إسرائيليا: “الهبة الفلسطينية” بين “الإرهاب” و”المقاومة”

يزخر الإعلام الإسرائيلي، صحافة وإذاعة وقنوات فضائية، بمقالات وتصريحات تدعو الحكومة الإسرائيلية إلى التشديد في قمع “هبة ترويع الإسرائيليين” الفلسطينية أو ما يسميه ذلك الإعلام موجة “الإرهاب” الجديدة التي تعيشها الدولة الصهيونية، وماضيا في تفصيل ما هية الإرهاب من وجهة نظره وكيفية مواجهته بسبب ارتفاع آثاره “السلبية” على المجتمع الإسرائيلي. ويقول (نداف هعتسني) في مقال بعنوان “في مدينة القتل”: “صحيح أن وزير الدفاع محق بأن ضبط النفس ورباطة الجأش هما أحد المفاتيح لانتصارنا، ولكن ضبط النفس والعض على الشفتين يجب أن يكونا من نصيب الجمهور الغفير، بينما من المتوقع من الجيش والحكومة أكثر بكثير. نتوقع منهم أن يستخدموا الخيال، الجسارة، الابداعية والهجومية. فليتصدوا للهجمة الجديدة من العدو بحكمة وبكسر للادوات وان يضربوه ضربة واحدة شديدة”. ويفصل بشأن كيفية مواجهة “وسائل التحريض الفلسطينية”: “الشرير الكبير الواقف امامنا يهزم بالقوة، وليس بضبط النفس وبالاحتواء. ينبغي لأهالي كل فتاة محرضة ان يعرفوا بان حياتهم نفسها ستتحطم بحيث لا تعود قادرة على الانبعاث من جديد، وعليه فيجدر بهم أن يغسلوا ما تبقى من غسل العقول من الرأس الاجرامي لابنتهم. ينبغي أن يعرف كل من يوزع السكاكر او يطلق هتافات الفرح لافعال الذبح بان من شأنه أن يدفع ثمنا باهظا لا يقدر وان لن يخرج نقيا. هكذا فقط نتمكن من منع استمرار مدينة القتل”.

وقد تمادى الكثير من الكتاب والمحللين والسياسيين الإسرائيليين في دعواتهم لقمع “الهبة”. ففي مقال ناقد، كتب (جدعون ساعر) الوزير الأسبق وأمين عام الحكومة خلال الانتفاضة الثانية، والباحث في معهد الأمن القومي: “برغم أن الانتفاضة الحالية تختلف في خصائصها، لكن يمكن التغلب عليها. إن التعامل مع الأحداث بوصفها سلسلة من عمليات “إرهاب أفراد” خطأ. إنه صراع قومي. وتقف وراء موجة العنف الحالية جميع الفصائل الفلسطينية التي تشجع على العنف وتدفع نحو التصعيد، وتتوقع أن تربح من مسار العنف الذي في نظرها سيؤدي إلى خلط الأوراق. من الواضح تماماً أن الحكومة متخلفة كثيراً عن الأحداث، وهي تتخذ في وقت متأخر جداً خطوات كان يجب اتخاذها منذ البداية عندما كان تأثير الأحداث أقل”. أما المحلل العسكري (رون بن يشاي) فكتب يقول: “إن استمرار موجة الإرهاب يحصد ضحايا من بيننا يومياً، بالاضافة إلى ثمن اقتصادي ونفسي يدفعه مواطنو إسرائيل والمؤسسة الأمنية. والأخطر هو أن موجة ارهاب تتغذى من ذاتها يمكن أن تتحول بين لحظة وأخرى، نتيجة خروج حدث عن السيطرة، إلى انتفاضة شعبية واسعة النطاق ومدمرة. لذا يجب العثور على السبيل الذي يؤدي إلى الاضمحلال السريع للجنون القاتل الذي يجتاح مناطق الضفة الغربية”. من جهته، ولو بنبرة مختلفة، يقول المحلل السياسي (ديمتري شومسكي): “يشكل الإرهاب الفلسطيني مكوناً متطرفاً وغير شرعي لمقاومة شرعية ومحقة للشعب الفلسطيني ضد مشروعي الاحتلال والاستيطان الإسرائيليين. ومحظور تشجيع محاولات قتل يهود يقوم بها إرهابيون فلسطينيون مع استعداد واضح في أغلب الأحيان للموت، بما في ذلك الهجوم على مواطنين أبرياء من كبار السن والأطفال والمصلين”. ويضيف: “الإرهاب الفلسطيني يعرقل مجدداً تحقيق الهدف السياسي للزعامة الحالية المعتدلة للسلطة الفلسطينية: إنهاء الاحتلال وتقسيم عادل للسيادة في البلد بين (شعبين)”.

في ظل المغالطات المتعددة لهؤلاء وغيرهم كثيرون، نعلم علم اليقين أن “الإرهاب” هو نوع من العمليات، عادة ما يلجأ له المظلومون، تماما كما يؤكد التاريخ: الفرنسيون ضد النازية الألمانية، الصينيون ضد اليابان، الفيتناميون ضد الولايات المتحدة الأمريكية. لذا، من السخرية إعلان الحرب على المقاومة باعتبارها إرهابا، فالإرهاب هو إخافة الضحايا ودفعهم للاستسلام لإرادة الإرهابي، فالفرنسيون والصينيون والفيتناميون لم يكونوا هم الإرهابيين بل كانت ألمانيا النازية واليابان والولايات المتحدة. وعليه، تظهر معادلة: “الإرهابي يقابله مقاوم”، “فإرهاب/ حرية” شخص ما هو إلا مقاومة لإرهاب آخر. وفي سياق توضيحي، كتب الناشط السياسي الإسرائيلي (أوري أفنيري)، في مقال بعنوان “عهد السخافة”، يقول: “الإرهابي يذهب إلى سوريا. لكن في فلسطين، المتدين والعلماني كلاهما، يشارك في الهبة من أجل الحرية. لقد نجح الفلسطينيون في استخدام التخويف كسلاح دون إطلاق رصاصة واحدة فأجبروا الإسرائيليين على البقاء في منازلهم”. ويضيف: “لقد كان للإعلام الإسرائيلي دور في تعزيز مسألة الخوف وانتشاره. فهذا الإعلام هو أفضل صديق للإرهاب، الذي ثبت أنه لا يزدهر دون إعلام”. ويتابع: “كذلك، فإن ثاني أفضل صديق للإرهاب هم السياسيون، فالسياسي يستحيل عليه مقاومة رغبة ركوب موجة الرعب”. ويختم (أفنيري) باستخلاصه الكبير الدائم: بدون حل سياسي وقيام دولة فلسطينية، لن يخمد بركان المقاومة والانتفاضات الفلسطينية.