عديدة هي المنظمات/ الجماعات الصهيونية الأمريكية التي تلعب دورا محوريا في دعم “إسرائيل” سياسيا واقتصاديا وعلميا وثقافيا، خاصة وأن أعضاء هذه المنظمات/ الجماعات نشطاء في معظم الحركات السياسية، ولهم نفوذهم في الحزبين الديموقراطي والجمهوري، ما يعني تزايد قوتهم الانتخابية وتأثيرهم على صناعة القرار السياسي المؤيد لإسرائيل. هذا، ولطالما عمل هذا اللوبي جاهداً لجعل الولايات المتحدة منحازة دوماً للدولة الصهيونية، وتأكيد أن “دولة إسرائيل” ذات موقع استراتيجي مهم بالنسبة للولايات المتحدة، والادعاء بأنها تكاد تشكل الحليف الفعلي الأوحد لها في منطقة الشرق الأوسط!!! لا بل والحليف الذي يوفر الحماية للمصالح الامريكية!!! (انظر خطاب نتنياهو الأخير في الكونغرس!!!)
وفي الوقت الذي يشهد فيه الرأى العام الأمريكى تحولات لافتة تجاه القضية الفلسطينية، وتراجع نسب التأييد لإسرائيل عند شرائح وازنة داخل وخارج الحزب الديمقراطى بشكل ملحوظ، خاصة فى أوساط القوى التقدمية والشباب والأقليات العرقية؛ تتزايد نسب الدعم لإسرائيل داخل الحزب الجمهورى مع تصاعد نفوذ التيار المسيحى الصهيونى الذي يمثل قطاعا عريضا من أنصار ذلك الحزب، كما يمثل نحو ثلث الهيئة الناخبة فى الولايات المتحدة الأمريكية، علماً بأن المسيحيين الانجيليين يشكلون نحو 40 % من الناخبين الجمهوريين. ومعلوم ان هذا التيار أصبح في العقود الأخيرة أهم مناصر لإسرائيل ولسياساتها اليمينية المتشددة. وفي المقابل، يعمل اليمين الإسرائيلي ومنذ سنوات على تعزيز الحلف السياسي والمالي مع هذا التيار، الذي يشكل المشروع الصهيوني جزءا مهماً من إيمانهم، والذي يدعم بسط سيادة اليهود على القدس والضفة الغربية وإعادة بناء “هيكل سليمان”، ويربط عودة “شعب إسرائيل”إلى أرضه بمجيء ا”لمسيح المنتظر”، ويسعى إلى مواءمة السياسة الخارجية الأمريكية مع نبوءات الكتاب المقدس بشأن هذه “العودة المقدسة”، ودعم إسرائيل كلاعب رئيس فى لاهوت آخر الزمان!!!
وبما أن “وجود اليهود في الأرض المقدسة هو أمر إلهي” عند هؤلاء المسيحيين الصهيونيين (اقرأ: المتمسيحين المتصهينين!)؛ فإن أي حرب تقوم بها إسرائيل هي بمثابة “مشيئة إلهية”. وفي ضوء هذا المعتقد الأعوج، تُعتبر كل حروب إسرائيل مصيرية ومقدسة يجب دعمها ماليا، ولا يجب أن تخضع للقوانين الدولية، وبالتالي فإن كل عملياتها العسكرية واستيلائها على الأراضي في حروبها السابقة، وإبادتها الجماعية، وجرائمها ضد الإنسانية في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس مبررة (وغيرها وغيرها من مقارفات)، ويجب الدفاع عنها في المحافل السياسية والدولية! وهكذا، استفادت “إسرائيل” من دعم التيار المسيحي الصهيوني على أكثر من مستوى أهمها: الأول: الدعم السياسي، والثاني: الدعم المالي، والثالث: تأييدها في عدم التزامها بالقانون بالدولي والتهرب من تبعاته. وليس سرا كون العقيدة البروتستانتية الأصولية، التي اعتنقها غالبية المهاجرين الأوروبيين إلى أمريكا والتي تأثرت كثيرًا بالديانة اليهودية، شكلت بيئة مناسبة لنمو هذا الفكر وانتشاره، هذا علاوة على طبيعة الشعب الأمريكي المحافظة/ “المتدينة”!!
فى العقود الأخيرة، تحول الحزب الجمهورى إلى المناصر الرئيس للمصالح الإسرائيلية فى واشنطن، ونشأ تحالف أيديولوجى وعقائدى بين القوى اليمينية المتطرفة بقيادة (بنيامين نتانياهو) فى إسرائيل من ناحية، وبالأخص القوى المتنفذة من التيار المسيحى الصهيونى داخل الحزب الجمهورى من ناحية أخرى. ورغم أن مختلف تيارات الحزب الجمهورى تدعم إسرائيل/ ومنها تيار “المحافظين الجدد” وتيار الوسط إلا أنه، وبعد صعود (دونالد ترامب) إلى سدة الحكم عام 2016 أصبح التيار المسيحى الإنجيلي المحافظ (الذى يعرف أيضا بالتيار المسيحى الصهيوني) الأكثر تأثيرًا داخل الحزب الجمهورى بشكل عام وفيما يخص إسرائيل بشكل خاص. وغني عن الذكر أن المقابل الذي دفعه وسيدفعه ترامب لناخبيه المسيحيين –إذا ما فاز-؛ سيغير بشكل حاسم الواقع الراهن في إسرائيل، بتشجيع من التحالف اليميني، ليس في الولايات المتحدة فقط، بل أيضاً في أمريكا اللاتينية، وغيرها من الدول، التي يؤثر فيها الصعود المستمر للجالية الإنجيلية المؤيدة للصهيونية وبالذات في السياسات الداعمة لإسرائيل.
في السادس من شباط/ فبراير عام 1985، ألقى سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة آنذاك (بنيامين نتنياهو) خطابا أمام المسيحيين الصهاينة، قال فيه: “لقد كان هناك شوق قديم في تقاليدنا اليهودية للعودة إلى “أرض إسرائيل”، وهذا الحلم الذي يراودنا منذ 2000 سنة تفجر من خلال المسيحيين الصهيونيين. إن المسيحية الصهيونية لم تكن مجرد تيار من الأفكار، إنما مخططات عملية وضعت فعلا من أجل عودة اليهود”! وفي هذا الاستخلاص المبكر وصف دقيق لجانب مهم من دور “المتمسيحين المتصهينين” هؤلاء في خلق ودعم وجود “إسرائيل”!