رفع العلم الفلسطيني: رمزية سياسية وفعل مقاوم
في العام 1999، عندما أصر البابا يوحنا بولس الثاني خلال زيارته القدس المحتلة على أن يبدأها من بيت القاصد الرسولي في حي الصوانة، حاول الاحتلال إلزام الفلسطينيين برفع الأطفال المستقبلين للبابا وردة دون العلم الفلسطيني، إلا أن فيصل الحسيني الذي مرت ذكراه العطرة الشهر الماضي أعلنها صراحة: «سنحمل العلم لا محالة، وعليكم أن تختاروا، فإما العلم وإما الحجر»، وكان له ما أراد. وكنت شاهدا على ذلك.
لقد أضحى العلم الفلسطيني رمزًا مرتبطا بمقاومة الاحتلال وبالانتماء للوطن والتضحية في سبيله ما يجعل منه علما ذو قيمة سياسية وليس مجرد شعار لدولة. اليوم، هناك حرب إسرائيلية على كل من يرفع العلم الفلسطيني خاصة في القدس، علم يصر الاحتلال على تسميته «علم منظمة التحرير الوطني»، لا «العلم الفلسطيني»، في محاولاته لإنكار وجود شعب فلسطيني صاحب ذاكرة تاريخية.
العلم بحد ذاته ليس مخيفا، لكن ما السبب وراء موجة الغضب التي اجتاحت الدولة الصهيونية عندما رفع العلم الفلسطيني أثناء المظاهرات التي حدثت في الجامعات الإسرائيلية؟!! لماذا أخافهم رفع العلم؟ ولماذا اعتبروا العلم تهديدا وجوديا؟ ما جعل اللجنة الوزارية لسن القوانين توافق على إعطاء حرية التصويت على اقتراح قانون قدّمه عضو الكنيست (إيلي كوهين) «ليكود» «يمنع رفع علم دولة معادية، أو علم السلطة الفلسطينية في مؤسسات تموّلها أو تدعمها الدولة، ويشمل هذا الجامعات”؟
إنه الخوف المغروس في أعماق من يؤمنون بأن وجود «إسرائيل» منوط بإبادة الشعب الفلسطيني وبتهجيره، وأن أي رمز لهذا الشعب هو إنكار لوجودهم. وفي هذا يقول الدكتور (رائف زريق الفلسطيني من أراضي 48) المحاضر في القانون في «كلية أونو الأكاديمية، والباحث في «معهد فان لير» في القدس المحتلة: «ما يجري هو مجرد تحريض جامح، مَن يقوم به يعلم بأنه لا يوجد سبب، لا للخوف ولا للقلق (من العلم).. حتى لو كان مثل هذا القلق موجوداً، فهو موجود في الأساس في قلوب الذين يؤمنون بأن استمرار الوجود اليهودي في إسرائيل مشروط باختفاء الشعب الفلسطيني وانقراضه، ومَن يريدون أن يحلوا محل الشعب الفلسطيني، ولا يريدون العيش إلى جانبه».
من جانبها، كتبت صحيفة «هآرتس» في افتتاحيتها: «تدل العلاقة العدائية حيال العلم الفلسطيني على مسار من التطرف يمرّ به المجتمع الإسرائيلي. مجتمع لا يستطيع التسامح برفع هذا العلم بغض النظر عن السياق الذي يجري فيه ذلك، سواء أكان خلال جنازة الصحافية التي قُتلت خلال تغطيتها ظلم الاحتلال على يد جنود الجيش الإسرائيلي، أو خلال اعتصام في ذكرى النكبة أُقيم في جامعة بن-غوريون في النقب، في بئر السبع». وتضيف: «هذا الهوس بالعلم الفلسطيني يذكّر الإسرائيليين بخطيئة الاحتلال الذي ينكرونه. وفي المقابل، هو يشكل رداً على رفض الاعتراف (الصهيوني) بالهوية الفلسطينية في داخل إسرائيل». أو هو كما أعلن النائب العربي في الكنيست أحمد الطيبي: «هناك مرض جديد في إسرائيل اسمه «فوبيا العلم الفلسطيني» هو مرض صعب المصاب به يجن جنونه».
رفع العلم الفلسطيني احتجاج على استمرار الاحتلال، وخطوة رمزية مهمة للدفاع عن النفس في عالم ينكر وجود قضية فلسطينية ووجود شعب فلسطيني. هذا من جهة، ومن جهة ثانية ليست أقل أهمية هو فعل سياسي تحرري مقاوم يستعيد خلاله الفلسطينيون أينما كانوا إرادتهم السياسية في وجه السعي الصهيوني المستمر لمحو الهوية الفلسطينية الجامعة.