«زهرة المدائن»: هل يقتلعونها بالتهويد؟
تعيش القدس اليوم أسوأ أوضاعها من حيث التهويد والتهجير والاعتقالات. وتتعرض أحياء المدينة المحتلة على يدي قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستعمرين/ «المستوطنين» لهجمة شرسة تستهدف استكمال تنفيذ مخططات التهويد والتهجير وسرقة المزيد من أراضي أحياء القدس من أجل تنفيذ المشاريع الاستعمارية/ «الاستيطانية» وتفريغ مدينة القدس من سكانها أصحاب الأرض الأصليين وتغير معالمها وخارطتها الجغرافية، فيما تواصل الجمعيات اليهودية «الاستيطانية» تنفيذ سلسلة المخططات الهادفة لتهويد الأحياء المقدسية وتهجير المقدسيين منها من أجل تنفيذ مشروع القدس الكبرى. وإن كان التطهير العرقي حقيقة راسخة في فلسطين التاريخية منذ العام 1948، فإنه من بين 40 قرية في القدس وقضائها (التي بقيت تحت السيطرة الإسرائيلية بعد توقيع اتفاقية الهدنة العام 1949) تم تهجير سكان 38 من هذه القرى. ومنذ منتصف الثمانينيات، وأكثر في التسعينيات فصاعدا، بدأت سياسة تشجيع الاستعمار/ «الاستيطان» اليهودي في الأحياء العربية في شرقي القدس. ولقد استمرت هذه المقارفات حتى الآن في ظل جميع الحكومات، بدءا بغرس جيوب يهودية متعصبة في الحي الإسلامي في البلدة القديمة وفي سلوان ورأس العامود والشيخ جراح، وانتهاء باقامة أحياء كاملة في مناطق مأهولة بالفلسطينيين مثل جبل الزيتون وأبوديس وجبل المكبر.
الاحتلال يكثف من محاولاته عزل القدس وتحويلها لمدينة إسرائيلية. وهي المدينة الأكثر مواجهة مع قوات الاحتلال، فبحسب التقرير الشهري المشترك عن مؤسسات الأسرى وحقوق الإنسان (هيئة شؤون الأسرى والمحررين، نادي الأسير الفلسطيني، مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان ومركز معلومات وادي حلوة- القدس)، فإن «أعلى نسبة اعتقالات، الشهر الماضي (تشرين الثاني) كانت في مدينة القدس حيث اعتقلت سلطات الاحتلال 160 بينهم 54 طفلا وقاصرا من أصل 402 فلسطينيا».
لقد حذرت منظمة «العدل والتنمية لحقوق الإنسان» من تشكيل ميليشيات يهودية متطرفة مسلحة من «المستوطنين» اليهود لاستهداف الفلسطينيين داخل القدس وتهجيرهم تمهيدا لتهويد مدينة القدس بشكل كامل. وتقول الكاتبة الإسرائيلية (ايلانا هامرمان) في مقال بعنوان «عنف يهودي في القدس»: «التعريف الصحيح للنظام الذي يحكم القدس هو أنه نظام ابرتهايد يهودي عنيف، مقارنة به العنف الفلسطيني يعتبر لا شيء». وفي السياق، قال مركز «بتسيلم» الإسرائيلي في أحدث تقاريره إن: «موجة الهدم الإسرائيلية للمنازل الفلسطينية هي تعبير إضافي عن تصور النظام الإسرائيلي والذي يعتبر الأراضي مقدرات هدفها خدمة اليهود فقط. إسرائيل توظف شتى الآليات والسياسات التخطيطية والبيروقراطية لتحقيق تصورها هذا. تتسلم حكومة جديدة مقاليد الحكم وتغادر حكومة، ويستمر نظام الأبارتهايد على ما هو عليه».
أحياء القدس تواجه اليوم نكبة التهجير والتطهير العرقي، الذي تمارسه سلطات الاحتلال ضاربة عرض الحائط بكافة المعاهدات والمواثيق الأممية، في حملة متواصلة منذ العام 1967، لمحو الوجود الفلسطيني في زهرة المدائن، صارفة مئات ملايين الدولارات لتغيير معالم القدس. فماذا نحن فاعلون لنصرة أهل الرباط والحشد المقدسيين الذين يدافعون عن شرف ومقدسات العالمين العربي والإسلامي؟ وهل نفشل محاولات اقتلاع «زهرة المدائن» من خارطة المدن العربية والإسلامية.