صمت مريب يدفع الاحتلال للتمادي

مع اقتراب اليوم العالمي لنصرة الأقصى (حريق المسجد الأقصى 21 آب 1969) تواصل الدولة الصهيونية، وبوتيرة متصاعدة، تغيير وطمس معالم القدس الحضارية، وتدمير الآثار والتراث، خاصة المسجد الأقصى ومحيطه، يقابلها صمت مريب للعالم، العربي والإسلامي والعالمي، متجاهلين الأخطار المتوالية والمتعددة التي تهدده، خاصة تصاعد الاقتحامات الصهيونية للمسجد، التي بات كثيرا ما يشارك فيها سياسيون صهاينة، بعد أن كانت محصورة فيما مضى على الجماعات اليمينية المتطرفة، لكنها في الآونة الأخيرة باتت تحظى بمشاركة وجوه سياسية، وبعد أن أصبح الإع?ان عن الاقتحامات علنيا وقبل أيام وأسابيع من موعدها.

الدعم العربي والإسلامي وأصلاً العالمي كان متواضعاً، ومع هيمنة الاحتلال الإسرائيلي على القدس، وملاحقته كل من يدعم صمود المقدسيين تراجع في السنوات الأخيرة الدعم المالي لمدينة القدس والمقدسيين، ما أثر سلباً على حياة المقدسيين، فيما نرى الجمعيات اليهودية المتطرفة تجمع مبالغ طائلة جدا لتهويد زهرة المدائن، في وقت تتم فيه ملاحقة المقدسيين من خلال سياسة الطرد الممنهجة وهدم البيوت وفرض شروط تعجيزية للبناء والترخيص، وفرض ضرائب باهظة عليهم. فالاحتلال يواصل الضغط على المقدسيين ويتخذ من البوابة الاقتصادية السبيل الأسهل?لتهجيرهم، ويمنع أي دعم رسمي ويغلق الجمعيات الخيرية التي تقدم دعماً ومعونات للمقدسيين ويعمل بضراوة على تجميد الأرصدة في البنوك ومصادرة الأموال، وهو بهذا يتخذ من الاقتصاد مدخلا للتضييق على المقدسيين عبر فرض الضرائب لحجج واهية.

لكن إلى متى هذا الصمت المريب؟! رغم أنه منذ احتلال القسم الشرقي للقدس في 1967 بان نهج سلطات الاحتلال المتجسد في مجموعة سياسات وإجراءات عنصرية ضد فلسطينيي القدس بهدف تقليص عدد هؤلاء المواطنين وتهجيرهم خارج ديارهم، عبر تكثيف الاستعمار/ «الاستيطان» من جهة، وإيجاد ظروف معيشية قاسية من جهة أخرى، وممارسة قمع ممنهج، حتى باتت القدس أكثر «ابتعادا» عن محيطها الفلسطيني بسبب إجراءات الحصار والعزل والإغلاق المفروضة على المدينة، وبالذات بعد بناء جدار الفصل العنصري في محيطها الذي حولها إلى «غيتو» كبير تحيطه المستعمرات/ «ا?مستوطنات» من الجهات الأربع.

من أسف شديد، تحولت الاقتحامات المتكررة للأقصى في بعض الإعلام العربي والإسلامي إلى عادة لا تحرك لأحد جفنا، فهي تتوالى يوميا، تارة من «المستوطنين»، وتارة من جيش الاحتلال، أو من الاثنين معا، وأيضا من السياح اليهود والأجانب.

وفي مقابل ذلك، تزداد القيود على الفلسطينيين والعرب، التي تحول دون وصولهم إليه. بذلك، تقول «إسرائيل» للفلسطينيين وللعالم أجمع إن القدس جزء لا يتجزأ من سيادتها، وإنها عاصمتها الدائمة، وهي تريد عبر هذه الاقتحامات اثبات الدعاية اليهودية التاريخية، التي تزعم أن «الهيكل» موجود أسفل المسجد الأقصى. بل إن الإعلام العربي والإسلامي بات يتعامل مع مسألة تقسيم المسجد زمانيا ومكانيا كأمر مسلم به. فالتكرار الإعلامي لهذه المسألة الخطيرة هدفه تعويدنا على تقبل تغيير الطابع العربي والإسلامي والمسيحي للقدس وتحويله إلى طابع يهو?ي.

بعيدا عن المواقف العربية والإسلامية التي لا تتعدى التنديد والاستنكار، فإن الدعم العربي والإسلامي للقدس يثير الشفقة. وهذا الصمت المريب يثير التساؤلات حول إدراك معظم القادة العرب والمسلمين لحقيقة ما تواجهه زهرة المدائن!