الذين لا يريدون حل “السلطة الفلسطينية”: قناعاتهم ومصالحهم

تأسست “السلطة الفلسطينية” ككيان سياسي فلسطيني معتمد على “تفاهمات أوسلو” وبدعم دولي، وكذلك على القوى والأجهزة “الأمنية” الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة كآليات تفعيل الهيمنة، مثلما ارتكز على قاعدة جماهيرية كبيرة لحركة فتح وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية المتحالفة معها. وفي المحصلة، اتضح أن هذه “السلطة” لا تمتلك أي “سلطة” حقيقية لإدارة أمورها أو أمور شعبها، وأنها مرهونة بإرادة سلطة الاحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي جعلها أسيرة عدم تطوير المشروع الوطني الفلسطيني نحو الاستقلال الناجز.

ومع تواصل واستمرار “هبة ترويع الإسرائيليين” الفلسطينية، عاد إلى السطح مجددا موضوع حل “السلطة” أو انهيارها. وهذا ما اتضح من استطلاع للرأي أجراه “المركز الفلسطيني للسياسات السياسية والمسحية” بالتعاون مع مؤسسة “كونراد أديناور” في رام الله حيث أن: “66% (71% في غزة و63% في الضفة) يؤيدون تطور المواجهات الراهنة إلى انتفاضة مسلحة، لأن ذلك سيساهم في تحقيق الحقوق الفلسطينية التي فشلت المفاوضات في تحقيقها”. كما اتضح أيضا أن “68% من الجمهور الفلسطيني يؤيد التخلي عن اتفاق أوسلو”.

ومع ذلك، هناك فئات (خارجية وداخلية) لا تريد حل “السلطة”، وكل فئة لها أسبابها وقناعاتها ومصالحها:

أولا: الإدارة الأمريكية (رغم انشغالها أكثر بالقضايا الأخرى في منطقة الشرق الأوسط). ولعل أوضح تعبير جاء على لسان وزير الخارجية الأمريكية (جون كيري) الذي حذر مؤخرا من تفكك السلطة الفلسطينية، ومن تأثير ذلك سلبا على إسرائيل. وسرعان ما تبعته المرشحة للرئاسة الأمريكية (هيلاري كلينتون) حين انتقدت القادة الإسرائيليين الذين يرفضون رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس كشريك محتمل للسلام، وحذرت من أن البديل لعباس قد يكون “داعش”.

ثانيا: الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وعلى رأسها الجيش حيث لطالما اعتبروا أن “السلطة الفلسطينية الحالية” مصلحة إسرائيلية خالصة، وأن وجودها ضرورة لأمن إسرائيل، وإلا فإن الأوضاع ستعود إلى ما قبل “أوسلو”، أي إلى وضع الاحتلال المباشر وبالتالي تحمل كل تبعات الاحتلال، خاصة بالنظر الى ما قد يسفر عنه ذلك من عودة إلى خيار المقاومة المسلحة كسبيل وحيد لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.

ثالثا: فئات من المتطرفين في المجتمع الإسرائيلي. فبقاء “السلطة”، لهؤلاء، مرادف لتسليم الفلسطينيين بالاستعمار/ “الاستيطان” والتهويد ومواصلة التنسيق الأمني، بمعنى المحافظة على “الاحتلال الناعم”: الهيمنة المطلقة على الأرض، واحتكار الهيمنة الحقيقية عليها، مع إعفاء ذلك “الاحتلال” من التبعات التي تترتب على بقائه على نحو رسمي وبالذات في ضوء ما ينص عليه القانون الدولي.

رابعا: مع حالة عدم الإجماع الفصائلي الفلسطيني على دعم وترسيخ “الهبة” الراهنة، أو أقلها إبقاءها محدودة، تظهر مصالح في حركتي فتح وحماس وغيرهما في الحفاظ على “السلطة”. وعن ذلك، نقلت (عميره هاس) في مقالها “هبة يتيمة”، قول مسؤول فلسطيني دون ذكر اسمه: “اجتمع قادة التنظيمات في رام الله عدة مرات، وأيضا مع ممثلي حماس والجهاد الإسلامي، لكن النقاشات حول كيفية تصعيد وتوجيه هذه الهبة لم تكن جوهرية لأن أغلبية المشاركين المهمين في فتح وحماس لا يعبرون عن مواقفهم الحقيقية”. وبشأن حماس، تستخلص (هاس): “سلطة حماس في غزة مرهونة ببقاء السلطة الفلسطينية في الضفة. فعن طريقها وبسببها يستمر العالم في إيصال التبرعات للتعويض عن الأضرار الاقتصادية التي يتسبب فيها الحصار الإسرائيلي. ووجود السلطة يُمكن من حدوث الحركة، وان كانت ضئيلة، إلى خارج القطاع، فالسلطة هي التي تتفاوض مع مصر حول فتح معبر رفح. وتوسيع الهبة إلى درجة عدم السيطرة عليها يسرع سقوط السلطة، ويحدث انهيارا اقتصاديا وإنسانيا في القطاع سيكون على حساب سيطرة حماس”.

خامسا: المنتفعون من بقاء “السلطة” سواء في حركة فتح أو الفصائل المتحالفة معها. فهؤلاء (أو غالبيتهم الساحقة) يعتبرون “السلطة” واحدة من أهم إنجازات النضال الوطني التحرري الفلسطيني. ومؤخرا قرأت لكاتب أردني، أصيل وحر وغير منتفع من أي جهة، لكنه لربما كان من أبلغ من تحدث عن ضرورة بقاء “السلطة” حين سجل اقتناعه الشخصي بالقول: “إنهم (بإسقاط السلطة) يشطبون لفظ فلسطين في الإعلام الدولي وما تحقق من إبراز للهوية الفلسطينية المضادة للهويّة اليهودية Anti-thesis.. كذلك فالإقتراح يشطب ما تحقق للفلسطينيين من اعتراف أوروبي وغربي بهم، و(يشطب حقيقة) وجود احتلال عسكري في القرن 21 ومستعمرات على أرضهم المغتصبة؛ كما ويشطب ما تحقق، (رغم رمزيته)، من الاعتراف بفلسطين ورفع علمها في مبنى الامم المتحدة ومؤسسات العدل الدولية؛ ويشطب كذلك ما ترسَّخ لدى الدول من وجود شعب فلسطيني، ويلغي الحل الدولي والعربي المتداول للقضية، المُسَمى (حل الدولتين)”. ويضيف: “قد يتطرف المرء فينعت الاقتراح الرامي لحل السلطة -إن تم- بأنه حل يصب في مفهوم اسرائيل- الدولة اليهودية ويميت حل الدولتين، ويصيبُ بضرره وشرره، أمن الأردن -الشقيق المساند. ناهيك عن كارثيته الجديدة على إخوتنا الفلسطينيين تحت الإحتلال وفي الخارج”. وطبعا، في المقابل، ثمة وجهة نظر قوية تدعو إلى إنهاء وجود “السلطة” التي لا تملك أي سلطة! وتصارع وجهتي النظر… مستمر!