هل هي انتفاضة فلسطينية ثالثة؟

 

مع تسارع الأحداث في القدس المحتلة وتوسعها بعد ذلك في مدن الضفة الغربية، عادت لتطفو على السطح مسألة “فرص وقوع انتفاضة فلسطينية ثالثة”. فما يحدث اليوم يعيد للاذهان ذكرى الانتفاضتين الفلسطينيتين في عامي 1987 و1990. مسؤولون من كلا الجانبين، الفلسطيني والإسرائيلي، يشبهون ما يجري حاليا بتصاعد الهجمات العابرة في القدس المحتلة نهاية العام الماضي وليس انتفاضة واسعة ضد الاحتلال. ورغم ذلك يرى بعض المراقبين الفلسطينيين والإسرائيليين احتمال تصاعد الأحداث الراهنة نحو انتفاضة مستمرة، خاصة وأن قوات الاحتلال تواجه الأحداث بمقارفاتها وحلولها العسكرية/ الأمنية، في ظل حكومة إسرائيلية يمينية/ إستعمارية/ استيطانية/ إحلالية تعتقد أن الشعب الفلسطيني قد استسلم… وإلى الأبد.

رغم ذلك، يواصل خبراء الأجهزة الأمنية والمحللون السياسيون في الدولة الصهيونية الجدال حول تعريف ما يحدث، متجاهلين أن القدس تشتعل منذ نحو عام تقريبا، حتى وإن كانت الأحداث غير موجهة ومدارة بشكل مركزي. وعن هذا يقول الكاتب الإسرائيلي (عاموس هارئيل): “أغلبية (الإرهاب) يصل الآن من تنظيمات محلية أو مبادرات شخصية (للمخرب الوحيد). ليس فقط من الصعب الكشف عن هذه العمليات بل أيضا الصعوبة في السيطرة عليها من القيادات خارج الضفة”. ومع التهديدات المستمرة من قبل السلطة الفلسطينية بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، وفي حال تطبيقه، يضيف (هارئيل): “التنسيق الامني نجح لأن السلطة كانت تريد ذلك لأن البدائل بالنسبة اليها كانت خطيرة… يبدو أن هذا النموذج سينتهي، وأحد أسباب ذلك هو اليأس من العملية السياسية… الفلسطينيون يفهمون أن نتنياهو لا يتعاطى بجدية مع حل الدولتين”. ومن جهته، يستخلص الكاتب (يوسي ملمان): “باختصار، الوضع متفجر جدا. كل حادثة حتى وإن كانت أكثرها هامشية يمكنها أن تصبح عملية استراتيجية كبرى ورد فعل إسرائيلي يخرج الأحداث عن السيطرة.. واضح أن الوضع الراهن سيلفظ أنفاسه بهذا الشكل أو ذاك، سواء بانفجار فلسطيني هائل، أو باستقالة محمود عباس، أو إعلان السلطة الفلسطينية حل نفسها، أو انصرافها عن اتفاقات أوسلو، أو كل هذه الأمور معا وبالتوازي أيضا”.

فلسطينيا، هناك عوامل تعاند نجاح انتفاضة ثالثة. ويأتي على رأس هذه العوامل، غياب أفق قريب لاستعادة الوحدة الوطنية مع ترسخ الانقسام الفلسطيني/ الفلسطيني، في ظل فصائل فلسطينية لم تعد فاعلة كما نتمنى، وبسبب وطأة الاحتلال على الشعب والأراضي الفلسطينية، وإلى “ازدهار” اقتصاد استهلاكي ترك آثاره السلبية على قطاعات من مجتمع الضفة ترفض دفع التكاليف الباهظة للانتفاضة، علاوة على أن حصيلة الانتفاضتين السابقتين لم تكن مشجعة، فالأولى انتهت إلى اتفاق أوسلو، والثانية انتهت إلى تبني إسرائيل خطة الفصل العنصري “الأبارتايد” التي ابتدأت بخطة فك الارتباط عن قطاع غزة، وإقامة معازل مقطعة للأوصال في الضفة الغربية، فما بالك بالفاصل ما بين الضفة والقطاع، فضلا عن إحكام الاحتلال قبضته على الضفة بالتنسيق الأمني العلني مع السلطة الفلسطينية.

ربما من أفضل ما كتب ويحاكي الواقع على الأرض، ما كتبه مؤخرا (ناحوم بارنيع): “هذه انتفاضة، الانتفاضة الثالثة. من المهم أن نسميها باسمها.. وتتجسد الانتفاضة الثالثة ليس بسبب غياب الأمل السياسي، بل بسبب غياب كل أمل. لا أمل في الوصول إلى دولة: تبدد الإيمان في السلطة الفلسطينية وبمنافستها، حماس. لا أمل اقتصاديا: الضفة وغزة لا تنتجان شيئا تقريبا، باستثناء أجهزة مضخمة من متلقي الرواتب على حساب الدول الأجنبية. لا أمل من العالم العربي، الذي ينشغل في هذه اللحظة بسورية، بالعراق وباليمن، ولا أمل من القوى العظمى الغربية”. ومن جهتنا، نختم بالتأكيد على الخلاصات التالية:

أولا، لا تأتي الانتفاضات على هيئة شكل واحد بل تأخذ أشكالا مختلفة. فما حدث في دول أوروبا الشرقية مع مطلع التسعينيات من ثورات ملونة ومتلونة، يختلف عما حدث في بعض دول العالم العربي من انتفاضات وأحيانا فوضى، وكله يختلف كثيرا عن انتفاضات فلسطين حيث الحق بيّن والباطل بيّن. وثانيا، الانتفاضات لا تنتظر الإذن من أحد لتشتعل، فهي تفاجئ الجميع مثلما حدث في تونس ومصر وقبلهما مرارا في فلسطين. وثالثا، وقعت الانتفاضتان الفلسطينيتان، الأولى والثانية، في ظل أوضاع اقتصادية مرتاحة بل يمكن القول أنها كانت مزدهرة. وبالتالي، الانتفاضات لا تخضع تماما لعاملي الجوع والبطالة، دون نكران تأثير أهمية هذين العاملين وبخاصة وأن المجتمع الفلسطيني أغلبية من الشباب ومعظمهم عاطل عن العمل. وختاما، فإن ما نشهده – منذ عام أو أكثر – “انتفاضة” عمادها ما تشير إليه الأدبيات السياسية الإسرائيلية باسم “الذئاب المتوحدة” التي تتحرك بمبادرات فردية وغير مؤطرة بالضرورة.