الأسرى وشرارة انتفاضة جديدة
منذ بدء الصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي وما زال الأسرى الفلسطينيون يخطون صفحات مشرفة متتالية يحفظها تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية والنضال الوطني الفلسطيني. واليوم، ليس كغيره من الأيام السابقة حيث يقود الأسرى معركة نضالية نوعية في مواجهة سياسة وزير الأمن الصهيوني (إيتمار بن غافير) الذي يسعى من وراء فرض إجراءات تعسفية تمس حقوق الأسرى إلى التنفيس عن عقلية عنصرية، مع مخاوف إسرائيلية وتمنيات فلسطينية بأن تكون التضييقات والاستهدافات التي يواجهها الأسرى بالتوازي مع المذابح الجماعية والإعدامات اليومية في الشوارع شرارة انتفاضة جديدة.
الحركة الفلسطينية الأسيرة في سجون الاحتلال اليوم لربما في إحدى أخطر مراحلها الوجودية منذ تأسيس “دولة إسرائيل”، فالحركة في ظل الوضع السياسي الفلسطيني المزري أصبحت في مرحلة “استفراد صهيوني مؤلم”، رغم أنهم من خاض أشرس وأشرف معارك الوطن قبل الاعتقال، ويخوضون الآن أنبل معارك الكرامة داخل السجن، ولطالما كانوا من أصدق من عبر عن جراحات الوطن وهموم الشعب، والأقدر على انتاج مواقف وطنية تقدم مصلحة الوطن على أي شيء آخر.
ومع استمرار عصيان الأسرى رفضًا لإجراءات التنكيل التي تنفذها إدارة السجون، على أن يشرع الأسرى في الإضراب المفتوح ومعركتهم الكبرى “الإضراب عن الطعام” (بركان الحرية أو الشهادة)، مع بدء شهر رمضان، جاءت مصادقة الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) في الأول من آذار/ مارس الجاري بالقراءة التمهيدية على اقتراح قانون عقوبة الإعدام بحق الأسرى الفلسطينيين المتسببين بقتل إسرائيليين، وإحالته للجنة مختصة من أجل إقراره بالقراءة الأولى. لكن ذلك لم يردع الأسرى عن إعلان وصيتهم الجماعية، مؤكدين أنهم يقفون على أعتاب المواجهة الفارقة: “حررونا ونحن أحياء قبل أن تحررونا إلى ثلاجات الموتى (..) لا تتركونا وحدنا في ساحة المعركة”، داعين الشعب الفلسطيني للثقة بهم “وسنظل مشاريع شهادة حتى كسر قيدنا”. وتحرك الأسرى هذا يعكس عدم تخليهم عن نيل حريتهم، والدفاع عن حقوقهم الأساسية ومطالبهم العادلة، وإصرارهم على مواصلة النضال.
الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال هم ظاهرة استثنائية، يقفون بصلابة وشموخ أمام إجراءات إدارة السجون ومحاولاتها إذلالهم والنيل منهم، والاحتلال يدرك أن الأسرى باتوا “حزبا” وإن كان معنويا في المجتمع الفلسطيني، بخلاف الخارج المنقسم، حزب له دور محوري داعم وضاغط من أجل الصالح الفلسطيني.
لقد استخدمت “إسرائيل” سياسة الاعتقال والإحتجاز منذ بداية احتلال فلسطين، كوسيلة للسيطرة على الشعب ومعاقبته، وتدمير المجتمع الفلسطيني بأكمله، حتى أضحت السجون الإسرائيلية مكانا للتعذيب والتصفية الجسدية والموت البطيء. لذا نؤمن أن أعمى البصر والبصيرة من يرى أن الواقع اليوم على الأرض لن ينفجر، وأن الحرب الإسرائيلية على كل ما هو فلسطيني ستمر مرور الكرام، فنحن نراهن على إعادة تشكيل المراهنين على “السلام مع إسرائيل” لرؤاهم وأفكارهم السياسية بما يخدم مصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه غير القابلة للتصرف.