حيرة إسرائيلية كاسحة

هناك رؤية إسرائيلية مشوشة ومضطربة تظهر قوة تأثير “طوفان الأقصى”على المجتمع الإسرائيلي بكافة شرائحه! فكلما ازداد الإنشغال بإمكانية الدخول البري لجيش الاحتلال الإسرائيلي إلى قطاع غزة، يزداد أيضاً التوتر والحساسية على الحدود مع لبنان. وحتى اليوم لم يحقق الكيان الصهيوني نتائج عسكرية أو سياسية ذات قيمة اساسيه في الحرب، رغم آلاف الأطنان من المتفجرات التي دمرت أحياء سكنية كاملة وأوقعت عشرات آلاف الضحايا المدنيين بين شهداء وجرحى. وحتى تاريخ كتابة هذا المقال (الثلاثاء ٢٤ اكتوبر) ما يزال جيش الاحتلال الإسرائيلي في حالة انتظارعلى امتداد حدود “قطاع غزة” منتظرا البدء ب “تدمير حكم حماس”، فيما تتواصل الهجمات الجوية الكثيفة التي تستهدف البشر والشجر والحجر، اضافه الى عملية تهجير مئات آلاف المدنيين وذلك لربما في أوسع عملية تطهير عرقي إسرائيلي جديد لأبناء فلسطين تجري تحت وطأة عمليات الإبادة تقوم بها منذ نكبة 1948.

بطبيعة الحال، جيش الاحتلال يخشى صدمة جديدة قد لا يحتملها المجتمع الإسرائيلي، وهو ما زال يتخبط جراء صدمة “طوفان الأقصى”. فاجتياح بري إسرائيلي مع استمرار المجازر والتطهير العرقي من الجو والبحر مغامرة قد تؤدي لفقدان “نجاحات التطبيع” مع البعض العربي، الذي من المؤكد يعجز عن القبول بمساعي مكرسه لإبادة اكبر عدد ممكن من اهالى قطاع غزة، مع اتساع الرفض على المستوى الشعبي العالمي. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، ثمة خوف إسرائيلي أيضا من فتح جبهات اضافيه على رأسها الجبهة اللبنانية، خاصة وأن قوة حزب الله توازي قوة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة عشرات المرات.

الكيان الصهيوني مأزوم معنويا ومهزوم عسكرياً، وآثارعدوانه تعيشه غزة وباقي “القطاع” على مدار الساعة، حيث لم تسلم المستشفيات وأماكن العبادة. وفي هذا السياق، حذر العديد من العسكريين والجنرالات السابقين ومن ضمنهم (إيهود باراك) و(موشيه يعالون) و(يوسي كوهين) رئيس الموساد السابق من تضخيم الأهداف الطموحة التي وضعت للحرب، ومن مخاطر العملية البرية باعتبارها مضمونة الخسائر وغير مضمونة النتائج، وسخر بعضهم من التهديدات بـ”سحق حماس” و”تفكيك حماس” التي انطلقت على ألسنة القادة السياسيين والعسكريين، باعتبارها مهمة مستحيلة. ودعا الباحث في المجال العسكري (يجيل ليفي) إلى “عدم الإستغراق في أوهام إسقاط حماس”، مذكرا بأمثلة “الفشل الذريع في العراق، أفغانستان وليبيا، وكيف ساهمت هذه المحاولات في إشعال حروب أهلية”. أما (إيلي كرمون) الباحث في معهد السياسات والمحاضر في جامعة “ريخمان”، فيحذر مما أسماه “السيناريو الأكثر رعبًا لتداعيات العملية البرية”، مشيرا إلى “فتح جبهة جديدة ودخول حزب اللّه إلى الحرب، الأمر الذي سيقود إلى مواجهة أصعب بكثير من حرب لبنان الثانية عام 2006، فحزب اللّه يمتلك اليوم بين 100 و150 ألف صاروخ يبلغ مداها بين 20 إلى 700 كم بينها صواريخ دقيقة، إضافة إلى عشرات، وربما مئات الطائرات المسيرة”. وعلى حد قول اللواء احتياط (يعقوب عميدرور): “نحن نوشك على قرار صعب. إدخال قوات برية بحجم لم يشهد له مثيل في حرب لبنان، فيما أن الهدف هو إبادة حماس كمنظمة عسكرية. من شأننا أن نجد أنفسنا في جبهتين”.

سواء حصل الهجوم البري على قطاع غزة بشكل موسع أو على نطاق محدود، فإن الكيان الصهيوني ما زال متخوفا ومتلئكا في تنفيذه لإدراكه لحجم الخسائر البشرية المتوقعة لجنود جيش الاحتلال، بل إن موقع بلومبيرغ الأمريكي ذكر أن “إسرائيل غيرت لهجتها بشأن الخطط الميدانية، ما يعد مؤشرا على أن النهج يذهب باتجاه عملية محدودة”. وتبقى حالة الحيرة الإسرائيلية (نعم للحرب البرية أم لا؟ نعم لاقتحام بري شامل أم محدود؟) هي الحالة السائدة والكاسحة، ذلك أن المباشرة فيها من عدمه تخضع لجملة اعتبارات أساسية محلية واقليمية ودولية، وسط حالة غموض في الموقف الميداني قرب غزة وحتى عند الحدود اللبنانية، يرافقها حالة ترقب تسود العالم الذي يحبس أنفاسه من لحظة تضطر فيها إسرائيل أن تصوب أسلحتها نحو أهداف جديدة ردا على أطراف أخرى قد تنخرط في الحرب المحتملة. وإن غدا لناظره قريب.