الطبيب العودات: “وجهك وضّاح وثغرك باسم”

طبيب يداوي الأم المفزوعة والأب القلق بنكات راقية لأنه – قبل كل اعتبار – انسان حقيقي. يعالج الأطفال بابتسامة كلها حنان لأنه – قبل أي اعتبار – إنسان بحق كان قد دخل عالم الطب، المهنة الإنسانية الأولى بلا منازع، ساعيا للتشرف بها أولا، ولكي يكون ثانيا أحد حملة راية الشرف فيها، أيضا لأنه إنسان، بل هو إنسان استثنائي. وحقا، “لكل امرىء من اسمه نصيب”! وفي حالتك أيها الحبيب الأثير، يا “وضاح العودات”، يا (أبا أمجد) فإن لك من اسمك نصيب غامر. وكل من عرفك لطالما انبهر بسطوع حقيقة أن “وجهك وضّاح وثغرك باسم”.

تكاد لا تغيب عن الخاطر سواء وجدتني في الأردن أو مسافراً خارجه. فما بالك وأن عملي يقتضي مني، يوميا، المرور من جوار بيتك. وكلما مررت، يهبط الحزن على شغاف قلبي، لكن سرعان ما تنتصر الابتسامة فتعلو على قسمات وجهي. ولا غرابة في ذلك، فلطالما كنت – يا صديقي الأثير – عنوانا للفرح وليس محطة للحزن. بل إن الحزن كان دوما نقيض ما سعيت إليه في هذه الحياة الدنيا. وكل واحد منا يعلم أن الحياة “تتلأمن” أحيانا (من خلال “بشر” لئام) واضعة في دربك – ودروب غيرك – ما يفرض عليك (وعليهم) حزنا عابرا أو حزنا شديدا ومقيما. وفي مثل هذه الحالات الشاذة، ومما سمعته منك أو شاهدته في عينيك، كم تبدّى لي ذلك الحزن، المقيم في دهاليز حياتك. وكما ويحدث معنا جميعا، لطالما ابتلينا بذلك النوع السقيم واللئيم من الحزن المنبعث من مقارفات صدرت عن “بشر” ساقطين (هم الاستثناء وليس القاعدة) تعثرت بهم أقدامنا تماما مثلما تعثرت بهم قدمك دونما أي أثر سلبي على دوام رقيّ سيرتك ومسيرتك الطويلة النبيلة والشريفة المغموسة بإنسانية غامرة.

نفتقدك – يا أبا أمجد- لأنك كلما جئت على البال (وهو حدث يومي والله) تشرق أرواحنا فنردد – وأنت العاشق للغتنا العربية -مع جلال الدين الرومي: “لا تشرق الروح الا من دجى ألم”. وبعد رحلة لي تقترب من “ثمانين حولا”، نرفض خاتمة “السأم” لدى شاعرنا أبا العلاء المعري، مؤكدين مع محمود درويش تمسكنا بالحياة لأنها جديرة بأن تعاش، وبالذات حين نقابل ونصادق فيها أصدقاء مثل دكتورنا الغالي وضاح! أمثاله قلائل نعم، لكنهم اصدقاء فعلا وقولا، ويمكننا السقوط عليهم في أي لحظة دون أن نرتطم بالأرض. وبما أن “الصديق وطن صغير”، فلطالما كنت لي -أيها الحبيب- الوطن ….. والأخ الذي لم تلده أمي، فكيف أنساك ونحن – على مدى (40) عام تقريبا- اخترتمونا ( زوجتي وأنا) أعضاء في العائلة نتشارك معكم دون غيرنا “عشاء الميلاد المجيد”، مثلما نتشارك معكم -بلا انقطاع- سهرة ليلة رأس السنة الميلادية منذ ما يقرب من (40) عام!!! واليوم، في ذكرى سنة على رحيلك، كم نفتقدك ونفتقد علمك الوافر، ونكاتك الراقية، وقهقهاتك المطربة يا أيها الحبيب المجبول بالرقي والحنان.