مع اقتراب الإنتخابات الأمريكية

الواقع في الساحة الأمريكية والدور المطلوب فلسطينيا وعربيا وإسلاميا؟ (5-5)

لا ننكر براعة الـــ “إيباك” وأخواتها وقدرتها الهائلة في جمع الأموال وصرفها لدعم “إسرائيل”، لكننا نظن ان هذا “اللوبي” الاخطبوطي يمر بـ “أزمة هوية”، وأن حياته أصبحت معقدة، خاصة بعد كل هذه التحولات اللافتة التي تحدث فى النظام السياسى والمجتمع الأمريكي، وبعد إطلاق ائتلاف من جماعات المصالح التقدمية مبادرة تسمى “ارفض أيباك”.
وفقا للاستطلاعات- ورغم التأثير الأكبر لـ «اللوبي الصهيوني» في الانتخابات الامريكية – إلاّ أن هناك حسابات تقول بأنّ أصوات الامريكيين العرب هذه المرّة – إضافة الى أقليات أخرى، قد يكون لها تأثير في «الولايات المتأرجحة» والتي توصف بولايات «ساحة المعركة»،.
وبعد، دعونا نتساءل عن الأسباب التي تجعل نخبة الولايات المتحدة السياسية تتغاضى عن مصالحها الحيوية في الشرق الأوسط من أجل دعم إسرائيل دعما مطلقا؟ وحقا، فإن هذه الإجابة لا تقف عند الأبعاد الكامنة في العلاقة الدينية الوثيقة التي جمعت بين الحركة المسيحية الصهيونية (إقرأ: المتمسيحون المتصهينون) بالصهيونية، وإنما تجمعها أيضا التقاء المصالح السياسية والإستراتيجية والاقتصادية والتاريخية وهي أمور لا يمكن التغاضي عنها.
وكما شهدت السنوات الأخيرة تراجعًا فى شعبية إسرائيل، وخاصة منذ بداية العدوان الإسرائيلى على “قطاع غزة” فى أكتوبر 2023، استقطبت القضية الفلسطينية مزيد التعاطف داخل قطاعات صاعدة فى الحزب الديمقراطى، مثل: الشباب، والقوى التقدمية، والأقليات العرقية، وحتى داخل الحزب الجمهوري، وارتفاع وتيرة الأصوات المتزايدة المنادية بفك الاشتباك الأمريكى مع إسرائيل والصراع العربى الإسرائيلى، وتقليص الدور الأمريكى فى الشرق الأوسط، وإعطاء الأولوية للقضايا الداخلية والمصالح الوطنية، مع تفضيل شريحة مهمة من الناخبين المستقلين أصلا لسياسة خارجية انعزالية وموقفًا أمريكيًا محايدًا فى الصراع العربي الإسرائيلي. ولقد أدت الأحداث إلى تأسيس تحالف واسع بين عديد القوى الرافضة للدعم الأمريكى للعدوان الإسرائيلي على “قطاع غزة”، والمطالبة بوقف كامل لإطلاق النار، وإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، ومقاطعة الشركات المتعاونة مع إسرائيل…إلخ. يضاف إلى ذلك نجاح الحركة الطلابية في الجامعات الأمريكية الآني والنسبي (وبالذات جامعات النخبة التي تحكم وتخرج الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة والجيل القادم من القادة) والتي مثلت ثورة غير مسبوقة في عالم الصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي، وسيكون لها ما بعدها، بعد اكتشاف ”الوجه الحقيقي البشع” لاسرائيل وما تم من سلب قديم/ جديد للحقوق الاساسية للشعب الفلسطيني.
لقد إحتاج التحول في الرأي العام من الكمي إلى النوعي إلى صاعق مفجر، جاء على شكل حرب الإبادة والفظاعات الإسرائيلية المستمرة في قطاع غزة أساساً (والضفة الغربية والقدس أيضاً) فتفجرت المسألة، الأمر الذي ساهم فى إحداث تحول نوعى فى الجدل السياسى والمجتمعى الأمريكى حول القضية الفلسطينية، إذ لأول مرة تصبح مسألة دعم إسرائيل قضية خلافية بين القوى السياسية فى المجتمع الأمريكي. ومن المتوقع ان يكون لهذه التطورات تأثير فى السياسات الخارجية الأمريكية على المديين المتوسط والبعيد، خاصة مع خروج الأجيال الأكبر سنا والأكثر ولاء لإسرائيل من المجال السياسى، وصعود الأجيال الأصغر إلى المواقع القيادية.
المطلوب بعد هذا الانفضاح العالمي هو استثماره بطريقة تضمن ديمومته والبناء عليه منذ اللحظة وصولا لمأسسته، وهذه تكاد تكون الطريقة الوحيدة التي من شانها تكريس وتعزيز وترسيخ الصورة القبيحة للكيان الصهيوني، و بالتالي الانتصار للحقيقة الفلسطينية على الرواية الاسرائيلية، بعد أن أصبحت هذه الحقيقة ولأول مرة تناطح وتفكك السردية الإسرائيلية التى طالما هيمنت على المجتمع الأمريكى منذ تأسيس الدولة الصهيونية. وعملية الاستثمار لكل ذلك الانفضاح مسؤولية فلسطينية في الأساس، لا تأتي ولا تؤتي أكلها إلا بدعم ضروري من المنظومتين العربية والاسلامية وجميع القوى الرسمية والشعبية العالمية الشاهدة على ذلك الانفضاح. وغني عن الذكر ان”عملية الاستثمار” المنوه عنها تحتاج، أولاَ واخيراً، الى انهاء حالة الانقسام الفلسطيني، بوحدة وطنية فلسطينية، تقوم على قاعدة من النضال السياسي و الدبلوماسي “الناعم”، بالتوازي مع مختلف انواع المقاومات “غير الناعمة” (اقرأ: الكفاح المسلح) التي لطالما استخدمتها حركات التحرر الوطني في معاركها ضد الاحتلال والاستعمار والاضطهاد بمختلف اشكاله….وبالتأكيد وفق ما اقرته القوانين والشرائع الدولية.
وكما تلعب الصهيونية المسيحية دورًا حيويًا في توجيه السياسة الغربية عموما والأمريكية خصوصا نحو دعم إسرائيل بشكل غير محدود، ونصرتها ظالمة أو ظالمة!؛ ليس هناك بد من إيجاد و تقوية لوبي فلسطيني/عربي/إسلامي (بالتعاون مع الشرفاء الأمريكيين) في الولايات المتحدة الأمريكية لإزالة الآثار السلبية التي خلقها اللوبي الصهيوني الأمريكي –وما أكثرها- في غير صالح قضايا العرب وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. (أيضاً، راجع مقالتي بعنوان “تلاشي “الهزبرة” الصهيونية وانكشاف “الزعبرة” الإسرائيلية”، المنشورة في صحيفة الرأي الأردنية وعديد المواقع بدء من الخميس 4/7/2024). ويبقى السؤال الأزلي: متى نؤسس ونمؤسس “لجنة” عربية تواجه “لجنة” الــ “ايباك” وأخواتها، خاصة بعد استحواذ القضية الفلسطينية على المزيد من مساحات التأييد في الرأي العام الأميركي، لا بل والعالمي أيضا؟

Dr.asad

كاتب وباحث عربي، ومحلل سياسي مختص في القضايا الفلسطينية وشؤون الصراع العربي الإسرائيلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى