمثلاً باستطلاع للرأي العام يبيّن أن الناس موحدة، كون الاحتلال هو الصانع الأول لأي مقاومة، إذ لا يوجد أحد يقاوم إن كان يعيش حالة رخاء وحرية وتقرير مصير.
وأكّد عبد الرحمن أن الانقسام في العامل الإقليمي مؤثر لدرجة أنه لم يعد هناك قرار فلسطيني مستقل أو حتى شبه مستقل، مناقشاً تطوّر الواقع الفلسطينيّ والعربي الرسمي والإقليمي ثم الدولي.
وشدّد على أنّ الترويع ليس هدفاً، بل هو تأكيد تكتيك من أجل البعد الشخصي، باعتبار إسرائيل كلّها قائمة على الهجرة والهجرة المعاكسة، خالصاً إلى أنّ (الترويع) مهمٌّ؛ إذ يتم النظر إلى الهبّة بوصفها حركة فلسطينية ضدّ الاحتلال، والمستوطنين.
وبرر عبدالرحمن (الكلفة العالية) وكوننا (نتألم) بأنّه لا بدّ من من ذلك مع الإسرائيليين، عاداً «عميرا هاس» وكل حركة «ميرتس» أصدقاء، طالما أن الشعار الذي أجمعت عليه الفصائل هو الدولة الفلسطينية على حدود 67، ومستدركاً: (ولكنّ هؤلاء لن تصل صداقتهم معنا إلى أن يقبلوا ببرنامج في حق عودة فلسطين كاملة لأصحابها، أو ببرنامج الجبهة الشعبية، مضيفاً أنه ليس مطلوب منهم ذلك).
وبخصوص الدولة الواحدة، قال عبدالرحمن إنه لا يعرف شخصاً في المجتمع الإسرائيلي كافة يؤيد الدولة الواحدة غير «ألن بابي»، نافياً أن يوجد أيّ إسرائيلي مهما بلغت صداقته يقبل بالدولة الواحدة.