اجتماع “تنفيذية” منظمة التحرير: توافقات، توجهات، واستخلاصات

في اجتماع “اللجنة التنفيذية” لمنظمة التحرير الفلسطينية الأخير في رام الله (2/11/2014) والتي أحضر اجتماعاتها دوما بصفة “عضو مستقل”، وقع توافق على تكثيف الحملة السياسية للاعتراف بدولة فلسطين بعد أن ثبت أنه ليس ثمة “شريك إسرائيلي”. وتستهدف الحملة توسيع دائرة الدول المعترفة بدولة فلسطين، وعلى رأسها دول أوروبا. كذلك أولى الجميع مسألة الوضع الملتهب في القدس اهتماما خاصا، مع ضرورة توحيد مرجعيات القدس من فصائل وقوى وهيئات. هذا، بالتوازي مع الذهاب إلى “محكمة العدل العليا” وتفعيل القرار حول جدار الفصل العنصري والاستعمار/ “الاستيطان”. كما كان هناك توافق على مسألة الذهاب إلى “محكمة الجنايات الدولية” بعد الذهاب إلى مجلس الأمن الدولي (ولربما الهيئة العامة للأمم المتحدة أيضا).

التوجهات التوافقية لفصائل “المنظمة” في عديد من القضايا تميز بها اجتماع “التنفيذية” الأخير. ورغم الإيمان بأن كافة التوجهات مهمة، إلا أنه كان واضحا الطريق الذي خطته لنفسها قيادة “المنظمة” في مسألة الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، وتأكيدها مجددا بأن الحديث يدور حول دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة في عام 1967 بما فيها القدس الشرقية، مع تحديد مهلة زمنية لإنهاء الاحتلال، والذهاب إلى المؤسسات الدولية وانتهاء بإعادة النظر في مسألة التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال.

طبعا، المجال هنا لا يتسع لذكر ما قاله الجميع، لكن الاجتماع شهد، بحق قدرا عاليا من الدفء في الحوارات، خاصة في ضوء تجربة التفاوض الذي جعلتها إسرائيل عبثية على مدار عشرين عاما. وقد تبلور، على نحو ساطع، موقف رفض البحث في الحلول الجزئية، ورفض السكوت على محاولات حرف القضايا نحو فروعها فحسب. ولذلك، جرى التأكيد على ضرورة الذهاب إلى “مجلس الأمن” قبل نهاية الشهر الحالي لان الاحتلال الإسرائيلي التوسعي/ الأبارتايدي/ العنصري ديناميكي بطبعه، يسلبنا الكثير من الممتلكات والحقوق يوميا، مع التشديد على التفاعل مع الحاضنة العربية (بل وحاضنة العالم الإسلامي) لمؤازرة الموقف الفلسطيني. كما تحدث الرئيس (أبو مازن) بخصوص الولايات المتحدة ودورها، واعتبره جهدا قاصرا حين قال: “لا تكفي إدانة واشنطن للاستيطان وما يجري في القدس. نحن نريد قرارات ملزمة”. وفي ضوء ذلك، اتفق الحضور على “أننا يجب أن لا نرهن عملنا السياسي والمفاوضات بالولايات المتحدة دون غيرها، وهو الأمر الذي يقودنا إلى المواثيق والمؤسسات الدولية التابعة للأمم المتحدة التي علينا أن نتابع الانضمام لها”.

لقد بات واضحا للجميع أن مقارفات الحكومة الإسرائيلية اليمينية على الأرض، تهدف – بغطرسة توسعية – استخدام سلاح “الاستيطان” لمواجهة أي مبادرة دولية لوقف “الاستيطان”!!! وليس أدل على ذلك، من أنها ردت على المبادرة الأخيرة لوزير الخارجية الأمريكية (جون كيري) بوقف الاستعمار/ “الاستيطان” مقابل عدم توجه الفلسطينيين إلى مجلس الأمن، بقرار إقامة المئات من البؤر الاستيطانية الجديدة في القدس المحتلة بالذات، بالتزامن مع اقتحامات يومية للمسجد الأقصى، بالتوازي مع توجيه سياسي، من الواضح أنه متفق عليه إسرائيليا، باتهام الرئيس (عباس) بالوقوف وراء ما أسمته قيادات إسرائيلية “تحريض عباس”. فمثلا، يرى وزير الشؤون الاستخبارية الإسرائيلية (يوفال شطاينتس) أن “النفاق الذي يتبعه عباس أدى إلى وقوع عمليات الدهس في القدس”، واصفاً (أبو مازن) بأنه “ينتحل شخصية ديبلوماسي يسعى إلى السلام بالرسائل التي يوجهها إلى إسرائيل والعالم، لكنه سرعان ما يحرض على الكراهية والإرهاب”. أما وزير الجيش (موشيه يعلون) الموصوف إسرائيليا بالأرعن فيرى أن “عباس كان مسؤولاً عن إراقة الدماء في القدس”، متهماً إياه بالتحريض على “العنف في المدينة”. ويضيف (يعلون) “رئيس السلطة لم يتغير ولن يتغير”، مشيراً إلى أن الرئيس الفلسطيني سيستمر في تشويه “وجه دولة إسرائيل وتحريض الشعب الفلسطيني ضدها، وفي ميادين مختلفة في العالم”. وعلى الصعيد التحريفي التحريضي ذاته، قال وزير الاقتصاد اليميني المتطرف (نفتالي بينيت) إن “أبو مازن هو سائق مركبة الموت في القدس، والمنفذون هم مبعوثوه”، مشدداً أن على إسرائيل اعتبار “حكومة فتح ـ حماس سلطة إرهابية يجب التعامل معها بما يتناسب”!!!

ختاما، كأني بلسان حال أعضاء “تنفيذية” المنظمة يقول: “إن كان الرئيس عباس (الذي هو – في أعين العالم – تجسيد للاعتدال الفلسطيني) قد أصبح موضع “شيطنة” من قبل “الدواعش الإسرائيليين” ممثلين في قوى اليمين (وعلى رأسهم نتنياهو) وأيضا من قبل قوى أقصى اليمين المتطرف (وعلى رأسهم الثلاثي القيادي الإسرائيلي آنف الذكر) فإن على هذه القوى – طال الزمان أم قصر – مواجهة ردود أفعال العرب والمسلمين والأسرة الدولية ضد السياسات/ المقارفات الإسرائيلية ذات الطبيعة الاستعمارية/ التوسعية/ العنصرية.