حلول ضرورية لمعالجة “مرض” التطرف

ظاهرة التطرف الديني، هي ظاهرة عالمية موجودة وعابرة للأقطار وللديانات، أي تحدث في كل بلد وداخل كل دين. والأمثلة على التطرف الديني اليهودي والمسيحي في بقاع الأرض كثيرة، لكننا، اليوم، نسلط الضوء على التطرف الإسلاموي – ولا نقول الإسلامي. فالإسلامويون هم من يخلط الدين بالسياسة والعناصر الإجتماعية والثقافية وغيرها، ويؤسسوا جماعات هدفها فرض ما يعتقدون أنه منهج إسلامي على غيرهم من أفراد المجتمع لتأسيس دولة دينية، مع إلغاء كل ما لا يتماشى ومفاهيمهم ومعتقداتهم – بعيدا عن قاعدة “الدين المعاملة” – فيما نحن المسلمين العاديين نمارس الدين كنظام عبادات وفق ما أراده رب العالمين، وليس كما يحاول بعض “الدعاة” الذين فرضوا أنفسهم علينا!.

ومن أجل مواجهة التطرف، بكافة أشكاله، ثمة حلول عديدة لعل من أبرزها: مناهضة كل مسعى يستهدف “تديين السياسة” أو “تسييس الدين”! فأي فكر سياسي ينمو ويتعثر ويخطئ ويصيب، وما من ضمانة مسبقة لصلاحيته واستمراره كوصفة نموذجية لكل البشر وفي كل الأوقات. لكن هذا الفكر السياسي عندما يؤدلج حسب دين معين، فإنه سيقيس الصواب والخطأ في ضوء أفكار عقيدية مسبقة. بالمقابل، كل قيادة سياسية تعتمد منظومة عقائدية ما لابد أن تحدث هوة بينها وبين فئات من الشعب مقرونة بخلل في علاقاتها الخارجية. ولقد بات واضحا أن “تديين السياسة” أو “تسييس الدين” مسألتان تؤديان، حتما، لتلويث الدين بجراثيم السياسة فيتم تشويهه مما يستولد شبابا وأجيالا قد تكره الدين وتسعى – ضمن أمور أخرى – لهجر الوطن بحثا عن الحرية، أو تبقى “وتتدين” فيسقط بعضها في مستنقع التطرف.

هذا يقودنا إلى إنجاز عملية قوامها: فصل الدين.. عن السياسة. فأصل العلاقة في الأديان أنها بين الإنسان وربه حتى لو كان هناك هيكلية هرمية “كنسية” كما عند الأهل المسيحيين والشيعة. فالدين لله والوطن للجميع، وهذا ما نشأنا عليه ونكرسه وما يجب أن نعلمه للأجيال القادمة.

كما يجب التركيز في حالتنا على الوطن الصغير والوطن الكبير، أي على الشعب في هذا القطر أو ذاك، أو الأمة العربية بمجموعها وذلك عبر (التنشئة، التربية، التعليم وغيرها) مع تحديث مناهج التربية والتعليم، ومعالجة الصور السلبية ضد الآخر بغض النظر عن تبعيته الدينية أو المذهبية من خلال تأصيل فكرة العيش المشترك والحوار اليومي. وغني عن الذكر أن المؤسسات التعليمية، وأخذ عوامل التربية بعين الاعتبار، عنصران أساسيان في معالجة التطرف والانحراف. فالأمن الاجتماعي (وغيره) يرتبط ارتباطا جوهريا بالتربية والتعليم. وبقدر ما تنغرس القيم الأخلاقية النبيلة في نفوس أفراد المجتمع، بقدر ما يسود ذلك المجتمع الأمن والاستقرار. ومن خلال العملية التربوية يتشرب أفراد المجتمع القيم الإيجابية (“الدين هو المعاملة”) التي تغرس في نفوسهم قيم الأخلاق والسلوكيات الحميدة مغروسة بالانتماء الوطني ومشاعر وممارسات الوحدة الوطنية التي تخلق التماثل الاجتماعي الضروري للمحافظة على بقاء الأمن والاستقرار في المجتمع، وهنا تكمن أهمية تنمية المواطنة من أجل خدمة الوطن.

كذلك، فإن من أبرز الحلول احترام جميع الأديان السماوية في منطقتنا، بل إن الاحترام يجب أن يشمل كافة الأديان. والقرآن الكريم أخبرنا أن الأنبياء الواردة قصصهم في القرآن الكريم، ليسوا هم كل الأنبياء الذين أرسلهم الله، وإنما هم بعض الأنبياء والرسل، فقد ذكر القرآن أن هناك من أرسلهم الله إلى أمم أخرى، ولكن لم يقصصهم علينا في القرآن، وإنما أشار إليهم دون تحديد لأسمائهم أو أماكنهم أو زمانهم. ومن هنا جاءت قولة الرسول العربي في “خطبة الوداع”: “إنما جئت لأتمم مكارم الأخلاق”.

التطرف لم ولن يتوقف الا بجهود مجتمعية تنشئ جيلا (ضمنه رجال دين جدد محترفون) بحيث يتم تأهيلهم للتصدي لأي فكر متشدد يحاول التغلغل في المجتمعات. فاستئصال الغلو والتطرف لا يكون إلا من خلال الحوار مع العقول والتعليم المستمر. ومطلوب دوما: فتح باب الاجتهاد وصولا إلى الإصلاح الديني الشامل، أي تجديد الخطاب الديني، وتجديد مناهج التعليم الديني، ونشر وتعليم أفكار “العقلية التشاركية” مقابل “العقلية الاقصائية”، وتصويب المفاهيم الكبرى التي تؤكد ثوابت الدين وتمنع استغلالها من جانب المتطرفين بطرق جاهلة وبالتالي منحرفة.

إذا علمنا أسباب التطرف، يسهل علينا وضع الحلول لمعالجة هذه الظاهرة الشاذة التي هي، في كثير من أبعادها، وليدة واقع مرير كبر مع الأيام بحيث باتت تهدد الإنسان وحضارته وتحوله إلى مسخ قاتل. بالمقابل، عند الحديث عن معاني الوسطية والاعتدال علينا أن نكون صادقين في طرح المفاهيم والأنظمة والسلوكيات حتى يتلمس الجميع في حياتهم وممارساتهم مضامين هذه المعاني المنسجمة مع القول المأثور: “خير الأمور الوسط”.