قراءات إسرائيلية في كلفة احتلال الضفة الفلسطينية

تصر الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على استمرار احتلال الضفة الغربية مبررة ذلك بأنه “احتلال دفاعي عن إرث ديني، يرتكز في الدعوة إلى أرض إسرائيل التي تجمع كل يهود العالم، وحدودها من النيل إلى الفرات”. لكن ثمن الاحتلال الاسرائيلي وتأثيراته على الداخل الاسرائيلي كبير جدا منها وجود تأثيرات سلبية على مناحي الحياة مثل دفع قضايا مركزية اقتصادية واجتماعية نحو الهامش. وقد كشف مركز الإحصاء المركزي في الدولة الصهيونية مؤخرا “أن أكثر من 30% من الإسرائيليين يعيشون تحت خط الفقر، وأن نسبة الفقر في إسرائيل تعد الأعلى من بين دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية”، فيما كشف تقرير لوزارة التضامن الاجتماعي الإسرائيلية في نهاية 2011 أن هناك “نحو 151 ألف طفل وقاصر في إسرائيل، بينهم 47 ألف طفل في سن مبكرة، يقعون تحت خطر الفقر والإهمال والعنف والمخدرات”.

منذ 1985، قال (شلومو غازيت) “منسق النشاطات الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية” حينها، أن “الاحتلال غير محتمل ولن نكون قادرين على التعايش معه على المدى البعيد، وسوف يأتي اليوم الذي ستضطر فيه الحكومة الإسرائيلية إلى اتخاذ قرار صعب. والخيار الذي سنواجهه قد يكون قاسياً، خيار بين قرار سيؤدي إلى نزاع عسكري محتوم مع العالم العربي، وبين قرار سيؤدي إلى نزاع داخلي سيجعل من إخلاء ياميت ـ المستوطنة الإسرائيلية في سيناء والتي أعيدت إلى مصر ـ يبدو كمسرحية أطفال”. وعلى نحو متمم، جاء في مقال نشرته “الواشنطن بوست” لـ (رونالد كيربس) الأستاذ المشارك في العلوم السياسية في جامعة مينيسوتا استخلاصه إن مستقبل إسرائيل – “كدولة يهودية ديمقراطية ومزدهرة – يواجه تهديدات حقيقية تأتي من الداخل أكثر مما تأتي من الخارج، على رأسها الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين 67، الذي أثار استمراره نزعة قومية عرقية دينية عدوانية، أصبحت تبرز بشكل متزايد منذ 2000 زمن اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية”. ويحدث هذا في الغالب – أضاف – لأن “الإسرائيليين أصبحوا قانطين إزاء آفاق السلام”. على صعيد اقتصادي تتصدر الأرقام وقائعه، ظهر في نهاية العام الماضي كتاب بعنوان “الاقتصاد الاسرائيلي للاحتلال الاسرائيلي.. القمع ما وراء الاستغلال” للباحث الاقتصادي الإسرائيلي (شير هيفير). ولقد أكد الباحث أن “إسرائيل اتّبعت سياسات متناقضة، وفشلت قيادتها على مدى أربعة عقود من تشكيل استراتيجية متماسكة على المدى الطويل، للتعامل مع الأقاليم الفلسطينية المحتلة، ومن بين هذه التناقضات بناء المستوطنات في مناطق كانت إسرائيل ترغب في الانسحاب منها، وضم المناطق دون أن يرافق ذلك إعطاء المواطنة”. ويتابع (هيفر): “أي توقف للمساعدات الخارجية سيؤدي إلى كارثة إنسانية، وإسرائيل على إدراك تام بمسؤوليّتها الكبيرة تجاه الفلسطينيين تحت الضغوط الدولية. وإن وقعت الكارثة الإنسانية فلا يوجد جانب أخلاقي إسرائيلي يلزمها تلبية متطلّبات أكثر من ثلاثة ملايين من الفلسطينيين”. ويرى أن “هذه المساعدات لا تخدم منع الكارثة فقط، بل في إبقاء اليأس والقنوط، وإعطاء الناشطين الفلسطينيين فرصة لمراجعة خياراتهم غير العنيفة في الكفاح ضد الاحتلال”. ثم يحلل (هيفير) تكاليف الاحتلال، ويقول: “قامت إسرائيل بتمويل المستوطنين في الأقاليم الفلسطينية المحتلة بكميات كبيرة من الأموال، لتجنب السخط العام داخل إسرائيل في تفضيل المستوطنين عليهم”. وبعد أن يتطرق إلى عبء صواريخ المقاومة وحماية المستوطنين وضعف “جيش الدفاع” منذ حرب 1973، مرورا بالانتفاضتين وحرب لبنان 2006، يجمع التكاليف الأمنية التي تقدر بـ(381،02 مليار شيكل إسرائيلي). ويدخل (هيفير) في مقارنات بين التكاليف التي تكبدتها إسرائيل في السنوات الأخيرة من الاحتلال والسنوات الأربعين الأولى، ويجد أن إسرائيل “تنفق ما يقارب 8،72% من ميزانيتها على الاحتلال على مر هذه السنوات”، ويتوقع أنها “في عام 2038 ستنفق نصف ميزانيتها على الاحتلال، وذلك بالنظر إلى أعداد المستوطنين المتزايدة”.

بالمقابل، ومع تمسك إسرائيل باحتلال الضفة، وضياع الأمل في إنزياحها نحو السلام، يقول (دوف فايسغلاس) في مقال نشرته “معاريف” بعنوان “الخطيئة الأولى.. أوسلو فعل خيرا لليهود”: “اليوم، بفضل اتفاقات اوسلو، فان ادارة حياة نحو 3.5 مليون فلسطيني يسكنون في يهودا والسامرة وغزة هي على السلطة الفلسطينية وليس على دولة اسرائيل. فلتتذكروا، ايها المقربون: قبل “اوسلو” اسرائيل هي التي تحملت المسؤولية عن الحياة اليومية في المناطق الفلسطينية. هي التي قدمت عموم الخدمات المدنية اللازمة للسكان ودفعت رواتب الاف العاملين في الادارة العامة الفلسطينية”. ويضيف: “ماذا كان سيحصل لنا اليوم، لو كانت حكومة نتنياهو، تلك التي تجد صعوبة في ضمان رفاه معظم سكان اسرائيل، ستضطر الى العناية أيضا بملايين الفلسطينيين؟ ما هو الثمن الذي كان سيدفعه الاسرائيليون على إدارة حياة ملايين المستهلكين للاستثمارات والخدمات ولكنهم لا يساهمون في شيء في اقتصاد الدولة، لا في الضرائب ولا في المشاركة في قوة العمل؟ هذه ستكون ببساطة مصيبة”. ويختم، ناقلا عن شاهد فلسطيني: “اوسلو” هو “ترتيب اسرائيلي عبقري. هذا هو السجن الوحيد في العالم الذي يكون فيه السجناء فقط هم المسؤولون عن اعالة أنفسهم، دون أي مشاركة من الادارة. اسرائيل تتمتع بصلاحيات صاحب السيادة في مناطق الفلسطينيين، ولكنها غير ملزمة بواجبات صاحب السيادة؛ هذه هي خلاصة اوسلو اليوم”.

ونختم، بقول بليغ موجز، سجله (جلعاد بافدا) في  صحيفة “يديعوت أحرنوت” تحت عنوان “العدالة الاجتماعية في المستوطنات” من أن “الاحتلال لا يظلم ويذل الفلسطينيين فقط، بل يظلم ويذل أيضاً الإسرائيليين المقيمين داخل الخط الأخضر، ويمس بالفقراء والشريحة الوسطى، ولا عدالة اجتماعية بدون السلام. مللنا من مقولة أنه لا يوجد أموال لدى دولة إسرائيل، لا بل يوجد الكثير من الأموال. ولمعرفتكم، فميزانية السنة المالية 2011 لدولة إسرائيل كانت 366.8 مليار شيكل، و385 مليار شيكل ميزانية السنة المالية 2012”. ويفسر: “لمعرفة تكلفة الاحتلال يكفي العلم أن السيطرة على الأرض المحتلة، بواسطة سبع وحدات عسكرية، تكلف سنوياً حوالي 2.5 مليار شيكل، وبمبلغ كهذا يمكن منع عديد الإسرائيليين من الإفلاس ويمكن كذلك تقديم المساعدة للفقراء والأرامل والأيتام والعجزة”.