ظاهرة “الزعماء” في إسرائيل

منذ العام 1977، تغنت الدولة الصهيونية بأنها دولة الحزبين الكبيرين، يتحلق حول كل منهما أحزاب صغيرة متنوعة، تتراوح بين اليمين واليسار، وترتبط بظاهرة الحكومات الائتلافية حيث يصعب على حزب واحد الحصول على أغلبية الأصوات في الانتخابات لتشكيل الحكومة. وعلى النقيض، نجد في بلدان عربية عديدة، ظاهرة الحزب الأوحد (أو الزعيم الأوحد – بدون حزب أحيانا!!) الذي يحتكر الحياة السياسية في داخله مع قلة من الناس لهم امتيازات خاصة، بحيث يبرز من فوقهم ومن فوق الشعب زعيم/ ديكتاتور (في الأغلب الأعم)، عقدته الأولى تكمن في “الأنا المتضخمة”، ما يدفعه إلى عدم احترام آراء الآخرين إلى درجة السخرية المهينة، كي لا نتحدث عن القمع والاضطهاد المباشرين.

اليوم، بدلا من الحزب الممأسس، بدأت تنمو في إسرائيل ظاهرة حزب “الزعيم”، نقيض الديموقراطية. وبحسب تلخيص كاشف يورده لحال الدولة الصهيونية كما هي عليه الآن، يقول الكاتب الإسرائيلي (أوري أفنيري): “أرى أمامي دولة في حالة طوارئ، تلفظ فيها الديمقراطية أنفاسها الاخيرة وتداس حقوق الانسان، وتختفي فيها العدالة الاجتماعية، وتتفشى العنصرية، ويخرب فيها المستوطنون وأذرعهم كل قطعة طيبة، دولة تسارع نحو هاوية لا رجعة عنها”.

هذه الأيام، رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) الذي طالما اعتبر “الزعيم الأوحد” لليمين الإسرائيلي، يجد نفسه في منافسة لم يعتد عليها، ليس فقط في معسكر اليمين وإنما داخل الليكود، خاصة وأن استطلاعات رأي كثيرة تشير إلى ضجر غالبية المجتمع الإسرائيلي منه. في السياق، كتب المذيع الإسرائيلي (آتيلا سومفالفي) مقالا تحليليا بعنوان “عصر الملك نتنياهو انتهى”، يقول فيه: “إن النظام السياسي والجمهوري داخل إسرائيل، فضلا عن المعلقين واستطلاعات الرأي، كانوا يعتبرون أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ليس له مثيل، وأنه لا يمكن أن يحل محله أحد، حتى ذهب البعض لتسميته “الملك بيبي”.. لكن لا يمكن تجاهل التوجه الذي تكشف عنه الاستطلاعات.. لقد أمسى عصر الملوك على ما يبدو خلفنا، فلأول مرة منذ شهور وربما سنوات، يستعد الإسرائيليون لوداع الزعيم الأوحد، الملك، وإعطاء الفرصة لشخص جديد”. ويختم: “الأمر المثير الذي توضحه الاستطلاعات أن الجميع ظلوا يعتقدون لفترة طويلة أن قوة نتنياهو أكبر من قوة حزب الليكود”. ووفق “مركز أطلس للدراسات الاسرائيلية”، فإن (نتنياهو): “يضغط بسرعة ويرتبك بسهولة ويصاب برعشة الأقدام في اللحظة الحاسمة، مما يجعله متردداً يكثر من الالتفات يمينه وشماله وخلفه، يهتم بما يقال وينشر عنه أكثر من اهتمامه بجوهر القضايا، ولديه جبن مستدام إزاء الحسم في القضايا الكبرى إلا ان وجد خلفه وإلى جانبه من يدعمه من الشخصيات الأمنية القوية”. إنها نفس صفات الزعيم الأوحد في دول العالم الثالث.

ومع بدء تلاشي “الزعيم الأوحد”، برزت في إسرائيل ظاهرة “الزعيم” من قادة اليمين واليسار على حد سواء. فمثلا، كشفت صحيفة “إسرائيل اليوم” أن رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” وزير الخارجية (افيغدور ليبرمان) يستعد لإجراء تغييرات في قائمة مرشحي حزبه للكنيست، تشمل إقصاء البعض، ذلك أن الحزب لا يجري انتخابات داخلية وأن (ليبرمان) هو الوحيد الذي يتخذ القرارات بشأن قائمة المرشحين. وفي مقال بعنوان “الأنا المنتفخة”، أعرب وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق (موشيه أرنس) عن اشمئزازه من أحزاب الرجل/ الزعيم الواحد في إسرائيل، وكتب يقول: “هناك تفسيرات كثيرة للتدهور في الساحة السياسية في اسرائيل من وضع تصارع فيه حزبان كبيران وبعض الأحزاب الأصغر الى وضع فيه عدد كبير من الاحزاب الصغيرة تتصارع على تأييد الناخبين. من الواضح أن السبب الحاسم لهذا التغيير هو أن عدة سياسيين، لديهم “أنا” منتفخة، قاموا بأدوار مهمة في قيادة اسرائيل في السنوات الاخيرة، ولم يسلموا بالقيود الموجودة في أحزاب ممأسسة، وتصوروا أنهم يستطيعون شق طريقهم بأنفسهم من خلال اقامة أحزاب جديدة ومحاولة تدمير أحزاب قائمة”. وإلى ظاهرة “الأنا المنتفخة”، يضيف (يوفال يوعز) بعدا جديدا يتجلى في “عدم استقرار السلطة في إسرائيل”، فيقول: “جزء من المشكلة ينبع من عدم الاستقرار في البنية الحزبية في إسرائيل. فالأحزاب تظهر وتختفي، تنقسم وتتحد، ويتحرك السياسيون من حزب إلى آخر بدون تردد. هذه الطريقة تشجع الانتهازيين الذين يعرضون أنفسهم للبيع لمن يدفع أكثر في سوق الاحزاب، وتمحو الهوية الايديولوجية للأحزاب المختلفة، هذا اذا بقيت هوية كهذه. وهذا يخلق أيضا شعورا لدى الناخبين بأنه، بغض النظر عن الورقة التي سيضعونها في الصناديق، فإنهم سيرون نفس الوجوه فوق مقاعد الجلد في الفترة الانتخابية القادمة”!!! وغني عن الذكر أن ظاهرة “الزعماء” هذه تعزز حالة عدم الاستقرار السياسي الداخلي في إسرائيل، مثلما تفاقم من اهتزاز “المضمون الديموقراطي” السابق للدولة الصهيونية!