أوسلو العشريني: استخلاصات من الماضي وتوجهات عن المستقبل

يعتبر أكثر من ثلثي الاسرائيليين والفلسطينيين (68% و69% على التوالي) أن الفرص ضعيفة او معدومة في قيام دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل خلال خمس سنوات بحسب استطلاع أجري في حزيران/ يونيو. وفي مقال نشرته وكالة (آكي) الايطالية للانباء بمناسبة مرور 20 عاما على اتفاق اوسلو، رأى (د. صائب عريقات) “أن المجتمع الدولي يهتم فقط بوجود عملية سياسية”. من جانبها، قالت (د. حنان عشراوي) “منذ اعلان المبادئ، حققنا عودة القيادة الفلسطينية الى الاراضي الفلسطينية وعودة حوالي 300 الف عائلة وبناء مؤسسات فلسطينية خاصة وبناء نظام فلسطيني اداري خاص”. لكنها استطردت: “خسرنا الكثير، سواء على صعيد الارض والموارد والقدرات الفلسطينية الخاصة، وقامت اسرائيل بفرض بنية تحتية معينة، وتم تحويلنا الى معازل منفصلة، بحيث باتت المستوطنات كأنها الاساس، والوجود الفلسطيني هو الجديد”. إسرائيليا، أقر أحد مهندسي تلك الاتفاقات الوزير الأسبق (يوسي بيلين) ، بأن “واقع ان نجد انفسنا بعد 20 عاما على توقيع اتفاقات اوسلو امام حجج واهية بدلا من بنية منجزة أمر مخيب للامال”. لكن، ربما كان أبلغ وصف إسرائيلي هو ما جاء بقلم الكاتبة اليسارية (عميرة هاس) حيث كتبت تقول في مقال بعنوان “كازينو توني بلير والسلطة الفلسطينية”: “كانت عشرون سنة من لقاءات التنسيق، وتبدو التقارير وكأنها قد نُسخت من السنة السابقة مع تغيير التاريخ فقط. لكن لا، فالمعطيات تتغير وهي تشير صراحة الى تدهور آخر للاقتصاد الفلسطيني. كانت نسبة النمو 6% في العام 2012 (قياسا بـ11% في 2011)؛ والبطالة 22.3% (19% في الضفة و30% في غزة)؛ ويوجد 1.6 مليون عائلة في وضع عدم أمن غذائي قياسا بـ1.3 مليون عائلة في 2011؛ وحصل 74% من العائلات في غزة و23% في الضفة على نوع ما من المساعدة. وقد ذُكر في تقرير البنك الدولي هذا العام القيود التي تفرضها اسرائيل باعتبارها العامل الرئيس في الوضع السيء للاقتصاد الفلسطيني ـ بقدر لا يقل عن 18 مرة عن العام الماضي”.

واستطرادا منا في إيراد الشهادات المنتقاة نسجل أن (د. مصطفى البرغوثي)، في مقال استخلاصي بعنوان “بعد عشرين عاما من أوسلو.. ما الذي يجب تعلمه؟”، يقول: “أوسلو كان فشلا للجانب الفلسطيني وانتصارا استراتيجيا لاسرائيل، لان احد الطرفين استخف بالبعد الاستراتيجي للصراع ، وظن انه يستطيع قهر الاستراتيجية بالتكتيك. ولعل أبرز معالم ذلك، ما تم من تغييب كامل للقانون الدولي عن مجرى المفاوضات، وما حدث من عدم تكافؤ مطلق في الخبرة والقدرات بين الجانبين، وما جرى من تواطؤ من الاطراف الدولية التي رعت وشجعت وزينت عملية اوسلو مع انها كانت تفهم فداحة الكارثة التي تم دفع المفاوضين الفلسطينيين لها”. من جانبه، يقول (هاني المصري) في مقال بعنوان “مستقبل القضية الفلسطينية بعد عشرين عاما على اتفاق أوسلو”: “هناك نقص في التشخيص، لأن الفلسطينيين لو أجمعوا على رفض اتفاق أوسلو أو تجاوزه لتصرفوا بطريقة مغايرة عن تلك التي يتصرفون بها حاليا، ليس لأن الاتفاق لم يحقق أهدافهم فقط، بل حقق أهداف اليمين الإسرائيلي، بالرغم من أن أوسلو وُقِّعَ بأيدٍ إسرائيلية يسارية، فذهب اليسار وبقي اليمين متمسكا بأوسلو، لأنه يعفيه من تقديم حل نهائي، ويمكّنه من مواصلة طريقه الاستعماري الإجلائي الاستيطاني الاحتلالي العنصري، فأوسلو لا يزال حيًا يرزق، لأن إسرائيل تريده كذلك؛ لضمان استمرار الالتزامات الفلسطينية فيه، أما الالتزامات الإسرائيلية فقد تم تجاوز معظمها منذ زمن بعيد”.

إذن، هل شكل الاتفاق فشلا ذريعا لحركة التحرر الوطني الفلسطينية؟ أم أنه لا يزال – كما يقول أنصار “اتفاق أوسلو” – “الممر الإجباري” الذي لا بد من المرور عبره إلى الدولة الفلسطينية المستقلة رغم قتامة الوضع الراهن؟ وهل تريد إسرائيل – حقا – سلاما حقيقيا مع الفلسطينيين والعرب والمسلمين؟ لقد أصبح من الواضح أن ما نفذته إسرائيل في عهد اسحق رابين (الذي تم قتله بسبب تفاهمات أوسلو) عادت الحكومات الإسرائيلية اللاحقة عنه بل وأبطلته. وتزداد الكتابات الإسرائيلية والغربية والعربية الرصينة التي تستخلص أن ثمة نجاحا باهرا لإسرائيل التي انتزعت الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل، ثم “اخترعت” مطالبتها التعجيزية من الفلسطينيين الاعتراف “بيهودية الدولة”، الأمر الذي ما فتئ يردده رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) سواء في زيارته الأخيرة للولايات المتحدة، أو بعدها، وقبل ذلك في خطاب له بجامعة “بار إيلان”.

أما وأن اتفاقية أوسلو – كما يرى كثيرون – قد باتت مرشحة للفشل التام، نتساءل مع كثير من الفلسطينيين والعرب وغيرهم: ما هي سبل وآفاق الخروج من الورطة التي أوقعنا فيها أنفسنا بالتزامنا الحرفي ببنود هذا الاتفاق في حين يكاد الجانب الإسرائيلي يتجاوز كل بند فيه؟!! وكيف يمكن استعادة الموقف السياسي الفلسطيني في ضوء برنامج نضالي للمشروع الوطني يتوافق عليه الجميع؟ لعل الحل يكون أولا بوقف المفاوضات الراهنة في اللحظة التي لا تحقق فيه إنجازا وطنيا للفلسطينيين ضمن سقف الأشهر التسعة المتفق عليها، ذلك أن العدد الكبير للمقارفات الإسرائيلية بحق (أوسلو) وبحق المفاوضات الجارية على قدم وساق (لكنها تدور في فراغ) يعطي للفلسطينيين حق التراجع عن كل ما تعهدوا به للمجتمع الدولي من خلال ذلك الاتفاق. ثم لم لا نعيد جثة (تفاهمات أوسلو) إلى قاتلها المثابر (بنيامين نتنياهو)، ونباشر التصرف من واقع كوننا “دولة تحت الاحتلال” وهو الأمر الذي أقرته – مؤقتا – الشرعية الدولية؟ ولم لا تباشر الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حركتي فتح وحماس، في إنجاز وحدة وطنية ولو محدودة على قاعدة إطلاق مقاومة شعبية سلمية ضد الاحتلال. فهل يعقل أن نبقى نتصرف وكأننا نقبل بأن نكون “بلدية” تحت الاحتلال الاسرائيلي، أو صيغة غير بعيدة عن “دولة سعد حداد” أو بالأحرى “دولة لحدية” نسبة إلى “دولة إميل لحد” في جنوب لبنان وهو، بالمناسبة، سقف ما يمكن أن تعطيه دولة الاحتلال الإسرائيلي وفقا للمحلل الاستراتيجي/ مدير الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق طيب الذكر (الجنرال شلومو جازيت) الذي “تشرفت” بمعرفته أثناء التحقيق معي إبان “إقامتي” في سجون الاحتلال؟!