شيرين.. في بعض الغياب حضور أكبر
في ذكرى أربعين الشهيدة الإعلامية شيرين أبو عاقلة، وبعيدا عن البعد العاطفي في المسألة، فإن إعدامها أثبت أمرا أساسيا وهو أن الشعب الفلسطيني في ظروفه الخاصة التي يعيشها منذ 74 عاما يبحث دائما عن شخصية أو حدث، يعلن من خلاله للعالم أجمع أن الفلسطيني متمسك بقوميته وحقه بالحرية وتقرير المصير.
لقد كانت الشهيدة أبو عاقلة «إعلامية عضوية» مرتبطة بقضية شعبها، فتمترست دوما وأكثر من مرة في خطوط المواجهة الأولى في معارك شعبها مع الاحتلال الصهيوني. وتعرضت للتنكيل والوحشية الإسرائيلية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني ونخبه الإعلامية. وها هي أصبحت أيقونة للنضال الوطني الفلسطيني والعالمي بعد ما كشفت عملية إعدامها وتعامل الاحتلال مع جنازتها عن وجه الدولة الصهيونية الأكثر بشاعة.
أكدت مقولات كثيرة لسياسيين وإعلاميين إسرائيليين عن التزام الشهيدة أبو عاقلة بالمعايير المهنية والسلامة العامة للاعلامي في ميادين القتال والمواجهات. وقد كتب الصحافي الجريء (جدعون ليفي) يقول: «سقطت أبو عاقلة كبطلة خلال القيام بعملها. كانت صحافية شجاعة أكثر من جميع الصحافيين الإسرائيليين سوياً. كانت في جنين وفي كل مكان آخر تحت الاحتلال، وهم لم يكونوا هناك ولا مرة واحدة حتى، عليهم أن ينحنوا احتراماً وتقديراً وحزناً». أما (نير حسون) فقد كتب مقالا تحليليا لخص فيه ظروف استشهاد شيرين وما تبع ذلك من أحداث بالقول «المشكلة ليست في الرواية (الإسرائيلية) ولا في الإجراءات.. المشكلة في رفض (إسرائيل) النظر للفلسطينيين على أنهم بشر». وجاء في افتتاحية «هآرتس» التي طالبت بتحقيق دولي أمين وغير متحيز ومن دون أي تضليل: «لتخرج الحقيقة إلى الضوء.. ممنوع أن ينتصر «الصراع على الرواية» على الحقيقة. إسرائيل مرغمة أمام ذاتها وأمام العالم، على إعطاء إجابة واضحة وصريحة عما حدث في جنين: لماذا قُتلت شيرين أبو عاقلة؟». أما (جاكي خوري) فكتب في صحيفة «هآرتس» يقول: «العظَمة تسكن ببساطة في الصورة. هذا ما يمكن أن يفسر لماذا تحولت صورة النعش الملفوف بعلم فلسطين أمام رجال الشرطة إلى رمز هذه الجنازة في العالم كله. لأن هذه الصورة تحكي القصة الفلسطينية باختصار مؤلم. صورة فيها الموت، والألم، والقمع، لكنها أثبتت للعالم كله أن الشعب الفلسطيني حيّ ونشط، ولا يزال يطمح إلى الحرية». وفلسطينيا في مقالاته المتعددة عنها، أنصف الإعلامي والسياسي (نبيل عمرو) شيرين وما جسدته إنصافا يقتضي التنويه الخاص.
في الأحداث المتسارعة اليوم على الساحة الفلسطينية، ومنها كل تفاصيل ما حدث منذ إعدام أبو عاقلة مرورا بمعركة الجنازة وحتى دفنها، نحن أمام تحول في النظر الدولي للضحية الفلسطينية، صحيح أنه غير مكتمل اليوم، إلا أنه سوف يأخذ مداه غدا أو بعد غد. فما حدث أدخل القضية الفلسطينية، كقضية إجماع عالمي في مجال الاهتمام والتعاطف، فالكل توحد على إدانة ما حدث ويحدث، لكن الأهم كان سقوط وهم أن القدس هي عاصمة «دولة إسرائيل الموحدة»، وليس للفلسطينيين فيها أكثر من صلاة مقيدة باعتبارات أمنية.
في إحدى تغريداتها كتبت الراحلة شيرين تقول: «في بعض الغياب حضور أكبر»، وهذا حقيقة. فقد توحدت المشاعر الفلسطينية فى لحظة إجماع نادرة، كأنها ابنة كل بيت، وتواترت الإدانات من العالم، بمشاركة المنظمات الحقوقية والصحفية الدولية والأمم المتحدة ووزارات الخارجية بلا استثناء تقريبا. شيرين أبو عاقلة برحيلها ترسخ مقولة الشاعر محمود درويش: «قل للغياب نقصتني وأنا أتيت لأكملك».