عصابة “دفع الثمن” الإسرائيلية: الأم والإبن!

لا تتوقف مقارفات المستعمرين/ “المستوطنين” الإسرائيليين عند حد الاعتداء على المواطنين الفلسطينيين، بل يتعدى الأمر تدنيس دور العبادة من مساجد وكنائس، واحراق سيارات الفلسطينيين ومنازلهم وحقولهم، وقطع أشجار الزيتون، ومنع المزارعين من دخول أراضيهم لجني ثمار مزروعاتهم وتهديدهم بالقتل والتنكيل والتعذيب، ترافقها شعارات عنصرية واستفزازية، تنال من المقدسات الإسلامية والمسيحية على حد سواء. وهؤلاء لا يعملون سرا ويكشفون عن هوياتهم وتنظيماتهم وأبرزها شراسة عصابة “دفع الثمن”، التي هي نتاج الأيديولوجية والقيم المتطرفة، وكل ذلك بتواطؤ علني من قبل سلطات الاحتلال التي تمارس الشيء نفسه (لكن بأسلوب القمع “الناعم” و”القانوني”)، وإبقاء ملاحقة مرتكبيها في إطار شكلي، بل وتعزز من قوتهم في الخفاء إلى درجة لم يعد معها بإمكان الجيش الاسرائيلي “التحكم بهم”.

تتمتع هجمات “المستوطنين” بحصانة فعلية تقي مقترفيها من أي رادع قانوني إسرائيلي، رغم أن بعضها استهدفت أفرادا من الجيش الإسرائيلي. وهؤلاء ينظرون إلى أنفسهم على أنهم طلائع الحركة اليهودية التي تدعو إلى تشكيل “إسرائيل الكبرى”، وبالتالي فإنهم يرون أنفسهم أعلى من سلطة القانون حيث يتحدون سلطة الدولة الإسرائيلية باسم مشروع التوسع الاستعماري وضم أراضي الفلسطينيين. ويغلب على عصابة “دفع الثمن” طابع التطرف العرقي، والتعصب الديني، أكثر من اليمينيين الاسرائيليين الآخرين، وهي عصابة معروفة بحقدها الشديد على العرب، نتيجة تلقي عناصرها العلم في مدارس الإرهاب الصهيوني، على أيدي متخصصين في “الإرهاب الديني اليهودي”. وإن كانت هذه العصابة مستعدة لقتل إسرائيليين، فلنتخيل ما قد يفعلونه بالفلسطينيين كلما أتيحت لهم الفرصة. وفي مقال كاشف حمل عنوان “لا يتحدثون عن النازية الجديدة اليهودية”، كتب عضو الكنيست والوزير السابق (يوسي سريد) يقول: “لم يكن النازيون أيضا نازيين الى أن أصبحوا نازيين؛ لأنه ما الذي فعلوه من الافعال القبيحة في الحاصل حتى ذلك الحين: أحرقوا كنسا هنا وهناك، وهشموا واجهات زجاجية، ورشوا الصلبان المعقوفة على الجدران، وبصقوا على اليهود في الشوارع، وسن مندوبوهم في الرايخستاغ (برلمان الرايخ الألماني) قوانين عنصرية. فلم يقتلوا ولم ينشئوا معسكرات ابادة بل هيأوا القلوب والاوغاد؛ وكان ذلك كل شيء. ولا يستطيع النازيون الجدد في ايامنا أن يفعلوا اكثر من ذلك، الى الآن”.

عدم السيطرة على هذه القطعان البشرية بات يصب ضد مصلحة إسرائيل. وقد انتقد عدد من الساسة الإسرائيليين وقادة المجتمع هجمات “دفع الثمن”. فقد أعلن كل من وزيرة القضاء الإسرائيلية (تسيبي ليفني) ووزير الأمن الداخلي (يتسحاك أهرونفتش) أنهما يفحصان إمكانية الإعلان عن “دفع الثمن” منظمة إرهابية، وذلك في جلسة طارئة دعت لها (ليفني) وحضرها مسؤولون قانونيون وأمنيون. وردت (ليفني) على جرائم “دفع الثمن” وقالت: “الآن الأمر يجري على جانبي الخط الأخضر. يجب أن نسأل الشرطة لم هؤلاء الأشخاص لم يعرضوا أمام القضاء. كافة الأنظمة القانونية وكل من يتواجد بهذه القاعة يطالبون بإلقاء القبض عليهم، وعرضهم أمام المحكمة ومعاقبتهم”. وهاجمت (ليفني) بشدة قادة المستوطنين قائلة :”يتضح أن جزءا من الحركة الاستيطانية انقلبت على صانعيها. وما بدأ كمحبة الوطن، تحول جزءا منه كوحش بري مليء بالكراهية تجاه العرب ودولة القانون وممثليها. يجب أن نكون متأكدين بأن العنف بحق القانون والجيش الإسرائيلي تتم معالجته على أكمل وجه”. أما (أهرونفتش) فقال: “يجب علينا الاهتمام بهذه الظاهرة الخطيرة. أعمال دفع الثمن تمس بالتعايش بين العرب واليهود، ويجب أن نقوم بإصدار أوامر إبعاد واعتقالات إدارية”. وفي ذات السياق، جاءت تصريحات مفاجئة من المتعصب “وزير الدفاع” الإسرائيلي (موشيه يعالون)، حيث أكد: “على إسرائيل محاربة جرائم الكراهية ضد العرب “بيد من حديد”. يجب علينا أن نصبح دولة تحارب العنصرية والعنف وكراهية الأجانب حتى النهاية.. والضرب بيد من حديد ضد الإرهاب الذي يطلق عليه خطأ لقب “دفع الثمن”، وهو ظاهرة بشعة لا علاقة لها بالقيم والأخلاق اليهودية، والتي تهدف إلى إلحاق الضرر بالعرب فقط لأنهم عرب”. كما ندد الرئيس السابق لجهاز “الشين بيت” (كارمي غيلون) برفض أجهزة الامن الاسرائيلية الحالية “التعامل مع هذه المجموعات الصغيرة اليهودية باعتبارها مجموعات ارهابية”. وأضاف: “في جهاز الامن الداخلي لا وجود لعبارة (لا يمكننا)، هي بالاحرى تعني (لا نريد)”.

لقد حذر معلقون وسياسيون إسرائيليون من أن تزايد فشل السلطات الإسرائيلية في وضع حد لهذه الظاهرة قد يؤدي إلى اندلاع رد فعل عنيف. غير أن غالبية الوزراء في الحكومة الاسرائيلية اليمينية يرون عكس ذلك، ويزعمون أن ما يمارس لا يرقى الى مصاف الاعمال الارهابية. بل إن وزراء في حكومة (بنيامين نتنياهو) أبدوا معارضتهم الشديدة لتحركات (ليفني). وبحسب ما تناولته الصحافة الإسرائيلية، سارع وزير الاسكان (اوري ارائيل) من حزب “البيت اليهودي” التأكيد أن “هذه الاعمال التي باتت تعرف في اسرائيل “دفع الثمن” لا تصل الى الاعمال الارهابية”. هي مخالفات جنائية تتحمل الشرطة الاسرائيلية وجهاز “الشاباك” المسؤولية عن استمرارها”. بدوره، هاجم الليكودي وزير المواصلات (اسرائيل كاتس) كلا من (ليفني) و(أهرونفتش)، على دعوتهما اعتبار “دفع الثمن” منظمة ارهابية بالقول: “لقد فهمت بأنهم يريدون التعامل مع الشبان اليهود من دفع الثمن كارهابيين، وماذا بشأن الشيخ رائد صلاح الذي يدعو الى ابادة اسرائيل؟”.

هجمات “دفع الثمن”، وخاصة على مواقع دينية إسلامية ومسيحية، باتت تشكل إحراجاً متزايداً لإسرائيل. ومع اقتراب موعد زيارة البابا فرنسيس، طالبت الكنيسة الكاثوليكية “السلطات الإسرائيلية باتخاذ إجراءات ضد المتطرفين”، في حين قالت البطريركية اللاتينية في القدس إن هناك موجة “جديدة من التعصب والإرهاب تستهدف المسيحيين في القدس”، مشيرة إلى أن “الأساقفة قلقون جدا لعدم توافر الأمن وغياب التفاعل على الساحة السياسية وتخشى تصاعد العنف”. بل إن الخارجية الاميركية استنكرت “كون اعتداءات المتطرفين الاسرائيليين وخصوصا المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة على الفلسطينيين لم تستتبع بملاحقات”.

أرقام الأمم المتحدة التي نشرت في وقت سابق من الشهر الماضي، تشير إلى أن المعدل السنوي لهجمات “المتطرفين اليهود” ضد الفلسطينيين قد تضاعف بأربع مرات تقريبا على مدى الأعوام الثمانية الماضية، بما في ذلك قطع الأشجار، تشويه المساجد والكنائس، وضرب المزارعين الفلسطينيين. صحيح أن “دفع الثمن” ربما ليست حزبا يعمل بحسب قانون الدولة، بل هي عصابة تتحول إلى مصدر سلطة “سيادية” مستقلة تقوم بتطبيق القانون، غير خاضعة لسيطرة الدولة الصهيونية الواضح تواطئها. ومن رحم هكذا “أم” يتم إنجاب هكذا “أزعر”!