هل يخسر الكیان الصھیوني جیلاً من الأمریكیین؟

في السنوات الماضیة، تراجع تأیید الشباب الأمریكي للكیان الصھیوني وارتفع بالمقابل تأییدھم للقضیة الفلسطینیة ولا سیما بین طلبة الجامعات التي كانت ساحاتھا مركزا قویا لنشاط “حركة مقاطعة إسرائیل وسحب الاستثمارات – BDS” التي تقاوم الاحتلال والاستعمار الاستیطاني والأبارتاید الإسرائیلي من أجل تحقیق الحریة والعدالة والمساواة في فلسطین، وصولاً إلى حق تقریر المصیر لكل الشعب الفلسطیني في الوطن والشتات .وقبل أشھر قلیلة/ أشار استطلاع للرأي أصدره معھد “بیو للأبحاث” تغیر مشاعر الشباب الأمریكیین (بین 18 و29 عاما) تجاه طرفي الصراع الفلسطیني الإسرائیلي بصورة كبیرة ،إذ “بات %61 منھم ینظرون بإیجابیة إلى الفلسطینیین، في حین تبلغ النسبة تجاه الإسرائیلیین %56”.
ومنذ “طوفان الأقصى” ورد الفعل الإسرائیلي الهستيري واستمرار الإبادة الجماعیة في قطاع غزة ،حلت في أوساط الشباب الأمریكي شعارات جدیدة على رأسھا “من النھر إلى البحر”، و”الفصل العنصري”، و”سرقة الأراضي”، و”التطھیر العرقي” بدل شعارات سابقة ركزت على “حق إسرائیل في الوجود”، و”ضرب الإرھابیین”، و”معاداة السامیة”، فیما زادت الوقفات والمظاھرات المؤیدة للجانب الفلسطیني مقارنة بتلك المؤیدة للكیان الصھیوني ،الأمر الذي دعا رجل القانون الأمریكي (ریتشارد غولدفاسر) للقول: “إسرائیل على وشك أن تخسر جیلا من الأمریكیین ،وھذا یعني خسارة أمریكا”.
لاحقاً، كشف أحدث استطلاع في الولایات المتحدة (أجرته شركة “ھاریس إنسایت آند انالایتیكس” و”مركز الشؤون الأمریكیة في “جامعة ھارفارد”) والذي وصفته صحیفة “یدیعوت أحرونوت” الإسرائیلیة “بالدراماتیكي”: أن “%51 من الشباب الأمریكیین یعتقدون أن حل الصراع الفلسطیني /الإسرائیلي (المفضل) ھو نھایة دولة إسرائیل وتسلیمھا الى حماس والفلسطینیین”، فیما قال “%60 إنه یمكن تبریر “عملیة طوفان الأقصى” من خلال المحنة التي یعیشھا الفلسطینیون”، كما لفت غالبیة الأمریكیین الذین تتراوح أعمارھم بین 18-24 عاما وبین 25-34 عاما ،إلى إنھم “یعتقدون أن إسرائیل ترتكب إبادة جماعیة .”
وعلى صعيد متمم، انخفض تأیید الناخبین الأمریكیین للمساعدات العسكریة الأمریكیة للكیان الصھیوني. فوفقا لاستطلاع جدید أجرته جامعة “كوینیبیاك “ونشرته صحیفة “ذا ھیل الأمریكیة “، قال %45 فقط من الناخبین المسجلین أنھم یؤیدون إرسال الولایات المتحدة مساعدات عسكریة إضافیة للكیان الصھیوني”، وھذا انخفاض عن استطلاع سابق أجري في تشرین ثاني /نوفمبر الماضي حین قال “%54 من الناخبین المسجلین أنھم یریدون تقدیم مساعدات عسكریة إضافیة للكیان الصھیوني”. كما أظھر الاستطلاع “استیاء الأمریكیین من دعم بلادھم للاحتلال مع تواصل الحرب على قطاع غزة”. ومن المعلوم أن ھذا الاستطلاع الجدید قد جاء بعد یوم واحد فقط من إرسال مجموعة من الدیمقراطیین في مجلس النواب الأمريكي رسالة إلى الرئیس (جو بایدن) جاء فیھا: “نحن نشعر بقلق عمیق إزاء الاستراتیجیة العسكریة الحالیة لرئیس الوزراء الإسرائیلي بنیامین نتنیاھو في غزة ..إن تزاید عدد القتلى المدنیین والأزمة الإنسانیة أمر غیر مقبول ولا یتماشى مع المصالح الأمریكیة كما أنھا لا تقدم قضیة الأمن لحلیفتنا إسرائیل”. كما قال “%58 من الدیمقراطیین و%48 من المستقلین إنھم یعارضون المساعدات للحملة العسكریة الإسرائیلیة في غزة”.
جميع هذه الارقام مذهلة وكذلك مضامينها التي تصب في حقيقة كبرى قوامها ان ثمة تحولات تاريخية تجري داخل الولايات المتحدة (وغيرها، بالتأكيد، على امتداد العالم) وستكون لها نتائجها السياسية البارزة على صعيدي الاضاءة على السردية الفلسطينية للصراع (على حساب الرواية الاسرائيلية القديمة/الجديدة المختلقة) وأيضاً على صعيد كشف الوجه البشع للكيان الاسرائيلي. ومع ذلك، تبقى الأمور دوماً مرهونة بخواتيمها . فالمطلوب الان الحفاظ على، بل وزيادة، زخم هذه التحولات من خلال خطة مدروسة نضعها ونتابع تنفيذها على نحو يكفل استمرار سطوع شمس القضية الفلسطينية وافول “شمس” الاحتلال ودولته.