فتح وحماس: “اطلبوا العلم ولو في الصين”!!!

في الأخبار، أنه في اجتماع نادر في بكين، بين الرئيس الصيني (شي جين بينغ) وزعيم الحزب الحاكم في تايوان (اريك تشو)، عرض الرئيس على الزعيم إجراء محادثات “على قدم المساواة” لحل خلافاتهما السياسية، ولكن شريطة أن تعترف تايوان أنها “جزء من الصين”، وهو مفهوم يعارضه غالبية القوميين التايوانيين. وكان هذا اللقاء أول اجتماع بين زعيمي الحزبين الحاكمين في البلدين منذ ستة أعوام. ومع ذلك، بات واضحا أن الطرفين باشرا العمل، بدأب، لإيجاد صيغة تنهي، أو على الأقل “تقنن”، الإنقسام.

في حفل توقيع اتفاق تشكيل “حكومة الوفاق الوطني” في نيسان/ إبريل 2014، أكد الرئيس الفلسطيني وزعيم حركة حماس عزمهما على طي “صفحة الانقسام السوداء” وتجاوز أية عراقيل تعوق التنفيذ الفعلي للاتفاق الذي اعتبره رئيس الوزراء الاسرائيلي (نتنياهو) “ضربة قاسية للسلام”. وفي السياق، اعتقد كثيرون أن تلك الحكومة هي بداية لخارطة طريق فلسطينية لإنهاء الإنقسام وتحقيق المصالحة والوحدة الوطنية. لكن، مع بقاء “حكومة الوفاق”، وبدلا من تعزيز “الوفاق”، أخذت التوترات تتصاعد بين فتح وحماس وسط حملات من الطرفين: إتهامات قوامها أن حماس تشكل “حكومة ظل” في قطاع غزة، وأنها تعد خطة للإطاحة بالرئيس عباس، وأن مبتغاها من اتفاق المصالحة وتشكيل الحكومة هو الإفلات من الحصار والتخلص من رواتب موظفيها(!!!)، فيما طالت الاتهامات الرئيس الفلسطيني كونه يتحرك سلبيا لأنه يخشى من فقدان دوره السياسي، وأنه ليس رئيساً توافقياً ولا شرعياً، وأنه يفشل محاولات إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية ويرفض انضمام حماس والجهاد الإسلامي إليها(!!!).

نعلم أن قرار “المصالحة” ليس قرارا فلسطينيا/ فلسطينيا او حتى عربيا فحسب. فعمليا، ثمة أطراف إقليمية ودولية لها “حصة” في هذا القرار، وإن كنا، نحن الذين نقرر “حجم” تلك الحصة لو أردنا! إذن، الأزمة جد خطيرة، وهناك مساع خبيثة هدفها إفشال المصالحة، علما بأن الحال الراهن هو اليوم: “بلديتان” واحدة في الضفة والأخرى في القطاع في ظل اتهامات متبادلة بأن كلا من الطرفين يتصل سرا بإسرائيل وينسق معها، ربما حتى ضد الآخر. والحال كذلك، فإننا، فعليا، نطبق “كونفدرالية” بين سلطتين مستقلتين عن بعضهما بعد أن حققتا “استقلالهما” الأمني! وعلى الأقل، كنا نأمل (وما كل ما يتمنى المرء يدركه!) أن تتجاوز الحركتان الكبيرتان واقع “الكونفدرالية” إلى “الفدرالية” على الأقل، أي تقسيم السلطات دستوريا بين حكومة مركزية ووحدات سياسية أصغر.

وفي سياق التمني، وقياسا على ما جرى بين بكين وتايوان، نسأل: من يقدم على الخطوة الأجرأ – ربما في تاريخ حركة النضال الفلسطيني، علما بأن أحدا من الطرفين لا يستطيع إقصاء/ اجتثاث الآخر؟ أم أن ثمة أوهام سرابية بقدرات اجتثاثية لا نراها في الأفق؟! بمعنى، أي من الطرفين الفلسطينيين الكبيرين سيثبت للشعب الفلسطيني أنه يضحي بالمصالح الحزبية والأهواء والمناصب السياسية والاجتماعية؟ وأصلا، لم لا يكون، من يفعل ذلك، كلاهما؟! وفيما عدا ذلك، سيسجل التاريخ أن حركتي فتح وحماس، رغم القوى الخيرة فيهما، مسؤولتان مسؤولية كاملة، ولو بفارق قد يزيد أو يقل في الدرجة، عن تدمير النسيج الوطني والاجتماعي الفلسطيني، والمساهمة (غير المباشرة قطعا) مع الأيدي الخارجية في القضاء على القضية الفلسطينية. هنا، قد يقول قائل: إنما أنت/ أنتم تتصرفون بحياد أين منه حياد سويسرا؟!!! أو إنما أنت تقوم/ تقومون بدور: إطفائية الحرائق! ونقول، في الحالتين، نعم، أوليس الحياد أو إطفاء الحرائق أفضل من إيغار الصدور وإشعال الحرائق؟

صحيح أن الانقسام ليس مجرد صراع على السلطة، بل انعكاس لخلاف سياسي/ أيديولوجي/ تنظيمي عميق، واختلاف بين رؤيتين في العمل الوطني بين حركتين لم تتمكنا حتى الآن من التوافق الحقيقي على قضايا جوهرية عديدة. وبانتظار التوافق، نستذكر جملتين: الأولى، للرئيس الشهيد ياسر عرفات الذي قال: “إن القضية ليست قضية “أبو عمار” إنما قضية حياة الوطن واستقلاله وكرامة هذا الشعب وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف”. والثانية، للزعيم الشهيد الشيخ أحمد ياسين حيث أعلن: “والله لو جاءتنا السلطة على طبق من ذهب لرفسناها بأرجلنا وركلناها.. نحن لا نريد سلطة، نريد حلاً لقضيتنا”.

إن فشل التوافق الفلسطيني، حتى الآن، نابع من تغليب المصالح الخاصة والفئوية والتمسك بالسلطة وامتيازاتها، وبالتالي تلاشت الاتفاقات (حتى لو كانت اتفاقات محاصصة) الأمر الذي يشرعن ويكرس الإنقسام والإنفصال. الأساس هو الابتعاد عن مثل هذا “التكريس” ولو بتكثيف اللقاءات على أعلى المستويات بهدف توسيع نقاط التلاقي. والآن، وبعد أن طال الانقسام الفعلي الفلسطيني/ الفلسطيني (رغم وجود “حكومة الوفاق الوطني”)، هل نتعلم من الدرس الأخير الذي شهدناه، مؤخرا، في الصين؟!! وقبلها في كردستان؟!!